إيكونوميست- ترجمة فتحي التريكي -
تتمايل القوارب الشراعية الزاهية اللون فوق أمواج بحر العرب، بينما يتسابق الصيادون لبيع حصيلتهم من أسماك السيف والتونة على الشاطئ في حين يستخدم السردين الذي يجف في الشمس كعلف للجمال التي تفترش الشوارع. تبدو الحياة بسيطة هنا في ميناء الغيضة، عاصمة محافظة المهرة الواقعة في أقصى شرق اليمن.
ولكن وصول القوات السعودية والإماراتية إلى المدينة يبدو أنه يعقد الأمور. وتدخلت هذه القوات بدعوة من الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» الذي أطاح به الحوثيون في عام 2015. ويسيطر الحوثيون اليوم على خمس أراضي البلاد بينما تسيطر القوات السعودية والإماراتية والموالين لها على باقي مساحتها تقريبا. ولكن مع تشديد السعوديين والإماراتين قبضتهم على اليمن فإن البلاد تتمزق بشدة.
أطماع استعمارية
ويقول مسؤولون سعوديون وإماراتيون إن نشر قواتهم في جميع أنحاء البلاد هو لخدمة الأغراض الحربية. لكن مع رصد نقاط التمركز السعودية، نلاحظ بسهولة أنها تتوافق مع الطريق التجاري التقليدي للبخور الذي يمتد عبر المحيط الهندي إلى الجزيرة العربية، ما يظهر الأمر وكأن المملكة تشق طريقا جديدا إلى الساحل.
في الوقت نفسه، يبدو أن الإجراءات التي تتخذها دولة الإمارات في اليمن هي جزء من استراتيجية أكبر لحشد الموانئ على طول بعض طرق الشحن الأكثر ازدحاما في العالم.
وكان السعوديون الذين يعملون في ميناء الغيضة قد اشتروا ولاء شيوخ القبائل في الشرق والجنوب من خلال توزيع الأسلحة والسيارات وجوازات السفر السعودية وذلك في أعقاب استيلائهم على المدينة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويهدف السعوديون إلى منع شحنات الأسلحة الإيرانية من التدفق عبر الميناء.أما في سيئون، إلى الغرب، يعمل السعوديون على تدريب قوات موالية للرئيس «هادي» في حين يتعاونون مع «علي محسن الأحمر»، نائب «هادي»، وحلفائه في التجمع اليمني للإصلاح لإعادة بناء الجيش اليمني الذي سيطر عليه الحوثيون عندما استولوا على العاصمة صنعاء عام 2014.
من ناحية أخرى، تبدو دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر نشاطا. ومع مطلع العام الماضي، أطلق الهلال الأحمر الإماراتي مهمة إنسانية في الغيضة وبحلول أغسطس / آب، تولى الجيش الإماراتي المهمة. واستولت الإمارات على سلسلة أخرى من المواني مثل المكلا وعدن والمخا. وهي تسيطر على المصنع الوحيد لتسييل الغاز في اليمن، في بلحاف، ومحطة تصدير النفط في الشحر في حين تبدو جزيرة سقطرى الاستراتيجية على نحو متزايد وكأنها قاعدة إماراتية، كما تدير الإمارات معسكرين في منطقة حضرموت النائية، حيث قامت قواتها بتدريب حوالي 25 ألف مقاتل محلي.
وعلى صعيد الموانيء، يقول محللون إن الهدف الحقيقي لدولة الإمارات العربية المتحدة يكمن في تعزيز مكانة ميناء جبل علي الاستراتيجي في دبي، إما عن طريق خنق المنافسة أو توجيه حركة المرور في اتجاهها
ابتلاع اليمن
وفيما يرحب بعض اليمنيين بالتواجد السعودي الإماراتي، مثل «عبد الهادي التميمي»، وهو مسؤول في حضرموت يقول: «يجب أن ننسى مفاهيم السيادة التي عفا عليها الزمن.. يمكننا جميعا أن نربح من التجارة». وتمول دولة الإمارات العربية المتحدة المستشفيات ومحطة توليد الطاقة الجديدة في المنطقة التي تعاني من نقص الطاقة. ويشيد المسؤولون في سيئون بالقوة الجديدة لمكافحة الإرهاب، التي تدرب من قبل السعوديين، كحصن ضد القاعدة. ويقول السكان المحليون إن المقاتلين المدربين من الإماراتيين أكثر انضباطا من الجنود اليمنيين.
لكن آخرين يخشون من زحف القوات الأجنبية على البلاد. ويشكو السكان المحليون في مهرة من فقدان أعمالهم التجارية كما يخشون من قيام الخليجيين بفرض اللغة العربية على حساب اللسان المهري القديم، وتعزز سياسة منح جوزات السفر الجديدة من هذه المخاوف. هناك 60 ألفا يقطنون في سقطري و160 ألفا أو أكثر من المهريين، وهناك مخاوف أن كلا المنطقتين يمكن أن تتم السيطرة عليها.
وفي الوقت نفسه، يتزايد التوتر بين وكلاء السعودية والإمارات . ففي حين تسعى المملكة العربية السعودية لإعادة بناء الجيش القديم في الشمال تحت قيادة «محسن الأحمر»، تقوم الإمارات العربية المتحدة بتدريب المقاتلين في الجنوب، وكثير منهم من الانفصاليين الذين يرغبون في إعادة تأسيس دولة جنوب اليمن، التي اندمجت مع الشمال الأكثر سكانا في عام 1990. ومع سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن الشهر الماضي، يعتقد البعض أن هذه الخطوة كانت بموافقة السعودية، وهي جزء من استراتيجية تقسيم الحكم بين الدولتين الخليجيتين.
وتساهم الميليشيات الجديدة العديدة التي تدعمها دول الخليج في تسريع تفتيت اليمن في حين يستغل بعض قادة القبائل الفوضى. ويدعي البعض أنهم يمثلون الدويلات، أو المحافظات التي شكلت محمية عدن البريطانية، ويرفعون أعلامهم القديمة.
وقد تعهد مجلس الذى يقوده «عبد الله بن عفرار»، الذى يطلق على نفسه اسم سلطان المهرة وسقطرى، بمقاومة «الاحتلال» الذى تقوده السعودية. ويقول السيد «بن عفرار»: «نحن نخشى أن اليمن لن يعود موحدا مرة أخرى».