ستراتفور- ترجمة شادي خليفة-
انهارت الجولة الأخيرة من محادثات السلام بوساطة الأمم المتحدة بشأن الحرب الأهلية في اليمن، وفشلت الأطراف الرئيسية في الصراع؛ حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي" المعترف بها دوليا، وميليشيا الحوثيين المتمردة، حتى في الاجتماع للتفاوض في "جنيف".
وبدلا من ذلك، فإنهم سيعودون لتسوية خلافاتهم في ساحة المعركة.
وتعد هذه الأخبار غير مرحب بها بالنسبة للعديد من الأطراف المعنية، وعلى المدى القصير، سيحاول جانبا الصراع كسب المزيد من خلال القتال.
وعلى المدى الطويل، مع ذلك، سوف تعرض إطالة الحرب مصالح الحكومة والمتمردين على حد سواء للخطر، كما ستلقي بظلال من الشك على السمعة العسكرية والدبلوماسية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ القوتين اللتين تقودان التحالف الدولي ضد الحوثيين، وتعود بجهود الولايات المتحدة ضد المتطرفين في اليمن إلى الخلف.
لكن بالنسبة للجماعات الإيرانية، والجماعات الجهادية، مثل تنظيم "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" الناشئ في اليمن، فإن الصراع المستمر يوفر فرصة عظيمة.
محاولة أخرى وفشل آخر
كانت احتمالات النجاح في المناقشات الأخيرة قاتمة، وكانت الجولة السابقة من محادثات السلام، التي عقدت في الكويت عام 2016، قد فشلت قبل أن تبدأ.
وهذه المرة، اعتقد المبعوث الخاص للأمم المتحدة الذي نظم المحادثات، "مارتن غريفيث"، أنه حمل هدفا أكثر تواضعا من التوصل إلى اتفاق سلام شامل، وتتلخص خطط "غريفيث" في توجيه المحادثات الجديدة نحو أهداف محددة، مثل توحيد البنك المركزي اليمني، وترتيب تبادل الأسرى، في محاولة لتشجيع المشاركة.
وببساطة، فإن التكاليف الإنسانية للحرب الأهلية في اليمن، التي تسببت في نقص الغذاء، وزادت من الضغوط على إمدادات المياه المحلية، وفتحت الطريق أمام تفشي الأمراض المهلكة، ودمرت اقتصاد البلاد، مرتفعة للغاية لدرجة لا يمكن معها التخلي عن المحاولة مرة أخرى.
لكن لا الحوثيون ولا حكومة "هادي" كان بوسعهم كسب الكثير من خلال المحادثات، ولم تظهر السعودية وحلفاؤها في التحالف أي اهتمام بإظهار التزامهم بالسلام لدى الولايات المتحدة وموردي الأسلحة الرئيسيين الآخرين، ونتيجة لذلك، انهارت المحادثات قبل أن تبدأ.
ولا يعني الفشل الأخير أن محاولات التفاوض ستتوقف نهائيا، فبعد كل شيء، سيكون من الصعب على الأطراف المتحاربة إيجاد حل عسكري لإنهاء الصراع.
ومع ذلك، يعني هذا أن كلا الطرفين سيعود إلى ساحة المعركة في الوقت الحالي؛ سعيا إلى كسب ميزة في الجولة القادمة من المحادثات، وفي الوقت نفسه، لإضعاف الخصم.
ومع تأجيل محادثات السلام، سيكون لدى التحالف الذي تقوده السعودية الآن المزيد من المجال الدبلوماسي لاستئناف الهجوم على الحديدة، أكبر ميناء في اليمن، حيث توجد القوات الإماراتية والقوات المتحالفة بالفعل في موقع جيد للقيام بالعملية.
وفي المقابل، سيتعامل الحوثيون بواقعية، على أمل أن يلحقوا أضرارا كافية بالتحالف، كما سيواصلون تهديداتهم عبر الهجمات الصاروخية على السعودية والإمارات وأنشطة الشحن الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، على أمل أن يعيد المجتمع الدولي التفكير في دعمه للتحالف.
الرأي الغربي الرسمي
ومع استمرار النزاع، تحولت الأزمة الإنسانية في اليمن إلى قضية رأي عام في الولايات المتحدة وأوروبا ضد الحرب، وحظرت النرويج مبيعات الأسلحة إلى التحالف السعودي في وقت سابق من هذا العام.
ومنعت ألمانيا عقودا دفاعية جديدة إلى جميع الدول المشاركة في نزاع اليمن، وكان ذلك قبل أن يقصف التحالف حافلة مدرسية في أغسطس/آب، ما زاد من المخاوف الدولية بشأن تكتيكات التحالف.
كما دفعت حصيلة القتلى المدنيين في اليمن إسبانيا إلى التراجع عن صفقة لبيع مئات من القنابل الدقيقة إلى السعودية، على الرغم من إعلانها، في 13 سبتمبر/أيلول، أنها ستستأنف تسليمها.
وفي ضوء التدقيق المتزايد، على قادة التحالف أن يزنوا استراتيجيتهم العسكرية في اليمن بعناية، مقابل مواقف حلفائهم الغربيين، وبالتحديد الولايات المتحدة.
ويمكن لنتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، على وجه الخصوص، أن تحشد المشرعين للتحرك لتغيير موقف الولايات المتحدة من الصراع في اليمن، وهي قضية حظيت بدعم الحزبين في واشنطن.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ستواصل دعم مهمة التحالف التي تقودها السعودية لاستعادة سلطة "هادي"، فقد يدفع الكونغرس الحكومة اليمنية وحلفاءها الأجانب إلى التسوية مع الحوثيين؛ للتخفيف من الأزمة الإنسانية.
وفي الداخل أيضا، قد يجد القادة السعوديون والإماراتيون تراجعا في دعم حملتهم في اليمن، وقد تتعرض السلطة العسكرية والدبلوماسية للأمير "محمد بن سلمان" إلى التساؤل والتشكيك بين أفراد العائلة المالكة، إذا فشل في وضع نهاية حاسمة للحرب اليمنية والمشاركة المكلفة للمملكة فيها.
وعلى الرغم من أن ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" قد يكون أقل عرضة للانتقادات من "بن سلمان"، فقد يجد نفسه متهما في الرأي العام الإماراتي إذا واصلت الإمارات دورها في الصراع، خاصة أن الحوثيين هددوا بمهاجمة بلاده.
وقد نشر الحوثيون بالفعل تقارير مزعومة عن ضربات على المطارات في أبوظبي ودبي، في محاولة لإزعاج المواطنين والشركات الدولية، وتعطيل صناعة السياحة الحيوية في البلاد.
وفي الوقت نفسه، قد تتعرض الشرعية التي اكتسبها الحوثيون في شمال اليمن للخطر، إذا ما أدرك أنصارهم أنهم مسؤولون عن إطالة أمد النزاع.
وطالما تمكنوا من تصوير التحالف الذي تقوده السعودية كمعتدين، فسيكون بإمكانهم الحفاظ على معدلات التجنيد وحماية مكانتهم مع القبائل الكثيرة في شمال اليمن، لكن الإبقاء على هذا القبول يتطلب من الحوثيين تحقيق نتائج، مثل تعزيز الأمن الغذائي وتحسين الوضع الاقتصادي، الأمر الذي قد يكون بعيد المنال.
نعمة لإيران
وفي حين أن استمرار الحرب سيترتب عليه تكلفة على الحوثيين وقوات التحالف، فإن استمرار القتال لفترة أطول سيكون بمثابة نعمة بالنسبة لإيران.
وقد استخدمت الجمهورية الإسلامية دعمها للحوثيين في شق طريقها في اليمن، وتطمح إلى تحويل الجماعة إلى ميليشيا إقليمية وكيلة مثل "حزب الله" اللبناني.
لكن الحوثيين يختلفون مع إيران في الثقافة والسياسة، وتعد الضرورة الملحة، وليس التوافق الأيديولوجي، هي ما يدعم تحالفهم مع طهران.
وسيقلل انتهاء الأعمال العدائية من حاجتهم إلى المساعدات العسكرية والاقتصادية، ما يقوض خطط إيران لزراعة حليف استراتيجي يمكنها استخدامه ضد السعودية بقدر ما تستخدم "حزب الله" ضد (إسرائيل).
وبالنسبة للجماعات المتطرفة مثل "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، فإن استمرار الحرب سيكون مفيدا بنفس القدر؛ حيث يتسبب عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الذي تسببت فيه الحرب الأهلية في اليمن، وخيبة الأمل التي نتجت عنها بين السكان المحليين، سواء تجاه "هادي" أو الحوثيين، في جعل البلاد أرضا خصبة للتجنيد لصالح هذه المنظمات.
علاوة على ذلك، ما دام الصراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية مستمرا، ستتمتع الجماعات المتطرفة بمزيد من الحرية للعمل في الأماكن الكبيرة غير الخاضعة لحكم السلطة المركزية، وسيكون هذا التطور غير مرحب به من قبل الولايات المتحدة، التي نشطت في اليمن في محاولة للقضاء على تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية منذ عام 2002.
والآن، بعد أن فشلت المحاولة الثانية لمحادثات السلام، ستستمر الحرب في اليمن بطريقتها المألوفة؛ حيث يدفع التحالف نحو التقدم والهجوم، ويقاوم الحوثيون ذلك حتى تأتي جولة أخرى من المفاوضات.
وإذا شعر أحد الفصائل بأنه في خضم أزمة يمكن أن تهدئها محادثات السلام، فحينها قد تجدي المناقشات التالية وتؤدي إلى نتائج، لكن إذا لم يحدث ذلك، فسوف تفشل الجولة القادمة من جديد.