سياسة وأمن » حروب

لماذا صعَّدت الإمارات والسعودية ضد تركيا مع قرب الانتخابات؟

في 2018/05/26

الخليج أونلاين-

مع بدء العدّ العكسي للانتخابات العامة التركية المبكّرة صعّدت الجيوش الإلكترونية في كلٍّ من السعودية والإمارات هجمتها على تركيا ورئيسها، وكأنهم يحاولون تدارك المفاجأة التي أعلنها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتبكير موعد الانتخابات.

فقد واصلت أطراف سعودية وإماراتية مدعومة رسمياً شنّ حرب كلامية وتحريضيّة ضد تركيا، وصلت إلى حدِّ الإساءة المباشرة للرئيس أردوغان في إحدى أهم الصحف الورقية السعودية، ما حمل انطباعاً بوقوف جهات رسمية خلف هذه الحملة.

ومن اللافت للانتباه أن هذا التصعيد يأتي قبيل أقلّ من ثلاثين يوماً على موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا، المقرَّرة في 24 يونيو المقبل، وفي ظلّ استطلاعات الرأي التي تُظهر تقدّمه المتوقّع في الانتخابات، في وقت يعتبر فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم هذه الانتخابات مفصليّة ومصيرية، وتمثّل نقلة مهمّة في تاريخ تركيا الحديث.

أبوظبي والرياض سخَّرتا وسائل الإعلام و"الذباب الإلكتروني" عبر موقع "تويتر" في حملات طالبت منذ أيام بمقاطعة السياحة والسفر إلى تركيا، وتصدّرت وسوم فيها مثل: "#مقاطعة_السفر_الي_تركيا"، و"#مقاطعة_السياحة_التركية".

وتفاعل ناشطون إماراتيون وسعوديون وشريحة واسعة من الدول العربية ما بين مؤيّد ومعارض، إلا أن نسبة التفاعل الكبرى المؤيّدة للفكرة جاءت من الإمارات.

- عداء الإمارات لتركيا

الإمارات لم تخفِ عداءها لتركيا؛ فقد شهدت العلاقات ما بين البلدين حرباً باردة وصلت إلى حدّ التلاسن، إذ بدا الصراع والتوتّر والتنافس بينهما جليّاً، وتحاول كلّ دولة منهما زيادة نفوذها، خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وأن توجّه ضربات ناعمة تضعف غريمتها.

وامتدَّت الحرب إلى محاولات إماراتية لإيجاد موطئ قدم لها في المؤسَّسات المالية التركية الخاصة، والانضمام إلى اللوبي المالي بالبلاد المعارض لحزب الرئيس أردوغان؛ في محاولة لإضعاف حكومته.

كما حاولت الإمارات التأثير في الاقتصاد التركي وسمعة أردوغان من خلال الضغط على رجل الأعمال التركي رضا ضراب، أثناء اعتقاله في دبي عام 2015، ليتّهم الرئيس التركي بالتورّط في التحايل على العقوبات الأمريكية ضد إيران.

وسبق لأبوظبي أن شنّت حملة شاركت بها أقلام سعودية ضد تركيا، عقب انتقادات أردوغان لوزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان؛ لاتّهامه العثمانيين بارتكاب انتهاكات في المدينة المنوَّرة بالسعودية، قبل قرن من الزمن.

كما أُثير غضب أبوظبي والرياض من تركيا عقب الأزمة الخليجية، في يونيو الماضي، (مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر)؛ إثر موقف أنقرة الرافض لحصار قطر، وإمدادها الدوحة بالأغذية وإرسال القوات العسكرية إلى هناك، ورفضها المطالب الرئيسة التي أصدرتها الدول الأربع لإنهاء الأزمة، ومن بينها إغلاق القاعدة العسكرية التركية هناك.

هذا الأمر دفع السعودية إلى التلويح بالورقة الكردية في وجه تركيا رداً على مساعدتها لقطر، خاصة أن الإعلام السعودي عكف حينها على إجراء لقاءات وحوارات مع معارضين سياسيين أكراد لتركيا، وهي المسألة التي أثارت جدلاً واسعاً، وسط توقّعات بأن تؤثّر الأزمة بشكل بالغ بين دول الحصار وأنقرة، وهو ما حدث بالفعل.

هذه الأحداث المتتالية تأتي لتؤكّد سعي الإمارات والسعودية للتأثير السلبي على حكم أردوغان.

وكانت الحرب الباردة بين الإمارات وتركيا قد أخذت بُعداً إعلامياً كبيراً في الفترة الأخيرة؛ فقد هاجم أردوغان أبوظبي وسياستها في أكثر من مناسبة، ما يدلّ على أن الخلافات وصلت إلى مراحل متقدّمة تنبئ باحتمال قطع العلاقات نهائياً بين الطرفين.

- هل تحاول تكرار سيناريو ترامب؟

وعاد للأذهان مع بدء الحملة الإماراتية السعودية ضد تركيا، وما تُتَّهم به من محاولة التأثير في الانتخابات التركية، الدور الذي أدّته كلا الدولتين في المساهمة بفوز حليفهما الأمريكي، دونالد ترامب، بالرئاسة.

فقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً عن تفاصيل لقاء سري عقده النجل الأكبر للرئيس الأمريكي في برج ترامب بمدينة نيويورك، قبل ثلاثة أشهر من انتخابات الرئاسة الأمريكية، شارك فيه رجل الأعمال اللبناني الأمريكي جورج نادر بصفته مبعوثاً لكل من وليّ عهد السعودية محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لعرض مساعدة ترامب ليصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

وأضافت: "بعد هذا اللقاء أصبح جورج نادر حليفاً مقرّباً من مستشاري حملة ترامب الرئاسية؛ حيث كان يجتمع كل حين بزوج ابنة السيد ترامب، جاريد كوشنر، وكذلك مع مايكل تي فلين، الذي أصبح فيما بعد أول مستشار أمن قومي للرئيس".

ويعزّز تكرار السيناريو في تركيا أن التصعيد الإماراتي ضد أنقرة لم يكن وليد اللحظة، إذ سبقه -كما يقول كتّاب وصحفيون أتراك- خطوات عملية؛ أبرزها دعم محاولة الانقلاب العسكرية للإطاحة بالرئيس أردوغان والحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تركيا، في يوليو 2016، بأكثر من 3 مليارات دولار.

- السعودية تتلافى الأمر

وفي سياق متّصل وعقب الحملة الإلكترونية الأخيرة ضد تركيا، حاول السفير السعودي في تركيا، وليد الخريجي، النأي بالنفس عن هذه الحملة، واتّهم أطرافاً ووسائل إعلام وصحفيين يعملون على تخريب العلاقات التركية السعودية، التي وصفها بـ "المتجذّرة والمميزة"، وذلك خلافاً لما يحصل من تشويه واتهامات وحملات تحريض وإساءة ضد تركيا ورئيسها من وسائل إعلام سعودية وإماراتية رسمية.

السفير قال في كلمة له على هامش الملتقى الإعلامي التركي-السعودي، الذي انعقد مساء الأربعاء 23 مايو الجاري، في العاصمة أنقرة: "يجب على الصحفيين تجنّب النشر الذي يروّج الكذب، فهناك صحفيون ووسائل إعلام يحاولون تخريب العلاقات السعودية التركية، واستمرار هذه الأقلام المشبوهة في نشر الإشاعات والسموم لا يصبّ بمصلحة البلدين".

الخريجي حاول من خلال تصريحاته أن يتلافى المشهد الذي بدا جلياً في وسائل الإعلام السعودية ونشطاء البلاد المعروفين على موقع "تويتر"، وشدّد على أن بلاده تتطلّع للعمل على بناء الجسور وتطوير العلاقات مع تركيا.

وعلى الرغم من التصعيد السياسي من قبل الرياض مؤخراً فإن العلاقات السياحية السعودية - التركية شهدت إقبالاً كبيراً مؤخراً؛ إذ أصبحت تركيا أبرز الوجهات السياحية المفضّلة للسعوديين، وفق السفير السعودي، الذي قال: إن "عدد السياح السعوديين إلى تركيا بلغ 600 ألف سائح في عام 2017".

كما أشار السفير إلى وجود استثمارات سعودية في تركيا بكافة المجالات؛ منها "البنوك والاتصالات والطاقة والعقارات"، وأوضح أنه في "العام الماضي تم بيع 660 مسكناً للسعوديين، ما جعلهم بالمرتبة الثانية من بين الدول العربية والأولى من حيث قيمة هذه العقارات".

سعوديون أشادوا بتصريحات السفير، وقالوا إن هناك أقلاماً مأجورة فعلاً تحاول اختلاق مشكلة بين الدولتين، وآخرون حاولوا التحذير من الحملات على "تويتر"، قائلين إن أغلب المغرّدين من الإمارات، ولا يأتي منها خير.

ومنهم من قال إن كان هناك أمر حكومي يقرّ بمنع السفر إلى تركيا أو قطع العلاقات فحينها "سمعاً وطاعة".

إلا أن المشاركات السعودية التي كانت معظمها مع المقاطعة، ولم تقتصر على "تويتر"؛ إذ تناولت صحيفة "عكاظ" مقالاً سخر من الرئيس التركي حمل عنوان "أردوغان.. أوهام السلطان"، قالت فيه: "زواج متعة.. بين العثمانية والإخوانية"، نُشر الخميس 24 مايو.

واتّهم المقال أردوغان بأنه يستغلّ القضايا العربية والإسلامية لخدمة مصالحه وخدمة "إسرائيل" والتوسّع في الشرق الأوسط.

وجدير بالذكر أنه على الرغم من جميع الدعوات لمقاطعة السياحة في تركيا فإنّ الأرقام تبيّن أن الإمارات والسعودية تأتيان بالمرتبة الثانية والثالثة من حيث السياحة العربية في تركيا، خلال عام 2017، كما تعدّ تركيا أفضل الوجهات السياحية لدى دول الخليج العربي عامة.