سياسة وأمن » حروب

لماذا وبخ «ترامب» السعودية علنا بسبب حرب اليمن؟

في 2018/01/02

واشنطن بوست- ترجمة شادي خليفة -

قال مسؤولون أمريكيون إن توبيخ الرئيس «ترامب» العلني للمملكة العربية السعودية لدورها في النزاع في اليمن كان تحركا مرتجلا وسريعا، وذلك بعد أن قدم له مسؤولو الاستخبارات صورا عن الأزمة الإنسانية المتفاقمة هناك.

وفي بيان شديد اللهجة فاجأ الدبلوماسيين الأجانب وحتى الشخصيات الرئيسية في إدارته، دعا «ترامب» السعودية إلى السماح بوصول الطعام والإمدادات إلى «الشعب اليمني الذي يحتاج إليها بشدة».

وأضاف: «لأسباب الإنسانية، يجب أن يتم ذلك على الفور».

وكان البيان - الذي صدر في 6 ديسمبر - يمثل خروجا لافتا عن الدعم الذي لا يتزعزع الذي أظهره الرئيس الأمريكي تجاه قيادة المملكة. ويقول مسؤولون في الإدارة إنه كان له دور فعال في قرار السعودية بتعليق الحصار المفروض على مرفأ الحديدة في البحر الأحمر، على الرغم من أن النقاد يتساءلون عن مدى تأثير هذه الخطوة في تخفيف المعاناة المستمرة في اليمن منذ 3 أعوام تقريبا.

وتسلط هذه الحلقة الضوء - أيضا - على الدور القوي لصور معاناة المدنيين في إثارة الرئيس الذي تولى منصبه بتركيز محلي واضح وخبرة قليلة في السياسة الخارجية. وأحيانا، عبر الرئيس الأمريكي عن ردود مفاجئة وغير محسوبة.

وفي أبريل/نيسان، قرر «ترامب» إطلاق صواريخ توماهوك على قاعدة جوية سورية، بعد أن تسببت صورا تلفزيونية لضحايا هجوم بالأسلحة الكيميائية - ومن بينهم أطفال لا حيلة لهم - في ما قال إنه «تأثير كبير» عليه. وكان هذا هو أول هجوم مباشر من الولايات المتحدة على حكومة الرئيس «بشار الأسد» في الحرب الأهلية هناك، وهو ما بدا خروجا عن سياسة الإدارة تجاه رئيس النظام السوري.

ويبرز الانتقاد العلني من «ترامب» للمملكة العربية الجهد وراء الكواليس منذ أسابيع؛ حيث سعى المسؤولون الأمريكيون إلى إقناع القادة السعوديين بالرفع الكامل للحصار الذي فرضته المملكة على الموانئ اليمنية والمطارات والمعابر، بعد أن أطلق المتمردون الحوثيون صاروخا باتجاه الرياض في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، لكن المناشدات الخاصة من الدبلوماسيين ومساعدي البيت الأبيض كانت تفتقر إلى التأثير العملي من قبل «ترامب».

مثير للقلق

وقال «جيرالد فايرستاين» - الخبير في شؤون الخليج العربي وسفير الولايات المتحدة السابق لدى اليمن: «عندما يأتي النقد من الخارجية، فقد لا يعيرون ذلك انتباها. لكن إذا خسروا دعم دونالد ترامب، فسيكون من الواجب عليهم أن يكونوا قلقين بشأن تلك العلاقة».

وسلط مسؤولو المخابرات الضوء على تدهور الأوضاع في اليمن كجزء من الموجز الصحفي للرئيس صباح يوم 6 ديسمبر/كانون الأول، حيث كان ترامب مستعدا للاجتماع مع مسؤولي الحكومة، وفقا لما ذكره مسؤولون مطلعون على أحداث اليوم. وبعد ساعات من الإحاطة الإعلامية - التي تضمنت صورا تتعلق بالأزمة - أصدر البيت الأبيض بيان «ترامب».

وقال مسؤولون إن الرئيس سبق أن اطلع على الأزمة الإنسانية، بيد أن مسؤولا مطلعا على الاجتماع - الذي عقد يوم 6 ديسمبر/كانون الأول - قال إنه دفع الرئيس إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة. ومنذ ذلك الحين، سأل الرئيس بشكل دوري عن اليمن.

وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى عن تصريحات ترامب: «في الوقت الذي كان فيه القرار عفويا نسبيا، فقد وصل الأمر لذروته - أيضا - بعد أشهر من المناقشات التي دارت حول مسألة كيفية تخفيف المحنة الإنسانية في اليمن».

وكما هو الحال بالنسبة للرؤساء الآخرين، كثيرا ما استخدم الاستخباراتيون صورا ورسومات لتوضيح الظروف المعقدة في الخارج لـ«ترامب». ويقول مسؤولون مقربون من الرئيس إن نجم تلفزيون الواقع السابق «ترامب» يتعامل بشكل خاص مع الصور والرسومات المستخدمة في تلك العروض.

وقال «تيم أوبراين» - وهو من المهتمين بسيرة ترامب ومراقب له منذ فترة طويلة: «ليس لديه مساحة من الاهتمام أو الصبر على الجلوس والنظر في العديد من الملفات من خلال الكتب أو المواد الإعلامية». وأضاف «أوبراين» أيضا إن «ترامب» يتخذ قرارات غريزية على أساس ما يراه.

وقال «ديفيد بريس» - ضابط سابق في الاستخبارات المركزية - إن المحتوى المعروض في الموجز كان لديه القدرة على تشكيل تصورات الرئيس. وأضاف: «لقد كان شيئا عاطفيا ومحزنا لدرجة أن يكون لديه القدرة على تغيير السياسة».

معضلة أمريكية

وأثار الصراع في اليمن معضلة بالنسبة للولايات المتحدة منذ تدخل دول الخليج التي تقودها السعودية عام 2015 لاحتواء تمرد قالوا إن منافستهم الإقليمية إيران قد أثارته.

وقد حرص المسؤولون الأمريكيون على إظهار دعمهم للمملكة العربية السعودية، التى واجهت هجمات صاروخية متعددة من قبل حركة التمرد الحوثية. لكنهم سعوا أيضا إلى الابتعاد عن إدارة المملكة للصراع، والتي يقول النقاد أنها اتسمت بغارات جوية عشوائية ومتهورة.

وقدمت الولايات المتحدة دعما عسكريا - كان معظمه في شكل مبيعات للأسلحة ومساعدات في إعادة تزويد الطائرات بالوقود - إلى المملكة منذ بداية النزاع.

وكانت إدارة الرئيس «باراك أوباما» تنتقد بشدة الموقف السعودي من الأزمة الإنسانية، لكن كان هناك شعور بأن هذا الضغط قد ينحسر بعد تولي «ترامب» منصبه، حيث احتضن الرئيس الجديد قادة دول الخليج وتعهد بمساعدتهم في المواجهة ضد إيران. وقد دافع «ترامب» مرارا عن الأسرة الحاكمة في المملكة، بما في ذلك بعد حملة تطهير داخلي مثيرة للجدل.

بيد أن المسؤولين الأمريكيين أصبحوا يشعرون بقلق متزايد، لأن الصراع - الذي يقوده المتمردون والتحالف الذي تقوده السعودية - تسبب فى خسائر مدنية لا داعي لها، وأدى إلى مليون حالة إصابة بالكوليرا، ودفع الملايين إلى حافة المجاعة.

لكن العديد من المسؤولين يقولون إن الضغط العلني من قبل «ترامب» هو الذي دفع الحكومة السعودية إلى الإعلان في وقت لاحق - في ديسمبر/كانون الأول - عن السماح بشحنات إنسانية وتجارية، بما في ذلك الوقود الذي تمس الحاجة إليه، عبر الحديدة لمدة 30 يوما.

ولا تزال مجموعات الإغاثة تشعر بالقلق، لأن الأمر سيستغرق وقتا أطول من ذلك لتفريغ الإمدادات، ويشككون في أن يسلم الميناء إلى الأمم المتحدة كما هو مقرر، مما يزيد من احتمال إعادة فرض الحصار في وقت قصير.

وقال «سكوت بول» - كبير مستشاري السياسات الإنسانية في أوكسفام أميركا: «طالما بقيت الواردات من خلال الحديدة مهددة، فإن أسوأ الفظائع الجماعية التي وقعت منذ عقود لا تزال في الأفق».

وقال «بيري كاماك» - الذي كان مسؤولا في إدارة أوباما، وهو الآن في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي - إن إدارة «ترامب» يجب أن تشير إلى السعودية بأنها مستعدة لحجب الدعم العسكري.

وأضاف: «لدى الرئيس ترامب اهتمام الآن بالسعودية. لكن من أجل تحسين الظروف المأساوية في اليمن بشكل ملموس، سيحتاج إلى الإشارة إلى أن تصريحاته - في 6 ديسمبر/كانون الأول - لم تكن مجرد تحول في الخطاب، بل تغيير حقيقي في السياسة».