الخليج اونلاين-
لم يعد في اليمن حجر على حجر بسبب الحرب المدمرة المستمرة منذ 2015، وتفاقم المعاناة الإنسانية التي تندد بها المؤسسات الدولية العالمية، فيما تُدان السعودية بالتسبب بهذه الأزمة، والتستر على تجاوزاتها بتقديم المساعدات الإنسانية لقسم من المتضررين هناك.
ومع أن الأمم المتحدة لم تتردد في إدانة السعودية بسبب هجمات مقاتلاتها العسكرية التي خلفت وراءها الآلاف من الضحايا المدنيين، ووجّهت انتقاداً قاسياً إلى التحالف، آخرها في ديسمبر الماضي، فإن الرياض تعلن دعم المنظمات الإنسانية العاملة التي ينتشر فيها عدم الارتياح بأوساط العاملين فيها، حيث يعتقدون أن المملكة تقتل بيد وتداوي باليد الأخرى.
الأمم المتحدة كانت قالت إن التحالف الذي تقوده السعودية قتل أكثر من 100 مدني في غارات جوية واحدة، شنّها خلال الأيام العشرة الأخيرة من ذلك الشهر، لافتة إلى أن من بين القتلى 14 شخصاً من عائلة واحدة.
وأكد جيمي مكجولدريك، منسّق الأمم المتحدة في اليمن، أن غارات التحالف قتلت 109 أشخاص، بينهم 54 في قصف استهدف سوقاً مزحمة في مدينة تعز، واصفاً الحرب في اليمن بأنها "غير عقلانية"، وأنها "لا طائل منها"، في انتقاد مباشر غير معتاد للحرب التي يخوضها التحالف منذ 2015.
- جرائم حرب
الأمر لم يتوقف عند إدانة الأمم المتحدة، بل عمت مظاهرات مدينة لندن في 26 من يناير، مطالبين رئيسة الوزراء تيريزا ماي بإلغاء زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى بريطانيا، المقرّرة نهاية الشهر الجاري.
وسلّم ممثلو المنظمات رسالة مفتوحة لرئيسة الحكومة، ماي، مفادها أن وليّ العهد السعودي مسؤول عن أكبر كارثة إنسانية في العالم؛ في إشارة إلى حربه على اليمن، التي راح ضحيّتها آلاف القتلى والجرحى، فضلاً عن ملايين الجوعى، والأمراض الخطيرة التي باتت تنهش البلد الفقير، حسب قولهم.
ووقّع على الرسالة كلّ من المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، ومؤسّسة "الحملة ضد تجارة الأسلحة"، وتحالف "أوقفوا الحرب"، والمعهد البحريني لحقوق الإنسان والديمقراطية في بريطانيا، وتجمّع حقوق الإنسان في اليمن، ومؤسّسة "الديمقراطيون العراقيون" ضد الحروب والعقوبات، ومؤسّسة "شيبا" اليمنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى حملتي "مكافحة الفقر العالمي"، و"العدالة العالمية الآن".
لوسي كينشن، ناشطة حقوقية من مؤسسة الحملة ضد تجارة الأسلحة (كات)، قالت لـ "الخليج أونلاين": "جئنا هنا لنسلّم رسالة مفتوحة لرئيسة الحكومة، تيريزا ماي، ولنخبرها بأن محمد بن سلمان غير مرحّب به في المملكة المتحدة".
وأضافت كينشن، وهي من بين الذين سلّموا الرسالة للحكومة: "محمد بن سلمان هو مهندس الحرب ضد اليمن، وليس مرحّباً به هنا. نحن لسنا مسرورين بتقارب تيريزا ماي مع الحكم السعودي لضمان توفير المزيد من الأسلحة للسعودية مع استمرار الحرب المدمّرة على اليمن"، معتبرة أن ما يحدث في اليمن "مروّع"، وأكدت أن "دعوة محمد بن سلمان إلى هنا يرسل رسالة أن الاتّجار بالأسلحة أهم بكثير من حياة اليمنيين في نظر الحكومة البريطانية".
- استخفاف
الحوادث التي يرتكبها التحالف في اليمن تثبت الاستخفاف التام بالحياة الإنسانية، خاصة أن هذه الحرب التي لم تسفر إلا عن دمار البلد ومعاناة هائلة لشعبه الذي يعاقب في إطار حملة عسكرية لا طائل منها ينفّذها الطرفان.
وبات اليمن يشهد أسوأ كارثة إنسانية في العالم؛ إذ يعيش- وفق تقارير الصليب الأحمر- نحو 8 ملايين شخص على شفا المجاعة، وأصيب مليون شخص بالكوليرا، فضلاً عن انهيار الاقتصاد في البلد الذي كان يوصف حتى قبل الحرب بأنه أحد أفقر البلدان العربية.
في هذا الصدد، نقلت صحيفة "لوتون" السويسرية، في 31 من يناير، عن أحد عمال الإغاثة الذي عاد مؤخراً من مهمة في اليمن، وطلب عدم ذكر اسمه، أن "الأمم المتحدة قد لا يكون لديها الخيار في قبول تلقي أموال من طرف حكومة ما، لكن هناك مشكلة أخلاقية حقيقية".
وأضاف: "في كل يوم تُعاين المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن النتائج الكارثية الناجمة عن التدخل السعودي؛ فالرياض تُحاول إعادة تلميع صورتها، ولكن هل يجب الانخراط في هذه اللعبة؟".
-الدمار أعلى من الإعمار
ويأتي إعلان المملكة العربية السعودية، يوم الاثنين 22 يناير، عن تقديم قسط جديد من المساعدات الإنسانية بقيمة مليار دولار وإعراب الإمارات، حليفة المملكة، عن استعدادها لدفع دعم مماثل بقيمة 500 مليون دولار، بعد أن باتت المجاعة التي تهدد اليمنيين، ما حدا بالأمم المتحدة إلى إطلاق جرس الإنذار في هذا البلد العربي الذي يمر بـ "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
وبمراجعة بسيطة نجد أن السعودية أنفقت خلال السنوات الثلاث الماضية لتمويل أعمال الإغاثة أو المساعدات الإنسانية أو التي مُنحت إلى وكالات أممية ومنظمات إنسانية دولية معنية بالأوضاع في اليمن أكثر من 10 مليارات دولار، بحسب ما أعلن عبد الله بن عبد العزيز الربيعة، مدير مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية خلال يناير، مقابل مبالغ أضخم على تدمير البلد نفسه.
أما في عام 2017، فقد منحت السعودية مبلغ 294 مليون دولار للوكالات الأممية تم تخصيص ثلاثة أرباعه لفائدة اليمن وحده، فيما أبرمت الرياض مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر اتفاقا يخص 10 ملايين دولار لتمويل عملياتها الإنسانية في اليمن.
في حين أنفقت عسكرياً أضعاف هذا المبلغ، إذ تقدر جهات دولية تكلفة الحرب السعودية ضد "الحوثيين" في اليمن بما بين 85 ملياراً و760 مليون دولار، و87 ملياراً و560 مليون دولار، بما يشمل تكلفة الضربات الجوية والمساعدات المقدّمة لليمن، وقيمة إعادة الإعمار.
وقالت مجلة "فوربس" الأمريكية، بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب في 2015، إن تكلفة الأشهر الستة بلغت نحو 725 مليار دولار، أي إن التكلفة الشهرية تصل إلى 120 مليار دولار.
تقدير آخر جاء في دراسة نشرتها مؤخراً جامعة هارفارد الأمريكية، أشارت فيها إلى أن تكلفة الحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد.