سياسة وأمن » حروب

بعد صفقة «تايفون» وسابقاتها.. ماذا ستفعل السعودية بـ«أحدث أسلحة العالم»؟

في 2018/03/12

الخليج الجديد-

لم يكن أبرز المتفائلين بزيارة ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان» إلى المملكة المتحدة يتوقع أن توافق لندن على إمداد القوات الجوية السعودية بـ 48 مقاتلة «تايفون»، متعددة المهام من الجيل الأحدث لديها، لكن لغة المصالح لها اعتبارات أخرى.

فقبل وصول «بن سلمان» إلى لندن، شهدت العاصمة البريطانية حراكا سياسيا وحقوقيا واسعا، ضد إصرار الحكومة البريطانية على سياسة التقارب مع الرياض، رغم ما تشهده اليمن من انتهاكات حقوقية وصلت إلى جرائم حرب، بحسب تعبيرات منظمات حقوقية، وانبرت رئيس الوزراء البريطاني «تيريزا ماي» لتدافع عن تلك العلاقات، واصفة التعاون العسكري بين البلدين بأنه يسير وفق أسس دقيقة فيما يخص مبيعات الأسلحة.

وبينما كان يتوقع الكثيرون ضغوطا بريطانية على السعوديين، لتأطير حراكها العسكري في اليمن بإطار منضبط، علاوة على ضبط سياسة الرياض الإقليمية، والتي أثارت شركاء أوروبيين، مثل ألمانيا وفرنسا، تفاجأ الجميع باحتفاء لندن بتوقيع «مذكرة نوايا» لبيع 48 مقاتلة تايفون، التي تنتجها شركة «بي أي إي سيستمز» بقيمة عشرة مليارات جنيه إسترليني (نحو 14 مليار دولار).

إنقاذ الشركات الغربية

وكما مولت السعودية صفقة مصر لمقاتلات الرافال الفرنسية التي أنقذت شركة «داسو» من الانهيار بعد تراجع الطلب على مقاتلاتها عالميا، أكد خبرء أن السعودية أنقذت صانع التايفون البريطاني من مصير مشابه، فقبل الإعلان عن الصفقة السعودية بشهرين فقط، أعلنت شركة «بي أي إي سيستمز» خفض حوالي 2000 وظيفة بسبب تباطؤ الطلب على مقاتلات من طراز تايفون.

لكن أسهم الشركة أغلقت، عقب الإعلان عن الصفقة على ارتفاع بنسبة أكثر من 2%، منتعشة بـ 14 مليار دولار، هي القيمة الأولية للصفقة.

وبعيدا عن الجانب الحقوقي، فقيمة الصفقة المادية وعدد الطائرات الموردة، تستدعي تساؤلا حول أسباب سعي السعودية إلى جلب أسلحة من كل جوانب العالم، وبكميات كبيرة، وهل هناك خطة مستقبلية بالفعل لتطوير الجيش السعودي ليكون أحد أكثر جيوش المنطقة تسليحا؟ وهل هناك اهتمام بالجانب التدريبي للفرد يوازي ذلك الاهتمام التسليحي؟ لا سيما في ضوء حديث خبراء عسكريين عن امتلاك السعوديين أحدث أسلحة العالم لكنها بيد أفقر الأفراد تدريبا ومهارة.

«يورو تايفون»

المقاتلة الجديدة «يورو تايفون»، التي اتفقت السعودية على جلب 48 واحدة منها، ليست بريطانية الصنع فقط، بل يشترك في صناعتها  كونسورتيوم يضم شركات من أربع دول أوروبية تأسس في عام 1986.

وتخدم الطائرة حاليا في سلاح الجو الملكي البريطاني، والألماني، والإيطالي، والإسباني، والنمساوي.

ومن المعروف أن السعودية احتلت المركز الخامس بين أقوى 10 جيوش بالشرق الأوسط، وفق أحدث إحصائية نشرها موقع «فوربس» الأمريكي في أواخر فبراير/شباط الماضي، بإنفاق عسكري بلغ 76.7 مليار دولار أمريكي في ميزانية 2017.

ووفقا للتقرير الأمريكي، فإن الإنفاق العسكري شديد الضخامة للرياض، جعلت الجيش السعودي في مرتبة متقدمة إقليميا، من حيث التسليح، كما أن مشاركة الرياض في الحرب الأهلية اليمنية على مدى السنوات الثلاث الماضية أعطت قواتها خبرة قيمة في خط المواجهة، ولكن فشلها في هزيمة خصومها الحوثيين هناك أثار أيضاً تساؤلاتٍ حول مدى فاعلية قوة قتال الجيش السعودي.

الصفقات التي وقعتها السعودية مؤخرا، كانت لها دلالة مهمة في مسيرة الجيش السعودي التسليحية.

الصفقة الأضخم

ففي مايو/أيار من العام الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، وعقب أيام من انتهاء زيارته إلى المملكة، وحضور ما عرفت بـ «القمة الإسلامية الأمريكية»، عن توقيع صفقة مبيعات دفاعية مع الرياض بقيمة 110 مليارات دولار، اعتبرت الأضخم في تاريخ التعاون بين الرياض وواشنطن.

حينها قال «ترامب»: «سنتأكد  من مساعدة أصدقائنا السعوديين للحصول على صفقة جيدة من شركات الدفاع الأمريكية الكبرى. وستساعد هذه الاتفاقية الجيش السعودي على القيام بدور أكبر في العمليات الأمنية».

وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» تحدث عن تفاصيل تلك الصفقة، قائلا إنها «تشمل خمسة محاور: أمن الحدود ومكافحة الإرهاب، والأمن البحري والساحلي، وتحديث القوات الجوية، والدفاع الجوي والصاروخي، وتحديث الأمن السيبراني وأمن الاتصالات».

وأضاف أن «حزمة المعدات الدفاعية والخدمات تدعم أمن السعودية ومنطقة الخليج على المدى الطويل، خاصة في مواجهة النفوذ الإيراني الخبيث والتهديدات ذات الصلة بطهران التي توجد على حدود السعودية من جميع الجوانب.

وبالإضافة إلى الصفقة الدفاعية الضخمة، وقعت السعودية أيضاً اتفاقيات مع شركات أمريكية للصناعات العسكرية تشمل:

أولا: توقيع اتفاق مع شركة «لوكهيد مارتن» لدعم برنامج تجميع 150 طائرة هليكوبتر من طراز «بلاك هوك إس 70»، في السعودية، وهو اتفاق تبلغ قيمته 6 مليارات دولار.

ثانيا: توقيع اتفاق مع شركة «رايثيون» لإنشاء فرع في السعودية سيركز على تنفيذ برامج لخلق قدرات محلية في الدفاع وصناعة الطيران والأمن في المملكة.

ثالثا: توقيع اتفاق مع مقاول الدفاع «جنرال دايناميكس» على «توطين التصميم وهندسة وتصنيع ودعم المركبات القتالية المدرعة»، للبرامج الحالية والمستقبلية في المملكة، بما يدعم هدف توطين 50% من الإنفاق الحكومي العسكري في السعودية وفقاً لرؤية 2030.

ووفقا لمصادر أمريكية، فإن الصفقة شملت أيضا إدخال تحديثات على عتاد الجيش السعودي وقواته البحرية، وتتضمن توريد سفن قتال ساحلية، وأنظمة دفاع صاروخية من طراز «ثاد»، وناقلات جند مصفحة، وصواريخ، فضلا عن القنابل والذخائر.

روسيا أيضا

وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي أيضا، وخلال زيارة الملك «سلمان بن عبدالعزيز» إلى روسيا، أعلنت السعودية عن اتفاقها مع موسكو على توريد عدد من أنظمة التسليح.

وجاءت الصفقات السعودية الروسية على النحو التالي:

أولا: نظام «إس-400» المتطور للدفاع الجوي

ثانيا: نظام «كورنيت إيه إم» الصاروخي المضاد للدبابات.

ثالثا: راجمة الصواريخ توس-1 أيه.

رابعا: راجمة القنابل (AGS-30).

خامسا: أسلحة خفيفة من طراز «كلاشينكوف إيه كيه 103».

لكن الصفقات السعودية الروسية تعد بسيطة بالمقارنة مع ما تم عقده مع الولايات المتحدة، حيث قدرت قيمة صفقات الأسلحة بين الرياض وموسكو، بثلاثة مليارات دولار فقط.

فرنسا على الخط

لا يجب أن نغفل أيضا الصفقة العسكرية الكبيرة التي أبرمتها السعودية مع فرنسا، خلال زيارة «محمد بن سلمان» إلى باريس، حينما كان لا يزال وليا لولي العهد، والتي بلغت قيمتها نحو 10 مليارات يورو، وشملت توريد 35 زورقاً لخفر السواحل، مجهزة بأنظمة تاكتيكوس القتالية من إنتاج الإنشاءات الميكانيكية في نورماندي، وتسليح شركة تاليس بقيمة 600 مليون يورو، بالإضافة إلى زوارق كورفت من طراز غوويند بـ 1.5 مليار يورو.

الصفقة شملت أيضا طائرتي تزويد وقود في الجو، وتقعيل عقد «دوناس» بقيمة 2.5 مليار يورو، والذي كان يقوم في جزئه الأكبر على توريد أسلحة فرنسية متطورة بتمويل سعودي إلى لبنان، لكن الرياض عاقبت بيروت بسبب أزمة «حزب الله» وقررت تحويل العقد إلى الجيش السعودي.

علاوة على ذلك، اتفقت الرياض على شراء صواريخ «مارك3» الفرنسية، علاوة على دبابات «لوكليرك» التي عبرت السعودية عن إعجابها بها بعد توريدها إلى الإمارات، بالإضافة إلى مدرعات «إم كاي 3» و«شيربا»، و24 مدفعاً ثقيلاً ذاتي الدفع من طراز كايزر.

وأشار مراقبون إلى أن تلك الصفقة تحديدا هي التي ألجمت فرنسا عن التصعيد مع السعودية، خلال أزمة احتجاز رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» في الرياض، وجعلت ألمانيا تقف وحيدة تقريبا بقوة أمام الرياض في الأزمة الخليجية، وإن كانت فرنسا قد تفاعلت مع الأمر على استحياء.

تبقى الإشارة إلى أن الجيش السعودي بات يمتلك أقوى المنظومات والأسلحة الموجودة في أركان العالم المختلفة، فيمتلك المقاتلات الأمريكية شديدة التطور، ومعها البريطانية والفرنسية والروسية، ولديه نظامي «إس 400» الروسي، و«ثاد» الأمريكي للدفاع الجوي شديدي التطور، ولديه دبابات أمريكية وأوروبية متقدمة، بالإضافة إلى المدرعات والأسلحة البحرية الحديثة.

الأسلحة والمقاتل

ويظل التحدي الأكبر القائم في السعودية، كما أسلفنا، في إيجاد توازن بين كفاءة الفرد السعودي المقاتل، والأسلحة شديدة التطور التي باتت تحت تصرفه، لكيلا يكون الناتج مخيبا للآمال كما يحدث في اليمن حاليا، حيث تواجه السعودية خصما يمتلك أفرادا شديدي التمرس والتدريب بأسلحة متوسطة وبدائية، وهو ما يعد علامة للجيش الإيراني والميليشيات التي تدعمها طهران في المنطقة.

في يوليو/تموز من العام الماضي، قال مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، «سايمون هندرسون»، إن «أداء سلاح الجو السعودي ضعيف جداَ، كما أن أداء القوات البرية السعودية كان سيئاً في حماية المنطقة الحدودية جنوب غرب المملكة».

ولفت الخبير إلى أن المسؤولين الأمريكيين أعلنوا في 13 ديسمبر/كانون الأول أنه سيتم حظر بيع 16000 من الذخائر الموجهة إلى السعودية «بسبب مخاوف من عدم دقة الضربات الجوية المستهدفة التي تقوم بها المملكة وتتسبب في إيقاع الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين في اليمن».

وقيّم الخبير الأمريكي عمليات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن منذ انطلاقها في مارس/آذار 2015 بالشكل التالي: «استعادت قوات دولة الإمارات العربية المتحدة مدينة عدن الجنوبية نيابة عن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. بيد، أن القوات السعودية في شمال اليمن فشلت في استعادة الأراضي، وما زال الحوثيون يسيطرون على نحو نصف مساحة البلاد، بما فيها العاصمة والأراضي التي يتواجد فيها معظم سكان اليمن الذين يقدر عددهم بنحو 27 مليون شخص».

ما سبق يعني أن واشنطن ترى أن الإمارات باتت أفضل من السعودية في مسألة كفاءة المقاتل وتنفيذ المهام.

وهكذا يتم إثبات المعادلة القائلة بأن الجيش السعودي بات مخزنا لأحدث الأسلحة في العالم دون فاعلية حقيقية، فهل تنكسر تلك المعادلة أم تستمر، في الوقت الذي تنتظر فيه السعودية أياما صعبة؟