سياسة وأمن » حروب

اليمن... من ينقذ أفقر بلد عربي من هذه "الحرب الغبية"؟

في 2018/03/30

عماد حسن- DW- عربية-

"حرب غبية"، هكذا وصفها الأمين العام للأمم المتحدة. حرب اليبمن دخلت عامها الرابع ولم يحقق أي طرف انتصاراً حاسماً. الخاسر الوحيد فيها ملايين المدنيين، فماذا يحمله المستقبل لإنهاء معاناة واحد من أكثر البلاد العربية فقراً؟

"الحرب الغبية".. وصف أطلقه انطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة على الصراع الدموي المستمر في اليمن والذي دخل منذ أيام عامه الرابع.

حرب أحرقت الأخضر واليابس ودمرت بلداً يرزح تحت فقر مدقع منذ عقود وتسببت في كارثة إنسانية كان وقودها كالعادة المدنيون من نساء وأطفال وعجائز. ومع مرور الوقت امتد التهديد ليشمل الطرف الذي كان يظن نفسه ممسكا بكافة أوراق اللعبة، حتى فوجئ بالسماء تحمل ستة صواريخ تنهال عليه في يوم واحد.

وبعد أن كانت الحرب قد "شارفت على الانتهاء" أو أنها أصبحت مسألة أيام وتعود الشرعية إلى حكم اليمن- بحسب ما صرحت به قيادات التحالف العربي - بدأ الحديث عن إنهاء الحرب في اليمن عبر عملية سياسية، كما ورد على لسان الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية.

أوراق ضغط

واليوم، وبعد أن تعقد المشهد السياسي في اليمن، هل يمكن الوصول إلى أوراق الضغط التي يمتلكها كل طرف؟ وما هو الحد الذي يمكن أن تصل إليه تنازلات كل منهم ولا تتعداه؟ وما هي آفاق الحلول الواقعية للحرب في اليمن؟

يقول محمد البخيتي عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثيين في مقابلة مع DW عربية إن أهم ورقة ضغط يمتلكها اليمن "هي الصمود في مواجهة العدوان"، مضيفاً أن دخول الحرب عامها الرابع دليل على هذا الصمود، وتابع: "نحن من البداية حذرنا السعودية والإمارات من التدخل في اليمن وقلنا إن أي تدخل لن يحقق أهدافه، على الرغم من حالة الانقسام المجتمعي الحالية في اليمن".

على الجانب الآخر يرى محمد بن عبدالله آل زلفة العضو السابق بمجلس الشورى السعودي أن التحالف العربي يتكئ على مرجعيات معترف بها من جانب المجتمع الدولي مثل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 ، الذي يحظر توريد الأسلحة للحوثيين وتأكيده على دعم المجلس للرئيس اليمني هادي ولجهود مجلس التعاون الخليجي بجانب مخرجات الحوار اليمني والمبادرة الخليجية.

وأضاف في مقابلة مع DW عربية أن "من أوراق القوة أيضاً أنه مالم يستجب الحوثي ومن ورائه إيران ويخضع للقرارات الدولية ويسحب قواته من المدن ويسلم أسلحته للحكومة الشرعية فليس أمامهم إلا المزيد من الضربات إلى أن يستسلم لإرادة الحكومة الشرعية وقوات التحالف العربي".

عبد الباري طاهر الكاتب والمفكر ونقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق يرى أن عجز أطراف الصراع عن الوصول إلى حسم عسكري أو تحقيق أي انتصار على الطرف الآخر طوال سنوات الحرب يرجع لامتلاك الطرفين عوامل ضغط مكنته من الاستمرار بالتمسك بموقفه المتشدد، فالتحالف العربي لديه أوراق ضغط تتمثل في الحصار الخارجي بخلاف تحالفه ودعمه لبعض الأطراف في الداخل اليمني سواء الشرعية أو الأحزاب السياسية التي لديها ميليشيات مسلحة وتسيطر أيضاً على مناطق مهمة وبالأخص في الجنوب.

ويتابع طاهر قائلاً إن الحوثيين يمكنهم التسبب في كثير من المشكلات على الحدود السعودية ويستطيعون الصمود وعدم تمكين دول التحالف من تحقيق انتصار حاسم على الأرض، ما يمثل عامل استنزاف مستمر لهم على أن "أهم عوامل الضغط لدى الحوثي هي تحالفه القوى مع إيران التي تضمن بقاؤه واستمراره وتعطيه نوع من توازن القوى أمام الطرف الآخر".

حدود للتنازل

وكما تنتهي أي حرب بجلوس أطراف النزاع على مائدة تفاوض، فقد بدأ الأمر يحدث بالفعل فيما يتعلق بحرب اليمن وإن كانت التفاصيل إلى الآن يشوبها "غموض متعمد"، لكن ما هي الخطوط الحمراء لدى كل طرف والتي لا يمكنه أن يقبل بالتراجع إلى ما وراءها عند الجلوس إلى طاولة المفاوضات؟

يقول محمد البخيتي عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثيين إنه لابد في النهاية من الوصول لحل سلمي وتوافقي وأن الحوثيين لم يراهنوا على الحل العسكري وإنما "الطرف الآخر" هو من راهن على الحسم العسكري. "الآن ثبت أن هناك توازن قوى ليس فقط على المستوى الداخلي في اليمن وإنما أيضاً على المستوى الإقليمي وبالتالي على الطرف الآخر التراجع عن الرهان على الحسم العسكري والقبول بالدخول في مفاوضات للتوصل إلى سلام شامل ومشرف للجميع بما يضمن سلامة وكرامة وأمن كل الاطراف".

وشدد البخيتي على أن أي حل ينتقص من كرامة الإماراتيين أو السعوديين أو من كرامة المكونات السياسية اليمنية هو حل مرفوض تماماً، وبالتالي "لا يطلب منا أحد التنازل عن أي جزء من كرامتنا للوصول لأي حل أو أي سلام".

لكن على الجانب الآخر بدا محمد بن عبدالله آل زلفة أكثر تشدداً فقال: "لن يتنازل التحالف العربي عن أي شيء للحوثيين ولن يقبل إلا أن يصبح الحوثي منزوع السلاح وأن يصبح كيان سياسي وينضم إلى باقي الأحزاب السياسية اليمنية التي لا تملك سلاحاً وهنا فقط يمكن القبول به كممثل سياسي لشريحة معينة قاطعاً علاقاته بالقوى الخارجية حتى يمكن القبول بالحديث معه".

أما عبد الباري طاهر نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق فيرى أن هناك قضيتان أساسيتان لدى السعودية ودول التحالف هما قضية تأمين الحدود وقضية ابتعاد الحوثي عن إيران وهما مطلبان أساسيان لا يمكن أن تتفاوض السعودية ولا التحالف بشأنهما، مضيفاً أنه بمجرد أن يتم التوافق على تحديد طبيعة علاقة الحوثي مع إيران ومساحة هذه العلاقة إضافة لمسألة تأمين الحدود عندها فقط يمكن البدء في عملية تسوية سياسية بين الطرفين.

ويرى طاهر أنه على الرغم من أن الحوثيين يطلبون أن يكونوا الطرف الأقوى في أي شراكة سياسية قادمة ويطلبون أيضا الاحتفاظ بالسلاح إلا أنهم إذا ما تواقفوا مع التحالف على مسألة حيازتهم للسلاح وعلى مسألة التشارك في الحكم بين الشمال والجنوب اليمني وبين الأطراف السياسية والميليشيات المسلحة ساعتها يمكن الوصول لاتفاق شامل.

حلول واقعية

وبعد نزاع ٍ دام ٍ منذ 2014 خلّف أكثر من 8650 قتيلاً وأكثر من 58 ألف جريح وتسبّب في أزمة إنسانية حادة، بحسب منظمة الصحة العالمية، كما عرضت مستقبل أجيال كاملة للخطر بابتعاد مليوني طفل عن الدراسة وفق منظمة اليونسيف، فهل هناك حلول واقعية لهذه الحرب "الغبية"؟

يقول محمد البخيتي عضو المجلس السياسي للحوثيين إن أي عملية سياسية مستقرة في أي بلد لابد وأن تقوم على أساس التوازنات الداخلية لا الخارجية وأن تمثل العملية السياسية مصالح وسيادة واستقلال هذا البلد وأن يعمل الجميع على إيجاد هوية وطنية جامعة تستوعب حالة التنوع "وهذا ما نريده لبلادنا وبالتالي فمن الخطأ رهن العملية السياسية في الداخل اليمني بتأثيرات من أطراف من الخارج".

ويضيف قائلاً إن التدخل الخارجي في الشأن اليمني أخل بحالة التوازن التي حدثت بعد ثورة 2011، معرباً عن تقبل الحوثيين لوجود ضمانات متبادلة بين اليمن من جانب وبين السعودية والإمارات من جانب "لكن هذه الضمانات يجب أن تكون متكافئة وأن توجد التزامات من جانب جميع الأطراف فكما يحتاجون لضمانات لأمنهم نحن كذلك في حاجة لضمانات لأمننا، والسعودية لم تتضرر في تاريخها منذ إنشائها وحتى الأن من تدخلها في الشأن اليمني كما تضررت اليوم وبالتالي يحق لنا أن نطالب بضمانات"

أما محمد بن عبدالله آل زلفة العضو السابق بمجلس الشورى السعودي فيرى أنه لا مجال للتفاوض مع الحوثي قبل الإذعان الكامل، "فالمجتمع الأوروبي لم يتفاوض مع داعش ولا القاعدة فكيف يمكن عمل ذلك مع الحوثيين وهم أسوأ من داعش والقاعدة" حيث يرى أنهم يستخدمون السلاح ضد الشعب اليمني ولا يؤمنون بالمشاركة السياسية مع أي طرف من الأطراف اليمنية "فما بالك بالتفاوض مع المجتمع الدولي لذلك ليس أمامهم إلا الإنصياع للقرارات الدولية ومخرجات الحوار اليمني وأن يكونوا فصيلاً سياسياً فقط دون امتلاك سلاح ويتعايشون جنباً إلى جنب مع باقي مكونات الشعب اليمني، "والخلاصة إما أن يخضعوا برغبتهم للقرارات الدولية أو يتم اخضاعهم بالقوة".

أما عبد الباري طاهر الكاتب والمفكر اليمني فيرى أنه مع امتداد الحرب في اليمن لثلاث سنوات ضعفت خلالها كل الأطراف بل وتغيرت مواقفها بشكل كبير جداً وتضاعفت خسائر الجميع فإن الحل السلمي أصبح أكثر اقتراباً.

ويضيف قائلاً: "فيما أعلم فإن الحوثي أولويته الداخل اليمني وأنه إذا ما احتفظ بقدر من السلاح والندية وتكافؤ في فرص الوصول للحكم قد تصبح مسألة إيران بالنسبة له موضوع يمكن طرحه للنقاش وهي نقطة قد تهدئ كثيرا من مخاوف السعودية والإمارات".

ويختتم قائلاً إنه "لابد من بذل مساعي لإيجاد توافق بين دول التحالف وإيران ولا يوجد إلا الضغط الدولي للوصول إلى ذلك"، وهنا تبرز أهمية دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا لوضع مثل هذه الضغوط على أطراف الصراع بما يقلل من تشددهما لتحدث انفراجة معرباً عن تفاؤله بشأن استعداد الأطراف الدولية للعب هذا الدور.