سياسة وأمن » حروب

"مراكز القوى".. وسيلة السعودية لتحقيق الهيمنة في اليمن

في 2018/09/13

الخليج أونلاين-

"السعودية تهيمن على اليمن وتمارس دور الوصاية"، عبارات يردّدها الإيرانيون وإعلامهم وأدواتهم في اليمن والقصد هنا الحوثيون طبعاً، وإن كان الهدف سياسياً يرتبط بصراع إيراني سعودي، لكنها عبارات لها أدلّتها وشواهدها في الواقع وعلى امتداد التاريخ.

فالمملكة الجارَة في الجغرافيا و"الجائِرة في الأخوّة"، كما يصفها يمنيون، تتدخّل عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً لإيقاف ثورة، وتتورّط في اغتيال رئيس وإنقاذ آخر، ويجب أن يكون رئيس الحكومة ممن ترضى عنهم.

إلى جانب ذلك فإن الرياض تدعم انفصالاً هنا وتساند شرعية هناك، وتمنح مساعدات وتمنع استخراج ثروات، وتقف إلى جانب الدولة اليمنية وتشتري بالمال والسلاح ولاء شيوخ القبائل والقيادات العسكرية والسياسيين والناشطين.

ولأنها هيمنة تجاوزت حدود التأثير السياسي والدبلوماسي فسفيرها يستطيع تحريك طائرة عسكرية من قاعدة جوية بعلاقات شخصية. وقد حدث ذلك فعلاً وباعتراف السفير محمد آل جابر، في لقاء تلفزيوني مع الإخبارية السعودية، في شهر مايو الماضي، أثناء حديثه عن تهريب نائب الرئيس اليمني، الفريق علي محسن الأحمر.

جذور تاريخية

السعودية الجديدة بعمرها، مقارنة باليمن الضارب بجذوره في عمق التاريخ والحضارات، لا تعتمد على تفوّقها الاقتصادي ومكانتها الإسلامية والدولية في ممارسة دور الوصاية في اليمن، بل صنعت لها أدوات يمنية ساعدتها في تكريس الهيمنة منذ عقود.

ويرى المحلل السياسي اليمني نبيل الشرجبي، أن "الهيمنة السعودية على اليمن، وخصوصاً ما كان يُسمّى سابقاً باليمن الشمالي، لها جذورها التاريخية البعيدة التي تعود إلى فترة حكم بيت حميد الدين شمالي صنعاء، ووجود بعض الدويلات التي كانت تقع بين الدولة المتوكلية في اليمن، ودولة آل سعود في نجد والحجاز، ورغبة كل طرف في ضمّ تلك الدويلات له".

وتابع: "ثم انتقل الصراع بينهما إلى محاولة كل طرف السيطرة على أراضي الطرف الآخر، وقامت بين الطرفين حروب انتهت بتوقيع اتفاقية الطائف، في ثلاثينات القرن الماضي، والتي أسهم فيها كل من الشقنقيري والقسام، وهما شخصيات إسلامية فلسطينية".

وأضاف الشرجبي: "ظلّت تلك العلاقة تحكم الطرفين إلى حين حصل تغييران؛ الأول سياسي تمثّل في قيام ثورة سبتمبر باليمن وتحوّل النظام من ملكي إلى جمهوري بدعم مصري واضح، حيث كان في حالة عداء كبيرة مع السعودية، فحُسب ما حصل في اليمن لصالح مصر". 

ورقة رابحة

وأضاف الشرجبي في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "التغيّر الآخر كان اقتصادياً من خلال اكتشاف النفط في السعودية، فسريعاً تدخّلت المملكة لدعم الطرف الملكي وتمكّنت من الحصول على ولاء قسم كبير جداً من قبائل شمالي اليمن، استغلّته الرياض بعد ذلك في التأثير على كل القرارات اليمنية، وأصبح لديها ورقة ضغط اجتماعية قوية جداً تحرّكها لمصلحتها وقت ما شاءت".

ولفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحُديدة إلى أن "هذه الورقة الاجتماعية التي استأثرت بها السعودية؛ وهم قبائل شمال الشمال، كان لها امتداد واسع في كل مفاصل الدولة؛ المدنية والعسكرية والدينية والاقتصادية".

وأشار إلى أن "اليمن كان من الدول الأكثر فقراً على مستوى منطقة الجزيرة العربية، وهو ما جعله دائم طلب المساعدات من المملكة لتشغيل الحياة العامة في البلد، وكذا تصدير ملايين اليمنيين للعمل في السعودية".

واعتبر أن "كلا الأمرين جعل من السعودية هي المموّل الأول والرئيس والأهمّ لكل المشاريع الاقتصادية في اليمن، وهو ما أجبر كل الحكومات اليمنية على أن تعمل ألف حساب لكل المطالب السعودية".

العامل الخارجي

واعتبر الشرجبي أن ضعف الحكومات المركزية في اليمن، وخاصة في منطقة الشمال، جعل اختراقها من قبل أدوات المملكة العربية السعودية في منتهى السهولة.

وشدّد المحلل السياسي على أن "للعامل الخارجي دوراً أيضاً، فقد صمّمت السياسات الدولية تجاه اليمن وخاصة الأمريكية، على ضرورة مرورها عبر البوابة السعودية، بينما كان الدور الأوروبي شبه معدوم، ليس على مستوى اليمن فحسب، بل على مستوى المنطقة العربية".

واستطرد الشرجبي: "لذا كنّا دائماً نسمع أن السياسات الأمريكية كانت تفضّل دوراً ارتباطياً لليمن مع الخليج، بينما تتمنّاه أوروبا عبر القرن الأفريقي".

مراكز القوى

بدوره يذهب المحلل السياسي اليمني فؤاد الصلاحي، إلى أن "السعودية لم تتعامل مع اليمن من خلال الدولة بل من خلال مراكز القوى، وهم جماعات تابعة ومموَّلة من قبلها منذ 50 عاماً، ويتزايد عددهم باستمرار".

وعن الطريقة الممكنة لليمنيين لبناء علاقة متوازنة مع جارتهم وكسر هيمنتها، قال الصلاحي في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إنه "لكسر هذه الحلقة بل والخروج منها لابد من إعادة بناء دولة وطنية حديثة يتمركز الولاء فيها أولاً وأخيراً للوطن والشعب، وتُراعى هذه السمة في اختيار المسؤولين أياً كانت طبيعة مهامهم".

ودعا إلى ضرورة أن "يكون اليمن دولة مستقلة وحديثة تعتمد منطق الدستور والقانون ولا مجال فيها لمراكز القوى، ولا مشايخ ولا لجان تابعة للخارج، وهو أمر نتمنّى أن يتحقّق بعد الخروج من الأزمة الحالية؛ وهذا مشروط بارتقاء النخب السياسية والحزبية بأدوارهم وممارساتهم إلى مصاف الوطن وتضحياته".

مؤشرات الاستمرار

لكن الصلاحي توقّع أن "تعزّز الأحداث الحالية (التدخّل العسكري السعودي في اليمن) حجم وعدد أعضاء اللجنة الخاصة (جهاز مخابراتي سعودي يدير ملف اليمن) وتنفيذهم أوامر وتعليمات غالباً ما تتعارض مع مصالح اليمن".

توقّعات الصلاحي لم يختلف معها الشرجبي، الذي أكّد أن "ما يحصل في اليمن من صراع وتدخّل السعودية بمظلّة عربية عبر عاصفة الحزم سيجعل اليمن إلى أمدٍ ليس بقريب قابعاً تحت التأثير السعودي؛ ليس لضعف الحكومة فقط، لكن لحاجة البلاد للمساعدات السعودية".

وشدّد الشرجبي على المدخل الاقتصادي كحل لإنهاء الهيمنة السعودية، حيث إن تحويل اليمن إلى قوة اقتصادية تعتمد على نفسها وتمدّ خدماتها إلى كل أجزاء اليمن سينعكس على قوة أداء الحكومة ويساعد اليمن على التقليل من ذلك التأثير.