سياسة وأمن » حروب

لعبة السعودية والإمارات في اليمن.. هل آن أوان النهاية؟

في 2018/02/27

كريستيان كوتس أولريخسن - مشروع العلوم السياسية بالشرق الأوسط-

عندما أطلقت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عملية «عاصفة الحزم»، على رأس تحالف تقوده دول الخليج في 26 مارس/آذار عام 2015، لم يتوقع الكثيرون في الرياض أو أبوظبي استمرار الحملة لأعوام دون أي انتصار سياسي أو عسكري في الأفق.

وقد أدى التدخل الذي قادته دول الخليج في اليمن، والذي أعيدت تسميته بعملية «إعادة الأمل» في 22 أبريل/نيسان عام 2015، إلى إعادة تشكيل المكونات المحلية للسلطة في المملكة ودولة الإمارات حول محور من الصقور يبدو أنه سيطغى على جوانب السياسة الخليجية لأعوام قادمة.

وجاءت التطورات في اليمن، والمواجهة مع قطر فيما بعد، في يونيو/حزيران عام 2017، رمزا لتحول وليي العهد في كل من الرياض وأبوظبي، «محمد بن سلمان آل سعود» و«محمد بن زايد آل نهيان»، بعيدا عن التوازن الذي كانت ترتكز عليه منذ فترة طويلة على أسس الملك والحكم الأسري في السعودية والإمارات.

ومع ذلك، فقد أثار التدخل في كل من اليمن وقطر أسئلة أوسع نطاقا بالنسبة للشركاء الإقليميين والدوليين والخصوم على السواء، حيث أصبح مشهد صنع السياسات لا يمكن التنبؤ به ومتقلبا في كلا البلدين، كما يبدو أن الصراع في اليمن أصبح أكثر فوضى، على الأقل في المدى القصير، بعد مقتل الرئيس السابق «علي عبدالله صالح» في 4 ديسمبر/كانون الأول عام 2017.

وكانت عمليتا «عاصفة الحزم» و«استعادة الأمل» أبرز نتائج إحباط عواصم الخليج الرئيسية من مسار السياسة الإقليمية لإدارة «أوباما»، واقتناعها بأن عليها العمل لأجل مصالحها من خلال العمل من جانب واحد، أو في أحسن الأحوال كتكتلة، بدلا من الاعتماد على الولايات المتحدة لاتخاذ زمام القيادة.

وكان ذلك أكثر وضوحا في الرياض وأبوظبي، حيث لم يشارك المسؤولون هناك إدارة «أوباما» رغبتها في التعامل مع إيران أو الإسلاميين، خاصة بعد صدمة «الربيع العربي» التي أطلقت الاضطرابات السياسية.

وكانت هناك محاولة جريئة من قبل قطر لدعم الانتفاضات والتعاطف مع الجماعات الإسلامية التابعة لجماعة «الإخوان المسلمون»، الأمر الذي دفع نظراءها في الرياض وأبوظبي إلى مواجهة ذلك بشكل أكثر حزما، والنظر بشكل أساسي إلى مصالحهما الإقليمية الخاصة.

وقد سارعت السعودية والإمارات على الفور لمساعدة الرجل العسكري «عبدالفتاح السيسي» في مصر، بعد الإطاحة بالرئيس «محمد مرسي» في يوليو/تموز عام 2013، وعززتا الضغط الدبلوماسي على قطر لضمان ألا تشكل الدوحة مرة أخرى تهديدا للنظام السياسي العربي.

وجاءت وفاة الملك «عبدالله» في 23 يناير/كانون الثاني عام 2015، بعد أقل من يوم واحد من قيام المقاتلين الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول عام 2014 بالضغط على الرئيس «عبدربه منصور هادي» وحكومته للاستقالة، ووضع «هادي» تحت الإقامة الجبرية.

تغييرات متوازية

لذلك مثلت اليمن أولوية السياسة الخارجية للملك الجديد «سلمان»، منذ بداية عهده، حيث ظهر أن الشبكة المعقدة من النفوذ السعودي والتوازن بين الفصائل على وشك الانهيار، والأسوأ من ذلك، من وجهة النظر السعودية، هددت آفاق توسع السيطرة الحوثية على كل اليمن بمنح إيران موطئ قدم لم يسبق له مثيل في شبه الجزيرة العربية، وترافق هذا التحول مع بروز الأمير «محمد بن سلمان» البالغ من العمر 29 عاما كوزير للدفاع، وواجهة غير رسمية لأبيه.

وتسارعت التطورات في المملكة بالتوازي مع نمط من التغيير في دولة الإمارات، حيث مالت الكفة لأبوظبي أمام دبي، بعد الصدمات المزدوجة للأزمة المالية لعام 2008 وانتفاضات 2011.

وفي عام 2009، قدم المسؤولون في أبوظبي شريحتين من المساعدات لدبي بقيمة 10 مليارات دولار لكل منهما، لتخفيف أزمة الديون التي هددت دبي، وفي حين جاء «الإنقاذ» الأول في شكل شراء سندات من قبل مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، اتخذت الدفعة الثانية شكل قرض مباشر من قبل اثنين من البنوك المملوكة لأبوظبي إلى دبي، وكانت إعادة التسمية المفاجئة لأطول مبنى في العالم من برج دبي إلى برج خليفة أبرز مظهر من مظاهر النفوذ الجديد لأبوظبي على دبي، ومنذ ذلك الحين، شهدت الأعوام الـ8 اللاحقة تراجع دبي وحاكمها وراء القيادة في أبوظبي، حيث دفع ولي العهد الأمير «محمد بن زايد» نحو دور إقليمي أكثر حزما لدولة الإمارات، في أعقاب الانتفاضات العربية عام 2011.

وفي داخل إمارة أبوظبي نفسها، شهد العقد بين وفاة الأب المؤسس لدولة الإمارات «الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان» عام 2004 والتدخل اليمني تحولا كبيرا في السلطة.

وعلى الرغم من أن ابن «زايد» الأكبر «خليفة بن زايد» قد خلف والده كرئيس لدولة الإمارات وحاكم لأبوظبي، فقد تعرض لسكتة دماغية في يناير/كانون الثاني عام 2014، وغاب عن الحياة العامة منذ ذلك الحين، باستثناء ظهور واحد غريب في يونيو/حزيران عام 2017.

وقد استحوذ ولي العهد «محمد بن زايد» على السلطة في أبوظبي، وشيد مؤخرا جهازا أمنيا للدولة يتميز بنهج من عدم التسامح إطلاقا مع أي تهديد، ومثلما قام الملك السعودي «سلمان» بتمكين ابنه بشكل كبير، سرعان ما روج «محمد بن زايد» لابنه «خالد بن محمد»، من خلال التدرج في الصفوف الأمنية، حيث عهد إليه بـ«الملف الإسلامي»، وعينه رئيسا للأمن القومي عام 2016.

تحالف الأشباه.. أولويات مختلفة

وتشير رسائل البريد الإلكتروني المسربة من سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة «يوسف العتيبة» إلى أن المسؤولين في أبوظبي ألقوا بدعمهم الكامل وراء «بن سلمان»، بعد أن أصبح وزيرا للدفاع في يناير/كانون الثاني عام 2015، وروجوا لكونه أفضل أمل في إجراء التغيير الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، وتمتع «بن زايد» بعلاقة شخصية قوية مع «بن سلمان».

ويقال إن «محمد بن زايد» يعتبر «محمد بن سلمان» نسخة أصغر من نفسه، مع عقلية مماثلة في القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيسية التي تواجه السعودية والإمارات، وتقاربت خطوط الاتجاه هذه في اليمن في مارس/آذار عام 2015، عندما كانت القوات السعودية والإماراتية تقود عمليات التحالف، وإن كان ذلك في مناطق مسؤولية مختلفة، تطورت إلى مناطق نفوذ متنافسة.

وعلى الرغم من أنه لا السعوديون ولا الإماراتيون خرجوا عن التحالف بعد، لكن علامات التوتر ظهرت بشكل دوري، ويواجه الطرفان تهديدات متصورة وفعلية مختلفة جدا، تتراوح بين أمن الحدود وعمليات الاقتحام الإقليمية من قبل المملكة، إلى الحملة الأوسع على نطاق المنطقة لسحق الجماعات الإسلامية من قبل أبوظبي.

وأدى ذلك إلى تحالفات مختلفة مع القوات المحلية على الأرض، حيث دعم السعوديون الرئيس «هادي»، ودعم الإماراتيون مختلف الفصائل والميليشيات في جنوب اليمن التي ترفض قيادة «هادي».

وفي بعض الأحيان، ظهرت هذه الاختلافات على السطح، كما حدث خلال تبادل إطلاق النار في مارس/آذار عام 2017 بين كتيبة من الجنود السودانيين المنتمين إلى التحالف الذي تقوده السعودية، وميليشيات تدعمها الإمارات للسيطرة على مطار عدن الدولي.

وهناك عدة عوامل تعيق التحرك نحو إنهاء الحرب في اليمن أمام التحالف الذي يقوده الخليج، فعلى الصعيد الأوسع، لم يحدد السعوديون ولا الإماراتيون نقطة انطلاق سياسية أو عسكرية تمكنهم من إعلان النصر والانسحاب دون المخاطرة بفقدان ماء وجههم، خاصة بعد ما يقرب من 3 أعوام من الخسائر البشرية والمادية الهائلة في الصراع.

ويبدو أن صناع السياسات في أبوظبي قد انتهوا في عام 2016 من تحقيق أهدافهم العسكرية في جنوب اليمن، مع استعادة عدن والمكلا من قبل قوات الإمارات والقوات المدعومة من الإمارات، وتهتم الإمارات بالسيطرة الفعلية على المدينتين الساحليتين في جنوب اليمن، في كجزء من قوس جيوسياسي أوسع من نفوذ الإمارات، يمتد على جانبي ممر باب المندب الاستراتيجي، وإلى البحر الأبيض المتوسط، ​​مع استثمارات ضخمة في بنغازي في ليبيا.

ويشمل هذا القاعدة الجوية في مدينة عصب في إريتريا (التي تعتبر بمثابة نقطة انطلاق للضربات الجوية الإماراتية في اليمن)، واستئجار قاعدة بحرية في بربرة في صوماليلاند، فضلا عن المصالح التجارية المتنامية في بونتلاند في الصومال، وجميع التطلعات الرئيسية في النهج الإقليمي لدولة الإمارات تجاه مكافحة الإرهاب والقرصنة والنفوذ الإسلامي والإيراني.

وفي السعودية، لا يستطيع «بن سلمان» أن يعلن ببساطة أن المهمة قد أنجزت في اليمن، فمنذ حملة اليمن، اكتسب «محمد بن سلمان» السلطة والمسؤولية بشكل مطرد إلى درجة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث للمملكة، وجرى ترقيته مرتين إلى ولي ولي العهد في أبريل/نيسان عام 2015، وإلى ولي العهد في يونيو/حزيران عام 2017.

ومع ذلك، يبدو أن ولي العهد قد فقد حماسته الأولى للنزاع، وسط مخاوف من استمرار جمود الوضع، والتكلفة الهائلة للعمليات العسكرية وبرنامج التدريب والتجهيز للقوات المسلحة اليمنية والميليشيات القبلية المتنوعة، التي أصبحت مسؤوليته.

اتساع الهوة

وتتباين تقديرات تكلفة الحملة تباينا واسعا، ولكن يعتقد أنها تتجاوز 66 مليون دولار في اليوم، وهو جزء من مبلغ قياسي قدره 50.8 مليار دولار، خصصت للإنفاق على الدفاع في ميزانية عام 2017، إلى جانب مبلغ إضافي قدره 49 مليار دولار في آليات دعم الميزانية للاحتياجات من النفقات الناشئة في عام 2016 وحده.

وفي الوقت الذي تعاني فيه الموازنة السعودية من عجز كبير، وتدابير تقشفية قد تسببت في رد فعل ساخط داخليا أدى إلى التراجع عنها، فإن مثل هذا الإنفاق الثقيل قد يثير السخط ضد ولي العهد وسياساته.

وترتبط الدوائر الحاكمة في الرياض وأبوظبي، ولا يمكن للمسؤولين السعوديين الوفاء بمستوى القوات البرية اللازمة، على الأقل، لإجبار الأطراف المختلفة على التوصل إلى نتيجة عسكرية حاسمة في اليمن، حيث ستكون مستويات الإصابات المحتملة باهظة التكاليف للغاية، ولا يقل عنها أوجه القصور التشغيلية المحتملة.

ويقر نظراؤهم في أبوظبي أنه في حين تم تحقيق أهدافهم العسكرية في جنوب اليمن، فإنهم لا يستطيعون التخلي عن التحالف الذي تقوده السعودية، خوفا من الأضرار التي قد تلحق محليا بولي العهد السعودي، الذي استثمروا فيه الكثير من الدعم السياسي.

لكن الكارثة الإنسانية في اليمن، وغياب استراتيجية واضحة أو ذات مصداقية للخروج، من شأنها أن تطعن في الثقة الدولية في السعودية والإمارات.

وفي حين قد تكون الطبيعة المتقلبة لرئاسة «دونالد ترامب» في الولايات المتحدة عامل ضعف للتدقيق في السياسات السعودية والإماراتية، فإن إدارتهما للحملة اليمنية تثير شكوكا كبيرة حول المدى الذي يمكن لأي من البلدين أن تصبح منتجة وفاعلة بالنسبة للأمن الإقليمي بدلا من كونها مستهلكة، كما كان الأمر دائما.