مايكل نايتس- معهد واشنطن-
في 22 كانون الثاني/يناير، أعلن التحالف الخليجي بقيادة السعودية إطلاق "عملية إنسانية شاملة في اليمن" (YCHO) تهدف إلى معالجة الأزمة الإنسانية المستشرية في البلاد بشكل حاسم. وفي حال نجاحها، ستلبي المبادرة الدعوات الدولية إلى تخفيف الحصار الذي تفرضه قوات التحالف، مما يضع العبء على المتمردين الحوثيين لوقف إعاقة تسليم المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
أسباب الأزمة
كانت اليمن على حافة الانهيار في الأوضاع الإنسانية حتى قبل اندلاع الحرب والحصار الذي أعقبها. وفي عام 2010، وجد "برنامج الأغذية العالمي" أن 7.2 مليون يمني (أي 31.5% من السكان) يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بمن فيهم 2.65 مليون شخص (أي 11,8%) في وضع صعب للغاية. وقد عانت اليمن من الفقر وسوء التغذية والمياه غير الآمنة وسوء حالة الصرف الصحي قبل الحرب، لكن القتال الدائر منذ عام 2015 أدى إلى تفاقم الأزمة الصحية بشكل حاد. وبحلول نهاية عام 2017، قدّرت "منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" أن 17.8 مليون يمني (أي 64%) يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في حين أن 7 ملايين منهم (أي 25,1%) أصبحوا في وضع خطير، أي أكثر من ضعف معدلات عام 2010. ومن ناحية أخرى، قدّرت "المنظمة" بأن هناك مليون حالة اصابة بالكوليرا في البلاد في الوقت الراهن.
وقد أدت الحرب أيضاً إلى تراجع دخل الأسر بسبب انهيار الإيرادات الحكومية وتعثّر دفع رواتب القطاع العام في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. وتعتمد اليمن بنسبة 90% على المواد الغذائية والوقود المستوردة، حيث بلغت الأسعار إلى مستويات مرتفعة جداً في كليهما بسبب القيود التي يفرضها التحالف على الشحنات التجارية والضرائب الكبيرة التي يفرضها الحوثيون على السلع المستوردة. ويقدِّر "صندوق النقد الدولي" ارتفاع التضخم إلى 24% في عام 2017، مع ازدياد أسعار البنزين بثلاثة أضعاف خلال الحرب فضلاً عن ارتفاع تكلفة وقود الطهي بخمسة أضعاف. وتُعتبر "أسعار" المواد الغذائية والوقود الباهظة للغاية - مقابل عدم توافرها - الخطر الرئيسي الذي يواجه اليمن حالياً.
ويعني ذلك أنّ الإمدادات المقيّدة تشكّل عامل داعم يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وقد خلُص التقرير السنوي الذي أعده "فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن" الذي صدر العام الماضي إلى أن "جميع أطراف الصراع عرقلت توزيع المساعدات الإنسانية". ومن ناحية الحوثيين، ساهم المتمردون في تفاقم القدرة على تحمل التكاليف من خلال فرضهم رسوم جمركية إضافية على الشاحنات التجارية وناقلات الوقود التي تدخل مناطقهم، مما أدى إلى مضاعفة الرسوم التي دُفعت بالفعل في الموانئ. وفي آب/أغسطس، أفاد "منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن" جيمي ماكغولدريك عن تأخّر السلطات المتمردة في صنعاء في تسهيل دخول عمال الإغاثة، فضلاً عن "التدخل في تسليم المساعدات الإنسانية واختيار الشركاء في التنفيذ...وعراقيل خلال إجراء التقييمات، [و] ازدياد حالات تحويل المعونة بعيداً عن المستفيدين المتوخّين". وبعد مرور شهر، أكّدت "لجنة حقوق الإنسان" [منظمة "هيومن رايتس ووتش"] أن الوحدات الحوثية "تعرقل المساعدات وتصادرها"، مشيرةً إلى أنها "منعت وصولها إلى السكان المحتاجين، وقيّدت حركة المواطنين المرضى وعمال الإغاثة".
ووجّه المراقبون انتقادات أكثر حدّةً إلى التحالف السعودي وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً. ففي آب/أغسطس 2015، قصف التحالف عمداً رافعات تفريغ في ميناء الحديدة الرئيسي الخاضع للحوثيين، ثم رفض السماح بتسليم أربع رافعات بديلة قدمها "برنامج الأغذية العالمي". أما "فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن" فقد وجد في كانون الثاني/يناير 2017 أن "انعدام الأمن الناتج عن الهجمات الأخيرة على السفن التجارية وارتفاع رسوم التأمين ضد مخاطر الحرب ... بالإضافةً إلى مصادرة بعض السفن التجارية وحجزها وتحويل مسارها، قد تركت جميعها أثراً سلبياً على توزيع الإمدادات الغذائية التجارية". وفي 12 نيسان/أبريل 2017، وصف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والعقوبات الدولية إدريس الجزائري الحصار بأنه "أحد الأسباب الرئيسية للكارثة الإنسانية"، مشيراً إلى أنه "يشمل انتهاكات خطيرة لأبسط معايير قانون حقوق الإنسان [و] قانون النزاعات المسلحة". وقد وصل الرفض الدولي إلى أوجّه عندما أغلق التحالف لفترة وجيزة كافة الموانئ اليمنية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، أي بعد يومين من قيام الحوثيين بإطلاق صاروخ "قيام" الذي زوّدته إيران، باتجاه الرياض.
العمليات الإنسانية للتحالف
لطالما نفّذ التحالف الخليجي عمليات إغاثة كبيرة داخل المناطق المحررة من اليمن. وعادةً ما تتولى الإمارات العربية المتحدة قيادة "العمليات المدنية العسكرية"، حيث وفرت دعماً بقيمة 2.56 مليار دولار بين آذار/مارس 2015 وتشرين الثاني/نوفمبر 2017. ويشمل ذلك دفع الرواتب لموظفي الحكومة اليمنية التي تتجاوز 715 مليون دولار، وواردات ضخمة من المواد الغذائية بقيمة 436 مليون دولار، إلى جانب 286 مليون دولار على شكل مولدات كهربائية ووقود ودعم فني لقطاع الكهرباء. كما قدمت الإمارات مساعدات للقطاع الصحي بقيمة 166 مليون دولار تضمّنت برنامج تلقيح الأطفال الرضع الذي شمل 11 محافظة مع تدابير لمكافحة الكوليرا في معظم أنحاء البلاد. وعلى نحو منفصل، قدمت السعودية مساعدات إنسانية إلى اليمن بقيمة 869 مليون دولار بين عامي 2015 و2017، وأودعت 3 مليارات دولار في "البنك المركزي اليمني"، كما ساعدت اليمنيين المتواجدين داخل أراضيها بمبلغ قدره 1.1 مليار دولار، ناهيك عن برامج المساعدات الحكومية الثنائية إلى حكومة هادي بقيمة 2.3 مليار دولار.
ومع ذلك، فإن الجانب المفقود في هذه المعادلة هو التركيز على معالجة الأضرار التي تسببت بها العمليات العسكرية لقوات التحالف في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، ولا سيما خفض أسعار المواد الغذائية والوقود. وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر 2017، قدّم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد ثلاثة مطالب في هذا الصدد وهي: إعادة فتح مطار صنعاء، و"دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية على نحو أكثر اتساقاً"، وتوفير "وصول آمن للمساعدات الإنسانية والسلع التجارية" لتصل إلى الحديدة من أجل توزيعها على باقي أنحاء البلاد.
وتشمل المبادرة الجديدة لـ "العملية الإنسانية الشاملة في اليمن" تعهداً بتقديم مساعدات قدرها 1.5 مليار دولار (500 مليون دولار من كل من السعودية والإمارات و 500 مليون دولار من أعضاء التحالف الآخرين). ويلبّي ذلك نصف قيمة "خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية" لعام 2018 والبالغة 2.96 مليار دولار، علماً أنه سيتم توجيه كافة مساعدات التحالف عبر الأمم المتحدة في المرة الأولى. ويبدو أن "العملية الإنسانية الشاملة في اليمن" قد صُمّمت بعناية بالتشاور مع وكالات إغاثة لتلبية متطلبات الأمم المتحدة، وتتناول ثلاثة مجالات رئيسية هي:
· تعزيز القدرة على الاستيراد. تسعى "العملية الإنسانية الشاملة في اليمن" إلى زيادة قدرة الموانئ اليمنية على الاستيراد من 1.1 مليون طن متري شهرياً إلى 1.36 مليون. ويشمل ذلك رفع القدرة الشهرية على استيراد الوقود من 250 ألف طن متري إلى 500 ألف. وتحقيقاً لتلك الغاية، تمّ أخيراً تسليم الرافعات الأربع المحظورة التي قدمها "برنامج الأغذية العالمي" إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون في 15 كانون الثاني/يناير، على أن يساهم التحالف بتوفير أربع رافعات إضافية في الموانئ المحررة (اثنان في ميناء المخا، واحد في عدن، والآخر في المكلا). كما أن "العملية الإنسانية الشاملة في اليمن" قد فتحت معبرين حدوديين جديدين في بلدتي الخضراء والطوال السعوديتين، يربطان المملكة بشمالي اليمن الذي يسيطر عليه المتمردون (وهناك معبر ثالث مفتوح أصلاً في الوادية، يؤدي إلى محافظة مأرب اليمنية المحررة). ونظرياً، تتخطى نقاط الدخول هذه خطوط المعركة لترتبط بسبع عشرة مدينة يسيطر عليها المتمردون عبر ممرات آمنة أضافها التحالف إلى قائمة المدن التي يُحظّر ضربها. حتى أنه من المزمع تحسين بعض أنظمة الطرق داخل المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في إطار خطة تبلغ تكلفتها 30 مليون دولار.
· مد جسور جوية إلى صنعاء ومأرب. منذ 23 تشرين الثاني/نوفمبر، سمح التحالف لمنظمات الإغاثة الدولية بإنزال "مساعدات إنسانية أساسية" في مطار صنعاء، بما فيها لقاحات وغيرها من الإمدادات الطبية. كما عرض الجيش السعودي تسيير ما يصل إلى 6 طلعات جوية يومياً إلى مطار مأرب من أجل تسليم مساعدات أجنبية إلى وسط البلاد. وحتى كتابة هذه السطور، كانت المنظمة الوحيدة التي قبلت العرض هي "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" الذي أرسل 17 طائرة محمّلة بالمساعدات إلى مأرب خلال الأيام العشرة الأولى من إطلاق المبادرة. (تفضل معظم منظمات الإغاثة استيراد المساعدات عن طريق البحر).
· دفع الرواتب والإعانات الاجتماعية. موّلّت السعودية مؤخراً "البنك المركزي اليمني" برأسمال قدره ملياري دولار لمنع استمرار تدهور الريال في المناطق المحررة وتلك المحتلة من قبل الحوثيين. كما تقوم "العملية الإنسانية الشاملة في اليمن" بتقييم الخيارات المتاحة لحكومة هادي من أجل دفع الرواتب لموظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، وبالتالي استعادة دخل الأسر المعيشية وقدرتها على شراء المواد الغذائية والوقود والأدوية.
توصيات للسياسة الأمريكية
بدأت الحكومة السعودية - بعد تأخير ولكن بحكمة - بتلبية الاحتياجات الإنسانية للمدنيين اليمنيين في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. وتُعتبر الجهود الأولية التي تبذلها "العملية الإنسانية الشاملة في اليمن" بداية جيدة، مما سيزيد من القدرة على الاستيراد ويخفض الأسعار على الأرجح. ومن المنطقي تمكين مستوردي القطاع الخاص من استيراد المزيد من المواد الغذائية والوقود إلى اليمن من نقاط متعددة، ويرجع ذلك على الأقل إلى أن الاعتماد المفرط على الحديدة غير مستحسن، إذ قد تتفاقم حدة الصراع هناك أو يمكن إغلاق الميناء من جديد إذا استأنف الحوثيون هجماتهم الصاروخية على مدينة الرياض.
ومن المرجح أن يبقى ميناء الحديدة مفتوحاً بشكل دائم إذا لم يعتبر التحالف الخليجي أنه سيمنح الحوثيين ميزات تمكنهم من الانتصار في الحرب. وفي المرحلة القادمة، على واشنطن العمل مع الأمم المتحدة والتحالف الخليجي من أجل توفير صورة دقيقة قائمة على الأدلة عن مضايقة المتمردين أو ممارسات فرض الضرائب الجائرة في منافذ الاستيراد، بما فيها "مؤسسة موانئ البحر الأحمر" اليمنية في ميناء الحديدة ومراكز داخلية على غرار صرواح والبيضاء وذمار. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الأمم المتحدة العمل مباشرة مع الحوثيين من أجل تجريد الممرات الجديدة من السلاح - تلك الممرات التي تربط بين الخضراء والطوال ومناطق على غرار صعدة وعمران وحجة وصنعاء وإب.
وعلى الجبهة العسكرية، لا تزال الرياض معرضةً لخطر هجمات الترسانة الحوثية المؤلفة من صواريخ متوسطة المدى التي توفرها إيران، وقد تسفر الهجمات المستقبلية عن إغلاق ميناء الحديدة، كما حصل في تشرين الثاني/نوفمبر. وبالتالي، سيتعين على واشنطن وحلفائها الأوروبيين طمأنة السعوديين بأن إعادة فتح حركة المرور التجارية لن تسمح لطهران بتغيير أساليبها الحالية غير الفعالة بتهريب الأسلحة (أي استخدام مراكب شراعية صغيرة أو قوافل برية صغيرة) من أجل إعادة تزويدها بكميات كبيرة عبر حاويات الشحن. وفي الوقت الراهن، تنظّم "آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة" الشحن التجاري إلى الحديدة، حيث ينبغي تعزيزها بالمزيد من القوى العاملة ومعدات المسح الضوئي لمواكبة الطلبات المتزايدة لتفتيش الحاويات. وفي الوقت نفسه، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها مواصلة دعم التحالف الخليجي في الحفاظ على عمليات الاعتراض البحري المتشددة من أجل الاستيلاء على أي أسلحة إيرانية مهرّبة على طول الساحل باستخدام مراكب شراعية.
وأخيراً، يتعين على واشنطن إيجاد حل دبلوماسي للحرب باعتباره أحد أهم الأهداف الاستراتيجية على المدى القريب في الشرق الأوسط. وقد لفت الحجم الهائل للمشاكل الإنسانية انتباه البيت الأبيض إلى اليمن، لكن من شأن الاضطلاع بدور أكثر فعاليةً في إنهاء الحرب أن يخدم أيضاً مجموعة من المصالح الأمريكية الأخرى. فعلى سبيل المثال، شكل الصراع قفزة هائلة إلى الأمام بالنسبة لإيران، حيث تتكبد نفقات ومخاطر ضئيلة في اليمن، في حين شكّلت مصدر إلهاء باهظ الثمن ومشوهاً [لسمعة] السعودية وشركائها. فضلاً عن ذلك، طالما تستمر الحرب، سيتمّ تقسيم الدفاعات الصاروخية الخليجية والوحدات العسكرية الأمريكية المحلية بين التهديدات التي يتعرض لها الجنوب (أي اليمن) والشرق (أي إيران)، في حين لن تكون القوات السعودية والجيش الإماراتي النافذ جداً قادرين على تقديم مساهمات كبيرة في مكامن تهديد أخرى مثل سوريا.
ومن أجل تعزيز عملية إحلال السلام والحدّ من الفقر في معادلة المجاعة، يتعين على واشنطن مضاعفة جهودها لإعادة توحيد "البنك المركزي اليمني" وتنشيط فعاليته بشكل كامل لتمكينه من تمديد دفع رواتب أكثر من مليون موظف حكومي في أراضي تواجدهم. إن إقناع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بمتابعة هذه الخطوة من المرجح أن يتطلب قيام الجهات الفاعلة العالمية بتسليط الضوء على الضرائب الحوثية المفروضة على عمليات تسليم المساعدات، والسعي بقوة إلى عودة حكومة هادي إلى صنعاء.