وكالات-
ذهب الشاب اليمني فؤاد إلى مدينة الحديدة غربي البلاد لتوفير لقمة العيش والحياة الكريمة له ولأسرته لكنه ذهب من الحياة دون عودة بقصف لطيران التحالف السعودي الإماراتي المؤيد للحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً.
ووفقاً لابن خالته أحمد الباشا فإن فؤاد قُتل بالطيران الذي وصفه بالأعمى حيث لا يفرق بين مدني أو عسكريK "بل ومستمر في أخطائه دون اكتراث لتلك الأرواح التي تُزهق دون أي ذنب" كما يقول في منشور له على فيسبوك.
وليس فؤاد الوحيد الذي قتل بقصف طيران التحالف أو قذائف مليشيا الحوثي بل هناك عشرات اليمنيين في محافظة الحديدة ينتكسون صحياً ويموتون بفعل الجوع والأزمة الإنسانية التي فاقمتها بشدة معركة تحرير الحديدة التي تقودها الإمارات منذ منتصف يونيو الماضي قبل أن تتوقف بضغوط دولية ثم تعود في الثامن عشر من سبتمبر الفائت رغم رفض القوى الدولية.
- رفض دولي للمعركة
الرفض الدولي لمعركة الحديدة يعود إلى أن ميناء المدينة يمثل منفذاً مهماً للتجارة والمساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة الحوثيين بنسبة 80% وهو ما يمكن أن يعرض حياة نحو 8 ملايين يمني يحصلون على مساعدات إنسانية لخطر المجاعة وفقاً للأمم المتحدة.
ورغم أن جهود المجتمع الدولي نجحت في إيقاف المعركة بعد انطلاقها بأيام في يونيو الماضي لكن الإمارات أوقدتها من جديد بعد رفض وفد الحوثيين السفر إلى جنيف لحضور جولة هي الرابعة من الحوار السياسي يوم السادس من سبتمبر الماضي، وكان المبرر الضغط على المليشيا الحوثية المدعومة من إيران للخضوع للحوار.
هذا التردد الإماراتي في إدارة المعركة فتح جرحاً غائراً في أشد المناطق اليمنية فقراً فلا هي حسمت المعركة العسكرية سريعاً بما يقلل من الأضرار التي يتجرعها المدنيون ولا هي استجابت للقوى الدولية في إيقاف المعركة.
- ثمنٌ يتجرعه المدنيون
استمرار المعركة بوتيرة متقلبة تسبب بتشريد قرابة 470 ألف شخص من الحديدة منذ أوائل يونيو الماضي وفقاً للمجلس الدنماركي الذي أوضح أن 22 مليون شخص (75% من السكان) بحاجة إلى مساعدات إنسانية، و17.8 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و 8.4 مليون شخص لا يعرفون من أين يمكنهم الحصول على الوجبة التالية.
ووفقاً للمجلس فإن عديد من المنشئات المدنية والمدنيين تعرضوا للضربات الجوية التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي بما في ذلك المدارس والمستشفيات مما خلف ضحايا من المدنيين.
بدوره تعرض أحد مستودعات برنامج الغذاء العالمي في الحديدة والذي يستع لطعام يكفي أكثر من 19 ألف شخص لقصف بقذيفة هاون من جهة مجهولة (تبادل طرفا الحرب الاتهامات فيما بينهما).
- الحرب على الجوع
وذكّر المتحدث باسم برنامج الغذاء أن الوضع الأمني في الحديدة يتدهور بسرعة ويهدد المساعدات الإنسانية في المدينة والمناطق المحيطة بها، لافتاً إلى تقديم مساعدات غذائية لنحو 700 ألف شخص من بين 900 ألف هم الأكثر تعرضا للمخاطر في المحافظة.
وفي السابع من أكتوبر الجاري اتهمت الحكومة اليمنية الحوثيين باحتجاز عشر سفن نفطية وتجارية في ميناء الحديدة بعضها محتجز منذ 6 أشهر وفقاً لتصريحات لوزير الإدارة المحلية رئيس اللجنة العليا الإغاثة عبدالرقيب فتح.
وفي جلسة لمجلس الأمن الدولي أعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك أن الأمم المتحدة خسرت الحرب أمام الجوع في اليمن.
- أهمية جيوسياسية
أمام هذا الوضع الإنساني الخطير لا زالت دولة الإمارات تصر على الاستمرار في تلكؤها وتباطؤها في حسم هذه المعركة.
يقول المحلل السياسي اليمني وديع عطا إن "الإمارات لا تبالي بالآثار الكارثية لسياستها العسكرية في الحديدة، فقد أعلنت عن عمليتين عسكريتين تحت عنوان (عملية واسعة لتحرير الحديدة) وينتج عن ذلك مضاعفة المعاناة الإنسانية للناس وارتفاع أعداد النازحين ومع الأسف لا أحد يبدو مبالياً بما يعانيه حوالي 2 مليون نسمة متأثرين بشكلٍ مباشر من حماقات التحالف المنفوش".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أكّد عطا أن "تحرير الحديدة له أهمية استراتيجية لدى الإمارات نظراً لأهميتها الجيوسياسية، فالسيطرة على الحديدة المحافظة يعني السيطرة على شريط ساحلي يمتد مسافة لا تقل عن 300 كلم من اللحية شمالاً إلى الخوخة جنوباً ويعني السيطرة على خاصرة الساحل الشرقي للبحر الأحمر والاقتراب من باب المندب أحد أهم الممرات المائية في العالم".
- أجندات مكشوفة
وأضاف "للأسف أجندات التحالف السعودي الإماراتي تتكشفت مع الأيام وباتت الشكوك يقيناً يراه العالم فهاتان الدولتان (السعودية والإمارات) تمارسان أسوأ انتهازٍ تاريخي تتعرض له اليمن في تاريخها السياسي".
وأوضح المحلل السياسي اليمني أن "التباطؤ والتلكؤ في حسم معركة الحديدة يؤثر على معيشة الناس، حيث ترتفع الأسعار ومعها يصبح الناس عاجزين عن تأمين لقمة العيش لأطفالهم، يمرضون ولا يجدون متسعاً لمرضاهم بينما تعطي المليشيا الحوثية الأولوية لأتباعها وجرحاها، ولا أحد للأسف يعبأ بمعاناة الفقراء".
وزاد من تفاقم الوضع الإنساني انهيار قيمة العملة المحلية إلى مستويات قياسية حيث تتجاوز قيمة الدولار الواحد نحو 700 ريال يمني مقارنة بـ 215 ريالا قبل الحرب التي اندلعت قبل نحو ثلاث سنوات ونصف.
وأشار عطا إلى أن "الناس في القرى والمناطق والأحياء السكنية الواقعة في خطوط التماس في مدينة الحديدة وجنوبها يعانون بعيداً عن عدسات الإعلام، وخارج نطاق الاهتمام الإنساني من مختلف الأطراف".
ومن المتوقع أن تشتد المعارك حيث دفعت قوات التحالف بتعزيزات عسكرية جديدة قبل أيام إلى محيط مدينة الحديدة، استعداداً لاستئناف هجومها لتنضم إلى نحو 30 ألف مقاتل من حلفاء الحكومة الشرعية الذين حققوا تقدماً ميدانياً الشهر الماضي عند المدخل الشرقي لمدينة الحديدة.