الخليج اونلاين-
تحل اليوم الذكرى الثالثة لعملية "عاصفة الحزم" التي شنتها السعودية في اليمن، بعدما طلب الرئيس عبد ربه منصور هادي من الرياض التدخل لوضع حد للانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي في البلاد وسيطرتها على العاصمة صنعاء.
وفي حين تؤرّخ الأمم المتحدة النزاع في اليمن ببدء "عاصفة الحزم"، تؤرّخ الحكومة والتحالف العربي بداية الحرب بـ21 سبتمبر 2014؛ عند انقلاب الحوثيين على السلطة بصنعاء.
وبعد ثلاث سنواتٍ، وضعت السعودية اليمن على حافَة المجاعة وجعلته مرتعاً للأوبئة ومنغّصاً لضمير المنظمات الحقوقية في أنحاء العالم، وما يزال هادي وحكومته، الذين باتوا أشبه بموظفين لدى الرياض، يديرون معاركهم من عدن (العاصمة اليمنية المؤقتة) أو من العاصمة السعودية نفسها، في حين ينقسم الحلفاء على غنائم الحرب، التي لم تُحسم أصلاً.
وبعيداً عن البيانات التي يدَّعي فيها كل فريق تحقيق انتصارات على الآخر، فإن الواقع على الأرض يكشف بوضوحٍ، حقيقة أن ثمة أهدافاً يسعى كل طرف لتحقيقها على حساب الطرف الآخر، غير مكترثين في المجمل بوضع اليمن ولا اليمنيين، الأمر الذي اضطر الأمم المتحدة إلى إطلاق أكبر نداء إنساني في العالم، خلال يناير الحالي؛ لجمع 300 مليون دولار لانتشالهم من على حافة الجوع.
- انحراف البوصلة
ورغم هذه النتائج الكارثية التي خلّفتها الحرب التي يعتبرها كثيرون بالوكالة بين السعودية وإيران والتي تدور رحاها على اليمن، فإنها لا تبدو قريبة من التوقف في المدى المنظور، بالنظر إلى ما يرغب الخصمان الرئيسان في تحقيقه من خلالها، فضلاً عن مآرب أخرى لأطراف في النزاع بدأت تتجلى شيئاً فشيئاً.
إذ تبدو أطماع الإمارات ومشاريعها الخاصة آخذة في الانكشاف، وتبدو رغبتها في تقسيم اليمن إلى بلدين (جنوبي، شمالي)، حقيقة لا يمكن إنكارها، وهو ما يجعل خلافها مع حليفتها (السعودية)، واقعاً لا تكهّناً.
كما تواجه الرياض اتهامات باحتجاز الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ومنعه من العودة لليمن، في حين تدعم الإمارات مليشيات مسلّحة تسعى لفصل جنوبي اليمن عن شماليه.
واتهم وزير الدولة اليمني المستقيل، صلاح الصيادي، في مارس 2018، السعودية صراحةً باحتجاز هادي، مبيناً أنه "لم يعد في مقدور الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذهاب إلى بعض المناطق اليمنية المحرّرة".
كما تحدث الصيادي عن "انحراف بوصلة أهداف وغايات عمليات التحالف من قِبل بعض أطرافه"، مشيراً إلى أن اليمن "بات مهدَّداً بالتشرذم".
ولفت إلى "عدم الجديّة في إعادة إعمار اليمن"، وأن مؤشرات هذا "تظهر جليّة في المناطق المحرّرة، التي ما زالت ترزح تحت أنقاض الدمار والخراب".
وأكّد وجود "تقصير" من جانب التحالف العربي تجاه اليمن واليمنيين؛ "خاصة أن بلدنا تحت الفصل السابع (الوصاية)".
وفي هذا السياق، يقول نبيل البكيري، المحلل السياسي اليمني، إن "عاصفة الحزم"، بعد 3 سنوات، لم تنجز ما أعلنته من أهداف؛ بل تحولت إلى أداة لتقويض الشرعية اليمنية، خاصة في المناطق المحررة جنوباً.
وأوضح في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن "الرئيس هادي مُنع من العودة، ويتم تأسيس مليشيات خارج الدولة، ما يضع علامة استفهام كبيرة حول الأهداف التي أعلِن عنها سابقاً".
ولفت البكيري إلى أن "(عاصفة الحزم) لم تعُد بالصورة العسكرية ذاتها، بفضل ظهور الجيش اليمني الذي قاتل على الأرض وحسم العديد من المعارك، في حين اقتصر عمل التحالف على المشاركة الجوية".
وطالب المحلل السياسي اليمني بضرورة "إعادة بناء القوى الجوية اليمنية بدلاً من أن تظل الأمور بيد التحالف، خاصة أن الأخير يتعرض للعديد من الضغوطات الدولية والحقوقية، ما أفقدها المسوغ لبقائها".
وسبق أن اتهم رئيس الحكومة اليمنية الانفصاليين الجنوبيين بمحاولة تنفيذ انقلاب في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوبي البلاد)، داعياً التحالف العربي لإنقاذ عدن، وقال أحمد بن دغر في فبراير: إن "الإمارات هي صاحبة القرار اليوم فيها".
مصدر يمني قريب من الأحداث، كان أكد لـ"الخليج أونلاين"، أن أبوظبي تدعم الانفصاليين الجنوبيين بقوة، لكنها ليست معنيَّة في الوقت الراهن، بتقسيمٍ فعليٍّ للبلاد بقدر اهتمامها بإبقاء الوضع على ما هو عليه، مضيفاً: "بقاء الوضع بهذا الشكل يعزز سيطرة الإمارات على أغلب المناطق الجنوبية والسواحل اليمنية، وعلى رأسها جزيرة سقطرى، التي تمثل جزءاً مهماً من أطماعها".
وتسيطر إدارة هادي، سيطرةً شكليةً على نحو أربعة أخماس أراضي اليمن، لكن الزعماء السياسيين والقادة العسكريين في عدن يريدون الآن إحياء دولة اليمن الجنوبي التي كانت مستقلة في وقت من الأوقات.
وفي يوليو 2017، كشفت الولايات المتحدة أن الإمارات حوَّلت جزيرة "ميون"، الواقعة في قلب باب المندب، إلى قاعدة عسكرية دون علم الحكومة اليمنية الشرعية. وقد أبلغت واشنطن الرئيس اليمني هذه الخطوة الإماراتية في الجزيرة، التي تبلغ مساحتها 13 كيلومتراً مربعاً.
- 6100 قتيل
الأمم المتحدة، وبالتزامن مع الذكرى الثالثة، أعلنت مقتل 6100 مدني في اليمن، منذ انطلاق عمليات التحالف العربي (بقيادة السعودية)، في 26 مارس 2015.
جاء ذلك في بيان أصدرته كيت غيلمور، نائبة المفوّض السامي لحقوق الإنسان، ونشره الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة.
وأفادت المسؤولة الأممية بأن من بين الضحايا 1500 طفل، لافتة إلى أن عدد القتلى المدنيين ارتفع بشكل كبير خلال الأشهر الستة الماضية.
وقالت غيلمور: إن "السبب الرئيس لوقوع ضحايا بين المدنيين، هو القصف الجوي الذي يشنه التحالف بقيادة السعودية".
وأشارت إلى أن "هذا القصف مسؤول عن وقوع أكثر من 61% من الضحايا، في حين يتسبّب القصف العشوائي ونيران القناصة من قِبل الحوثيين في أغلبية النسبة المتبقية".
ولفتت المسؤولة الأممية إلى استمرار هجمات الطائرات دون طيار التي تنفّذها الولايات المتحدة، إضافة إلى أخرى من جماعات تابعة لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" الإرهابيَّين.
وتطرّقت إلى تصاعد الصراع في اليمن، أواخر العام الماضي، مع اندلاع الاشتباكات بين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني المقتول، علي عبد الله صالح.
- مجاعة
ولم يعُد اليمن سعيداً منذ اندلاع الحرب، علماً أنه تنفس الصعداء عقب الثورة في فبراير 2011 على أمل النهوض بالبلاد، فالانقلابيون المسيطرون على صنعاء يتقاعسون عن صرف المرتبات للموظفين الذين يقعون في المناطق التي تسيطر عليها؛ بل وتمارس الإرهاب بحق الموظفين الذين يعملون تحت قوة السلاح.
ويقمع الحوثيون أي احتجاج أو إضراب بقوة السلاح، ويصدرون صكاً بالتهم الجاهزة لمن يطالب براتبه، تتنوع بين "داعش والعمالة والارتزاق".
ودفعت الحرب ما تبقى من الطبقة الوسطى إلى الفقر، كما عمّقت الفقر بين الأسر الفقيرة، وأدت إلى مخاطر كبيرة على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ومزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي.
ويطرح هذا النمط من الحياة تساؤلات عن كيفية عيش اليمنيين، الذين تلخِّص حالتَهم أرقامُ الأمم المتحدة، والتي توضح أن 21 مليوناً من السكان، البالغ عددهم 26 مليوناً، بحاجة لمساعدات إنسانية (نحو 80% من عدد السكان)، وأكثر من نصف السكان يعانون سوء التغذية؛ بسبب الحروب التي أشعلتها المليشيا المدعومة من إيران.
وفي حديث سابق مع "الخليج أونلاين"، قال الخبير الاقتصادي اليمني، عبد الجليل السلمي: إن "هناك نمطاً جديداً من أنماط التكافل فرض نفسه على الوضع المعيشي في اليمن، حيث تكيَّف غالبية المواطنين مع الوضع، الذي تحركه الجدارة الائتمانية (التعامل بالدَّين) للموظف عند مؤجري العقار (السكن) وتاجر التجزئة، وهو ما يتعامل به أيضاً تاجر التجزئة مع تجار الجملة والمنتجين".
وأكد السلمي لجوء بعض الموظفين الذين توقفت رواتبهم إلى بيع المدخرات من العملات الأجنبية أو المجوهرات؛ لمواجهة احتياجاتهم المعيشية، وكذلك بيع ما يمتلكون من أصول، سواء كانت عقاراً، أو أصلاً متنقلاً، أو أثاثاً منزلياً.
ولفت السلمي إلى أن حوالات المغتربين اليمنيين تسهم بشكل كبير في التخفيف من الوضع الإنساني المتدهور في البلاد، حيث بلغت -وفق تقرير اتحاد المصارف العربي- العام الماضي، نحو 3.4 مليارات دولار، فضلاً عن الحوالات العينية المتمثلة بالأثاث، والذهب، والسيارات، والآلات، وغيرها.