بيتر ساليسبري - وورلد بوليتيكس-
منذ توحيد اليمن عام 1990، كانت هناك إيمان مشترك بين الدبلوماسيين الأجانب والمسؤولين الحكوميين اليمنيين من أن الانفصاليين الجنوبيين متشتتون جدا، وغير منظمين إلى حد كبير، لكي يطالبوا بالاستقلال أو حتى ببعض الأهمية السياسية. وكان يُنظر إليهم على أنهم رعاع أصحاب صوت عال بدون أي منصة حقيقية سياسية أو أي استراتيجية للعمل. وقد غيرت الحرب الأهلية في اليمن كل ذلك؛ حيث يتجه مجموعة من الانفصاليين الآن لبناء دولة، داخل حالة من الفوضى في اليمن.
وفي أواخر يناير/كانون الثاني، أظهرت الاشتباكات التي وقعت في مدينة عدن الساحلية الجنوبية، التي كانت موطنا للحكومة المعترف بها دوليا والتي فرت من العاصمة صنعاء عام 2014، بعد أن استولى عليها المتمردون الحوثيون، أظهرت ثقة الانفصاليين في موقفهم على الأرض، ونفاد صبرهم عن انتظار مكان على الطاولة السياسية. كما كشفت المواجهات عن الموقف الهش للرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي».
ويوفر «هادي» الذي يقيم حاليا في المنفى في الرياض، الغطاء السياسي والقانوني لدور السعوديين في اليمن. وقد أطلق السعوديون حملتهم في اليمن في مارس/آذار عام 2015، بعد طلب رسمي من «هادي» بالمساعدة العسكرية. ثم حصل السعوديون على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، الذي يطالب الحوثيين بتسليم صنعاء إلى «هادي»، بالإضافة إلى أي أسلحة كانوا قد حصلوا عليها خلال العملية. وتحدد ديباجة القرار رقم 2216 اسم «هادي» على أنه الرئيس الشرعي لليمن، وهو ما يحرص السعوديون وحكومة «هادي» على تسليط الضوء عليه. وفي رأيهم، يجعل هذا «هادي» وحكومته هم الممثلين الشرعيين الوحيدين للدولة اليمنية حتى إشعار آخر. مع الوضع في الاعتبار وجوب حضورهم في أي اتفاق سياسي في اليمن.
ولكن إذا تبين أن «هادي» نفسه غير شرعي، فكيف يكون وضع السعوديين؟
وفي 22 يناير/كانون الثاني، أعلن «عيدروس الزبيدي»، زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي أو حاكم عدن السابق، حالة الطوارئ في المدينة، مستشهدا بـ«الفساد المتفشي»، وهدد بأن قواته قد تسقط الحكومة خلال 7 أيام، ما لم يتم استبدال «هادي»، وأن يحل محله رئيس الوزراء «أحمد عبيد بن دغر». ويعد «الزبيدي» حليفا رئيسيا لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشريك الرئيسي في التحالف السعودي. وتحظى القوات التي يوجهها - إن لم يكن يرأسها - على تدريبها وتجهيزها بشكل كامل تقريبا من قبل الإماراتيين، ويتحكم في ميزان القوى في معظم المحافظات الجنوبية، إلى جانب وحدات الشرطة التابعة والميليشيات المحلية. وقد شكل «الزبيدي»، بعد إعلانه إقالته من قبل «هادي» في أبريل/نيسان عام 2017، المجلس الانفصالي الجنوبي من مجموعة من الشخصيات السياسية والأمنية من دائرة واسعة في الجنوب. وعلى الرغم من أن المجس لا يحظى باعتراف عالمي، فإنه يعتبر نفسه ندا للحكومة.
وبعد 6 أيام من إنذار «الزبيدي»، اندلعت اشتباكات بين الحرس الرئاسي الموالي لـ «هادي» والهيئات المسلحة التابعة للمجلس الانفصالي. وفي غضون 48 ساعة، كان للانفصاليين اليد العليا، حيث أحاطوا بقصر الرئاسة على الطرف الجنوبي الشرقي من المدينة، حيث مقر «بن دغر». وتوقفوا فقط بعد تدخل الإمارات والسعودية.
ومنذ ذلك الحين، عقدت هدنة هشة في عدن، وكان «بن دغر» قيد الإقامة الجبرية الفعلية. وقد حرص المجلس الانفصالي الجنوبي على القول بأنه لا يزال يرى «هادي» رئيسا قانونيا غير أن «هادي» وصف المواجهة بأنها «محاولة انقلاب» ضد حكمه الشرعي.
أولويات متباينة
وتعتبر وحدات الحرس الجمهوري التي تحارب القوات الانفصالية، مدربة ومجهزة بشكل كبير من قبل المملكة العربية السعودية، مما دفع بعض اليمنيين لرؤية الانقسام بين الرياض وأبوظبي، الحلفاء في الحرب الأوسع ضد الحوثيين. ولكن من المفهوم أن ذلك نتيجة غير مقصودة للأولويات المتباينة، والاستراتيجية المنحازة بشكل سيء، ورفض حكومة «هادي» الامتثال لوضع النظام الدمية.
وعندما أعلنت المملكة دخولها في حرب اليمن، مع تحالف عسكري يضم 11 دولة ضمت الإمارات، كان القادة الإماراتيون متشككين من التوقعات السعودية بالإطاحة بالحوثيين بسرعة. وبمجرد أن أصبح واضحا أن النصر بعيد المنال، وأن السعوديين لم يفهموا سوى القليل من الأوضاع على الأرض على جانبي النزاع، تم نشر مفرزة صغيرة من القوات الخاصة الإماراتية في عدن لتقييم الوضع.
وما تبع ذلك إثبات الإماراتيين لأنفسهم كقوة عسكرية فعالة بشكل مدهش لدى واشنطن. وبالتنسيق مع القوات المحلية، ساعد نشطاء الإمارات على دفع الحوثيين أولا من عدن، ومن ثم إلى خارج معظم المقاطعات الجنوبية. ودفعت القوات المدعومة من الإمارات - في وقت لاحق - تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من مدينة المكلا جنوب شرق الميناء، التي كانت القاعدة في شبه الجزيرة العربية قد احتلتها في وقت مبكر من الحرب. وفي كلتا الحالتين، كانت هناك اختلافات في الصفقات والمخارج المتفاوض عليها، وليس الأمر كما تم تقديمه على أنه انتصارات عسكرية كاملة.
ومنذ ذلك الحين، لعبت القوات الجنوبية المدربة والمجهزة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة دورا أساسيا في تأمين الأراضي في الجنوب. كما كانت الوحدات العسكرية التي توجهها الإمارات تقطع طريقا بطيئا على الساحل الغربي لليمن، باتجاه ميناء الحديدة الاستراتيجي، الذي يسيطر عليه الحوثيون.
وقد أصبح الإماراتيون يشعرون بالإحباط بشكل متزايد من «هادي»، الذي يقولون إنه فشل في استعادة الاعتراف بالحكومة في المناطق المحررة، رغم الدعم الخارجي الوفير. والأهم من ذلك، يعتقدون أن الرئيس قد جعل الاصلاح، وهو حزب إسلامي سني له صلات مع جماعة الإخوان المسلمين، حليفه المفضل على الأرض. وفي أبريل/نيسان من عام 2016، أعلن «هادي» علي محسن الأحمر، وهو قائد عسكري وحليف معروف للإصلاح، نائبا جديدا له، والقائد بحكم الأمر الواقع للقوات المسلحة اليمنية.
ويرى المسؤولون الإماراتيون أن «هادي» يشكل عقبة أمام السلام، حيث يستفيد تماما من استمرار الحرب، ولديه كل ما يخسره من اتفاق سلام من شأنه أن يطيح به بالتأكيد.
وقد أبرزت المواجهة مرة أخرى مدى هشاشة شرعية «هادي». ومع اقتراب الحرب، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الرئيس المعترف به دوليا ليس لديه سوى عدد قليل من الدوائر الحقيقية على أرض الواقع، وأن السعوديين والإماراتيين أكثر استعدادا للتخلي عنه في حالة التوصل إلى اتفاق سلام يخدم مصالحهم.
وما يحصل عليه «هادي» من نفوذ قد جاء فقط من منصبه الرسمي، والذي يسمح له بتسمية المسؤولين، وأن يقول «لا» عند الضرورة بصوت عال وعلني. وفي عام 2016، سحب المفاوضين من محادثات السلام في الكويت، عندما بدا وكأن صفقة قد تم توقيعها بين الحوثيين والسعوديين. وكان تعيينه لشخصية مثل «علي محسن الأحمر» والإطاحة بحليف الإمارات «خالد بحاح» من منصب نائب الرئيس، أمرا يثبت أن «هادي» لا يزال سياسيا مميزا، مما يجعله غير مستساغ تماما كرئيس للإمارات. ويعتبر «علي محسن» مهندس الاستراتيجية الفائزة في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في اليمن عام 1994، شخصية مكروهة أيضا في الجنوب.
وقد تكون قبضة «هادي» على السلطة ضعيفة، ولكن لا يمكن إزالته أو تهميشه دون تقويض شرعية الحملة السعودية والإماراتية. ولقد حسب، بشكل صحيح حتى الآن، أن الانفصاليين الجنوبيين وحدهم هم القادرين على الذهاب بعيدا حتى الآن. والسؤال هو إلى متى هم على استعداد للانتظار.