سياسة وأمن » حروب

قطر والصراع السوري.. هل تملك الإمارة مفاتيح الحل؟

في 2018/04/23

جوزيه بيلايو - إنترناشيونال بوليسي دايجيست-

بينما تدخل سوريا مرحلة جديدة من التحدي، بالإضافة إلى التنسيق بين الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة و(إسرائيل)، من المهم أن ندخل في الرواية لاعبا جديدا وخاصة في الجهود الدبلوماسية. ونظرا للتطورات في سوريا مع روسيا والأطراف الأخرى (إيران وحزب الله وغيرها)، فإن قدرة قطر الدبلوماسية على الحفاظ على علاقات وثيقة مع جميع القوى الكبرى - على الرغم من مواقفها المختلفة - ومع صندوق الثروة السيادية التابع لها، يمكن أن تصبح أداة سياسية عظيمة للتأثير على التسوية في سوريا عبر استخدام تميزها بين جيرانها للتوصل إلى اتفاق حول القواعد الإقليمية للحكم وإعادة البناء في مرحلة ما بعد الصراع.

ويهتم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بشكل كبير بإنشاء قوة عربية محلية من الشركاء في الخليج. وفي هذا الترتيب، ستكون دول الخليج مسؤولة عن تمويل هذه القوات بعد هزيمة الولايات المتحدة لتنظيم «الدولة الإسلامية».

وكما ذكر «ترامب» عندما قرر ضرب سوريا: «أمريكا لا تسعى إلى حضور مفتوخ في سوريا، إنه مكان مضطرب، سنحاول أن نجعلها أفضل، لكنه مكان مضطرب».

وفي ظل وجود مخاوف عامة بشأن استراتيجية روسيا بعد مغادرة الولايات المتحدة (خاصة بين الدول الخليجية السنية)، فهناك ثقل دبلوماسي كبير لديه القدرة على تطبيق النفوذ على كلا الجانبين ومنع السيطرة على المنطقة من قبل القوات المعادية.

ويبدو أن قطر مازالت تقف على قدميها حتى بعد الحصار الأخير الذي فرضته المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة حيث سرع ذلك من الإجراءات التي من شأنها تحسين طرق التجارة الدولية والتنويع الاقتصادي بالنسبة للدوحة.

ومن اللافت للنظر أن دور قطر في هذه القوة العربية الأصلية الجديدة يمكن أن يصبح استراتيجياً للغاية بالنسبة للولايات المتحدة وروسيا كوسيط حيوي وثري يمكن أن يلعب دوراً أكثر فاعلية على الأرض. وعلاوة على ذلك، فإن دور «الجزيرة» الحيوي كشبكة عربية إقليمية مقرها الدوحة يمكن أن يسهم في موازنة العلاقات مع مجموعات مختلفة أيديولوجيا بحثا حلول ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻸزﻣﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻷزﻣﺔ ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺎ.

العلاقات الروسية القطرية

ومن بين هؤلاء الشركاء الذين لديهم أهداف أيديولوجية مختلفة في الأزمات الإقليمية، روسيا، التي تعد إلى جانب قطر، من بين أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم. لذلك، كان من مصلحة روسيا أن تبحث عن الشراكة مع قطر وأن تعملا معا، بدلا من الانفصال، للسيطرة على سوق الغاز الطبيعي.

وبالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى الاحترام الذي تحظى به قناة «الجزيرة» في العالم العربي، فإن روسيا مهتمة بالتأكيد بالحفاظ على العلاقات مع الدوحة على مسار إيجابي، على أمل أن يحفز ذلك الشبكة على تغطية جيدة للنفوذ الروسي في المنطقة، وهذا أمر مستبعد للغاية إذا كانت العلاقات بين البلدين متوترة.

وبالتوازي مع ذلك، وفي ضوء نفوذ روسيا المتنامي كلاعب رئيسي في المنطقة، فإنه من مصلحة قطر أيضا أن تكون لها علاقات جيدة مع روسيا، وأن تظل قوة دبلوماسية وازنة تحاول دائما مضاعفة عدد أصدقائها وتقليل أعدائها إلى الحد الأدنى.

وهناك الكثير من الأدلة التي تدعم قدرة قطر في هذا الصدد، ففي حين تبقى الدوحة حليفًا مهمًا للولايات المتحدة، فإنها تحافظ أيضًا على رأي عام داعم في العالم العربي، ولها علاقات جوهرية مع روسيا وإيران.

وعلاوة على ذلك ، فإن استثمارات قطر في الاقتصاد الروسي قد شهدت زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة حيث تصل استثمارات قطر في روسيا إلى 2.5 مليار دولار، بالإضافة إلى 500 مليون دولار في بنك «VTB» الروسي.

وفي مجال الغاز، تملك قطر الآن حوالي 40٪ من شركة الغاز الروسية العملاقة «روسنفت» وهي حصة تقدر بحوالي 11.3 مليار دولار، مما يجعل الروابط بين البلدين أكثر صرامة ويساعد على ترسيخ الشراكة بين البلدين فيما يتعلق بسوريا، حيث كان لموسكو لها دور في إدراج قطر في محادثات أستانا.

وقد أكدت الصفقة بين «روسنفت» والدوحة وجود تنافس قليل بين البلدين للسيطرة على سوق الغاز وساعدت ترتيبات الاتفاق على التنسيق دبلوماسيا بالرغم من الاستراتيجيات المختلفة فيما يتعلق بسوريا.

ومن المؤكد أن العلاقات بين الكرملين والدوحة قد تعززت بسبب الحصار الذي تفرضه الدول الأربعة على قطر، وفي الآونة الأخيرة، في مارس/أذار 2018، عقدت موسكو والدوحة اجتماعًا رئاسيًا في موسكو لتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي بينهما، ومناقشة الوضع المتدهور في سوريا.

ومع ذلك، يمكن أن تسوء الأمور على الدوام، حيث لا توجد سوابق تاريخية للثقة بين روسيا وقطر، ولكن مع استمرار الولايات المتحدة في الانسحاب من السياسة الدولية، تظل روسيا حريصة على أن تصبح القائد الأعلى للشؤون الدولية. لكن على الرغم من المخاطر، تظل العلاقة بين البلدين إيجابية بشكل كبير ويتوقع بأن علاقاتهما ستتعزز بفضل الاتفاقيات الاقتصادية والإنسانية الجارية.

العلاقات القطرية الأمريكية

على الرغم من استعداد روسيا لتطبيق دور أكبر في السياسة الدولية، تظل الولايات المتحدة واحدة من الشركاء الرئيسيين لقطر، خاصة فيما يتعلق بالأمن، حيث تتبنى قطر وواشنطن موقفًا مشابهًا في سوريا وتتعاونان في مجالات مختلفة للتصدي لقضية التطرف العنيف، وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال القاعدة العسكرية الأمريكية، وهي القاعدة العسكرية الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة، موجودة في قطر، وهي تضم مركز للقيادة المركزية الأمريكية، وأكثر من 10 آلاف عسكري من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى، ولعبت دورا أساسيا في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

ويبدو أن مهارات الدبلوماسيين في الدوحة قوية بما يكفي، حيث ساعد الحصار المفروض قطر على تعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة، والحفاظ على علاقة تجارية اقتصادية تزيد على 125 مليار دولار، وهو رقم من المتوقع أن يتضاعف في السنوات القادمة.

وفي الاجتماع الأخير بين «ترامب» وأمير قطر الأسبوع الماضي، اتفق الزعيمان على أهمية العمل معا فيما يتعلق بسوريا ومعالجة الأزمات الإقليمية الأخرى، مثل الموقف من أحدث هجوم كيميائي من قبل «الأسد».

وقد حافظت قطر على تواصلها مع كل من الولايات المتحدة وروسيا في محاولة لإيجاد حل للأزمة السورية. وفي الآونة الأخيرة، أبدت قطر اهتمامها بالمشاركة في جهود ما بعد الإعمار، حيث يضمن التحالف المتوازن مع كل اللاعبين أن يكون للإمارة دور تشاركي ومالي في إعادة البناء في مرحلة ما بعد الصراع.

ثروة قطر 

ومن الواضح أن تنوع الاقتصاد المتنامي والنفوذ الدولي المتزايد لقطر قد أحبطا الحصار المفروض عليها. وفي الواقع، يبدو أن الحصار عزز قدرات قطر الدبلوماسية المثيرة للإعجاب بالفعل، وساعد في تعميق علاقاتها مع إيران وروسيا والولايات المتحدة وتركيا.

بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الاقتصاد القطري يمتلك صندوق ثروة سيادية بقيمة 335 مليار دولار ويستثمر أكثر من 30 مليار دولار في الأسهم والأصول الأخرى.

وبالرغم من الحصار، تظل الإمارة الصغيرة أغنى بلد في العالم من حيث نصيب الفرد، حيث يعيش 250 ألف مواطن من مواطنيها على دخل يبلغ حوالي 129 ألف دولار للفرد. وقد استخدمت قطر هذه الثروة لتصبح لاعبا ماليا كبيرا، وبالمثل، ساعدت الدوحة على اكتساب نفوذ سياسي في المنطقة والعالم.

في الواقع، ساعد الحصار (ربما عن غير قصد) الإمارة في تسريع إصلاحاتها الاقتصادية وتنويع اقتصادها وفي استدامة العلاقات مع الدول الأخرى، وسوف يفيد ذلك قطر على المدى الطويل، وسيزيد تركيزها على الاستمرار في الابتعاد عن الاعتماد الكامل على احتياطيات الغاز والنفط.

بالإضافة إلى ذلك، قامت قطر مؤخرا بجمع استثمارات بقيمة 12 مليار دولار من مستثمرين أجانب، مما يظهر ثقة مستمرة من قبل القطاع المصرفي الدولي في سوق الدوحة المالي الكبير.

وحققت قطر أداءا قويا على الرغم من قرار السعودية المفاجئ بالإعلان عن مبيعاتها من السندات في نفس الأسبوع في خطوة هدفت للحد من التدفقات النقدية المتاحة لقطر. ومع ذلك، فقد وقفت السعودية عند مستوى 11 مليار دولار، مضيفة هذا الحادث إلى قائمة طويلة من المحاولات الفاشلة لضرب اقتصاد يتعرض بالفعل لضغوط ، لكنه لا يزال يتدفق.

ومن خلال محاولة تطوير قدرات محلية تنزع فتيل آثار الحصار، مع تعزيز الأمير لشعبيته، سيتعين على الدوحة مواصلة التحرك نحو مزيج من عناصر القوة (الاقتصادية والسياسية والعسكرية) لحماية مصالحها في الداخل.

وفي الخارج فقد أظهر الاقتصاد مرونة، وإمكانية واضحة في مواجهة الحصار على المدى الطويل، وفي الوقت نفسه، يجب أن تظل شبكة «الجزيرة» المثيرة لاعباً أساسياً ومستقلاً في تعزيز حرية الإعلام والحريات المدنية، والحق في الاختلاف.

وفي الوقت الذي تعزز فيه الدوحة قدراتها الجديدة لتعزيز الفرص المحلية للتنمية الاقتصادية والمستدامة، فقد اكتسبت ميزة مع صمودها المستقل الذي يمكن أن يساعدها في أن تصبح لاعبا أكثر تأثيرا في حل الأزمات الإقليمية، وخاصة في سوريا.

لقد سمح الحصار لقطر بتوسيع سوقها، والاعتماد على أكثر من 80 دولة للتجارة، بدلاً من الاعتماد على مجموعة محدودة من الدول المجاورة كما ارتفعت صادراتها وارتفع الفائض التجاري بأكثر من 50% على أساس سنوي، كما تحسن الإنتاج الصناعي.

إن الجمع بين قدرات الاستقلال الاقتصادي المكتشفة حديثًا؛ والمهارات الدبلوماسية القائمة بالفعل، وصندوق الثروة السيادية سوف يضع قطر في موقف جيد لقيادة جهود إعادة الإعمار، ويمكن أن يقودها للتأثير على حل نهائي للحرب الأهلية السورية.

ومن المؤكد أن الدوحة تلعب بشكل جيد من خلال نفوذها الدبلوماسي في الساحة الدولية، وقد أدى الحصار بالتأكيد إلى إبراز هذه المناقشة في دائرة الضوء فمع نمو تعاون قطر مع روسيا، سيكون من مصلحة الولايات المتحدة أن تبقي الدوحة حليفاً وثيقاً وتزيد من علاقتها معها لدفعها لممارسة النفوذ وتصدر الجهود الدبلوماسية مع موسكو وطهران.

فعلى الرغم من اختلاف موسكو والدوحة اختلافًا كبيرًا في ما يتعلق بـ«الأسد»، يبدو أن مستقبل ثروة الصناديق السيادية في قطر يشير إلى اهتمام بسوريا، والتزام أكبر بإعادة البناء بعد الصراع، مما سيضمن نفوذ قطر في بلاد الشام، وفتح فرصة للاستثمارات. ولكن كما حدث في الماضي، ستتمكن الدوحة بالتأكيد من إيجاد توازن بين مصالحها ومصالح الكرملين وواشنطن.

إن دعم الدوحة للمعارضين لم يسفر بعد عن أي نتيجة إيجابية، ومن هنا جاء قرار قطر بالالتقات إلى جهود ما بعد الصراع التي ستعطي الدوحة نفوذاً أكبر في سوريا، خاصة مع قدرتها على لعب دور الوسيط بين روسيا والولايات المتحدة لتهيئة الظروف اللازمة للمضي قدمًا في مسار يؤدي إلى تقديم حلول سياسية تضع حدا للنزاع.