وكالات-
لم يكن إعلان أسبانيا رسميا، وقف بيع أسلحة إلى السعودية، الأول من نوعه، وسط توقعات أنه لن يكون الأخير أيضا، في ظل ارتفاع وتيرة الانتهاكات التي يقوم بها التحالف العربي بقيادة الرياض في اليمن، والضغوط الشعبية والبرلمانية على الحكومات التي تبيع السلاح للمملكة.
انضمت أسبانيا، إلى كل من ألمانيا وبلجيكا والسويد، في وقف توريد السلاح للسعودية، في ظل قرار من البرلمان الأوروبي بهذا الشأن، بينما تمارس ضغوط على حكومات بريطانيا وأمريكا وكندا، لوقف تصدير السلاح للمملكة.
كما تأتي هذه القرارات والضغوط، وسط تصاعد اتهامات المنظمات الحقوقية الغربية، بتزويد التحالف العربي، الذي تقوده السعودية في اليمن، بأسلحة، ما سهل ارتكاب "جرائم حرب" محتملة، لافتين إلى أن "هذه التجارة تجعل المعاهدة العالمية لتجارة الأسلحة مدعاة للسخرية".
والأسبوع الماضي، قال تقرير أصدره فريق خبراء مفوّض من قبل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن أفرادا من الحكومة اليمنيّة وقوات التحالف العربي، وبصفة خاصة السعودية والإمارات، وأفرادا في سلطات الأمر الواقع (مسلحو الحوثي)، "ارتكبوا أفعالا قد ترقى إلى جرائم حرب، إلا أن تأكيد ذلك يبقى رهنا بتقييم تجريه محكمة مختصة ومستقلة".
وهو التقرير الذي اعتبرته منظمة "العفو الدولية" دليلا على ضرورة حظر توريد السلاح للتحالف العربي.
وقف توريد
اليوم، أعلنت أسبانيا رسميا، وقف بيع 400 قنبلة عالية الدقة إلى السعودية، تم توقيع اتفاقية بشأنها في 2015، لافتة إلى أنها سترد للرياض 9.2 مليون يورو دفعتها بالفعل مقابل هذه الصفقة.
وفي يونيو/حزيران 2018، أوقف مجلس الدولة البلجيكي، أربع رخص أجازتها حكومة مقاطعة والونيا المحلية، لبيع الأسلحة للسعودية، كونها لا تنظر في طريقة استخدام الأسلحة، لاسيما استخدامها ضد الآخرين خارج إطار الدفاع عن النفس.
وفي فبراير/شباط 2018، قررت ألمانيا كذلك، وقف تصدير الأسلحة للمملكة، وقالت: "لن تمنح من الآن فصاعدا تصاريح بتصدير أسلحة للدول التي تشارك في حرب اليمن".
وفي بداية عام 2018، أوقفت الحكومة النرويجية، جميع صادرات الأسلحة والذخائر إلى الإمارات، الشريك الثاني في التحالف مع السعودية بحرب اليمن، بسبب المخاوف من إمكانية استخدامها في انتهاكات، خاصة أن النرويج تحظر بيع الأسلحة والذخائر للسعودية منذ فترة طويلة.
يأتي ذلك، في ظل تبني البرلمان الأوروبي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قرارا بحظر بيع الأسلحة للسعودية، بأغلبية 539 نائبا، ورفض 13، وامتناع 81 آخرين عن التصويت.
ويبدي نواب أوروبيون، قلقهم من أن الضربات الجوية لـ"التحالف العربي" الذي تقوده السعودية، والحصار البحري الذي تفرضه على اليمن، قد تسببا في آلاف الوفيات في اليمن، وفي إثارة الاضطراب فيها.
وقبل هذا القرار الأوروبي، كانت السويد أول من ألغت عقود تسليح مع السعودية، عام 2015، بسبب أوضاع حقوق الإنسان في السعودية.
ضغوط
فيما تواجه دولا أخرى، ضغوطا متعددة، شعبية وبرلمانية وحزبية، وأحيانا قضائية، لوقف بيع السلاح للسعودية.
وتعد بريطانيا، أبرز هذه الدول التي تواجه ضغوطا كبيرا، دفع مندوب بريطانيا الدائم لدي الأمم المتحدة "ماثيو رايكروف"، للإعلان في 2016، أن لندن تراجع سياسة مبيعات السلاح للسعودية، لكن هذا لم يحدث، وسط كشف عن اتصالات سعودية مع لندن لعدم حظر مبيعات الأسلحة.
وتدّعي بريطانيا، أنها لم تر حتى الآن دليلا على وجود خطر جدي من شأنه أن ينتهك القانون الإنساني الدولي، في حالة توريد بريطانيا الأسلحة للسعودية.
كما تواجه لندن انتقادات من جماعات حقوقية، وصحف إعلامية بارزة، وشخصيات حزبية ودبلوماسية، بسبب إصرارها على إصدار تراخيص لتصدير أسلحة إلى السعودية.
وتمثل المملكة المتحدة، واحدة من أكبر مصدري المعدات الدفاعية إلى السعودية لأكثر من 40 عاما، بما في ذلك ما يعرف بصفقة اليمامة في 1980.
وفي فرنسا، أقامت منظمتان حقوقيتان، في مايو/أيار الماضي، دعوة أمام القضاء، لوقف بيع الأسلحة للسعودية والإمارات، وذلك بعد انتظارهما ردا حكوميا لشهرين على المطالب المتكررة من قبل جماعات حقوق الإنسان لوقف بيع أسلحة تُستخدم في الصراع اليمني.
وفي وقت سابق من العام الجاري، شهدت زيارة ولي العهد السعودي لبريطانيا وفرنسا، وقفات احتجاجية، تندد بالانتهاكات في اليمن وتطالب الحكومات بوقف صادرات السلاح إلى السعودية.
الأمر لم يقف عند ذلك الحد، بل وصلت المطالبات إلى سحب استثمارات الصندوق السيادي النرويجي أو "صندوق التقاعد الحكومي"، في شركة "ريثون" العالمية التي تبيع أسلحتها للسعودية، كونها تبيع الأسلحة لاستخدامها في حرب اليمن.
مراجعة
وفي أغسطس/آب 2017، قالت الحكومة الكندية، إنها تبحث بجدية في مزاعم استخدام مركبات عسكرية كندية ضد المدنيين في شرق السعودية، لافتة إلى أنه في حال التأكد من استخدام الأسلحة في انتهاكات ضد حقوق الإنسان، فإنها سيقوم باتخاذ إجراءات.
وزادت مطالبات وقف بيع السلاح للسعودية مع الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين الرياض وأوتارا، بسبب انتقادات الأخيرة لانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة.
والشهر الماضي، وجهت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، تحذيرًا للسعودية بخفض دعمها العسكري والاستخباراتي، لحملتها ضد الحوثيين في اليمن، حال لم تُظهِر الرياض محاولتها خفض عدد القتلى المدنيين نتيجة الغارات.
ويقول معهد "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السلام، وهو قاعدة بيانات مستقلة للأمن العالمي، إن "الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأسبانيا، هي المورّد الرئيسي للسلاح إلى المملكة".
وزار "بن سلمان"، جميع البلدان الأربعة في أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين.
وتنفي السعودية الادعاءات بشأن استهداف مواقع مدنية في اليمن، من قبل قوات "التحالف العربي"، وتؤكد أن قوات التحالف تتوخى أعلى درجات الحيطة والحذر لعدم استهداف المدنيين.
ومنذ عام 2014، يشهد اليمن نزاعا داميا بين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء، والحكومة المعترف بها دوليا، قبل أن تتدخل السعودية على رأس تحالف عسكري في مارس/آذار 2015.
ويشهد اليمن حاليا أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ إذ يحتاج 22 مليون شخص (75% من السكان) إلى شكل من أشكال المساعدة والحماية الإنسانية، بما في ذلك 8.4 ملايين شخص لا يعرفون من أين يحصلون على وجبتهم القادمة، حسب إحصاءات أممية.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه في الفترة من مارس/آذار 2015، وحتى أغسطس/آب 2018، قُتل نحو 6660 مدنيا، وأصيب 10 آلاف و563 آخرون في الصراع على السلطة باليمن بين الحكومة المدعومة من السعودية والحوثيين.