سياسة وأمن » حروب

بعد تغيير واشنطن لهجتها.. هل اقتربت حرب اليمن من نهايتها؟

في 2018/11/01

إسماعيل عزام- DW- عربية-

واشنطن تغيّر استراتيجيتها في اليمن بطلبها وقفاً للقتال في أجل شهر. ما علاقة هذا الموقف بقضية جمال خاشقجي؟ وهل يمكن فعلاً إنهاء الحرب في زمن قصير؟ وهل يترجم الموقف الأمريكي اقتناعاً سعوديا أن الحرب لن تحسم عسكريا؟

لمّحت واشنطن أكثر من مرة إلى ضرورة إنهاء حرب اليمن، لكن هذه المرة جاء موقفها صريحاً بدعوة التحالف الذي تقوده السعودية بوقف ضرباته الجوية، مطالبة بإنهاء الحرب في أجل 30 يوما. هذا التطوّر الجديد الذي أعلنه كل من وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ووزير الخارجية مايك بومبيو يأتي في فترة الزوبعة الكبيرة التي خلّفها مقتل الصحافي جمال خاشفقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، ممّا جعل عدداً من وسائل الإعلام يربط بين الموقف الأمريكي الجديد وبين الضغط الكبير على واشنطن لأجل ردٍ صارم على الإدارة السعودية.

غيّر ترامب مضامين تصريحاته أكثر من مرة منذ اختفاء جمال خاشقجي قبل تأكيد مقتله، ففي البداية ظهر أنه يصدق الرواية السعودية الرسمية، قبل أن ينتقدها ويطالب بوضوح أكبر بالكشف عن المتورطين في هذه الجريمة الشنيعة. قد يعود سبب هذا التغيّر المستمر في التصريحات إلى الضغط الكبير الذي تعرّضت له إدارة ترامب، إثر اتهامها بمحاولة التستر على المسؤولين الكبار في قضية خاشقجي، لذلك حاول ترامب إبداء صرامة أكبر في ردوده الأخيرة. وقد يكون الموقف الأمريكي الجديد بخصوص حرب اليمن، واحداً من الإجراءات الممكنة التي أعلنت الإدارة الأمريكية دراستها بخصوص مقتل الصحافي.

ويقول محمد مصباح، باحث في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية، لـDW عربية، إن الموقف الأمريكي الجديد يحاول مسك العصا من الوسط في مسألة النزاع اليمني، وذلك حتى يستجيب ترامب للضغوط الداخلية في قضية خاشقجي. ويتحدث الباحث عن أن الموقف الجديد مرتبط بشكل غير مباشر بهذه القضية، ومن خلاله يرغب ترامب بامتصاص غضب النخبة الأمريكية لأجل أغراض سياسية، خاصة ما يتعلّق برهان الانتخابات الجزئية التي ستنظم قريباً بالولايات المتحدة.

سبب آخر التكلفة الإنسانية للحرب

ينسجم الموقف الأمريكي مع دعوات دولية بإنهاء النزاع الذي تسبّب في أسوأ كارثة إنسانية في الشرق الأوسط، إذ يعيش اليمن حالة من الانهيار وانعدام الخدمات الأساسية في ظل المواجهات المستمرة بين المتمرّدين الحوثيين الذين استولوا على السلطة، وبين القوات الحكومية ومن ورائها التحالف الذي تتزعمه السعودية. التكلفة الإنسانية للنزاع خطيرة، فقد حذر مارك لوكوك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، من أن اليمن قد يشهد مجاعة كبرى لم يُعرف لها مثيل منذ زمن طويل، متوقعاً أن يصل عدد المهددين بالمجاعة الى 14 مليوناً.

دفعت هذه التكلفة الإنسانية الباهظة للحرب بدول كثيرة حليفة للسعودية إلى إعلان مواقف مشابهة بضرورة إنهاء النزاع، وهو ما أعلنته فرنسا، على لسان وزيرة الجيوش فلورانس بارلي، رغم مبيعات الأسلحة التي تجمع باريس والرياض. وبدورها وجدت السعودية نفسها في مأزق كبير داخل اليمن، إذ كانت تراهن على انتصار سريع وفعال على الحوثيين، قبل أن تمتد الحرب وتدخلها عامها الثالث دون أن يظهر أيّ أفق لحسم الصراع عسكريا، وهو ما أشار إليه تقرير لمعهد كارنيغي للشرق الأوسط بالقول إن "لا أحد سينتصر في الحرب، وإن الحوثيين غير قادرين سواء على إلحاق الهزيمة بالقوات الجوية والبحرية القوية أو على حكم البلاد بكفاءة"، كما أن الحملة السعودية لإعادة منح الحكومة اليمنية نفوذا في جميع أنحاء البلاد مجرّد "أضغاث أحلام".

بيدَ أن محمد مصباح لا يرى أن التصريحات الأمريكية الجديدة جاءت بخلفيات إنسانية، بل هي تُجسّد اعتباراتٍ سياسية بالأساس، في تأكيد للسياسة البراغماتية التي ينهجها ترامب في علاقاته مع الخارج، فالأخير يضع المصالح الاقتصادية فوق كل أساس. وما يؤكد تصريحات مصباح أن الخارجية الأمريكية أعلنت قبل أسابيع أن "السعودية والإمارات تتخذان التدابير الوقائية اللازمة لحماية المدنيين والمناطق المأهولة خلال عملياتهما العسكرية في اليمن"، وذلك رداً على مقتل عشرات الأطفال اليمنيين في غارة جوية، وها هي الخارجية ذاتها تقول اليوم إن الغارات التي ينفذها التحالف في المناطق المأهولة "يجب أن تتوقف".

إنهاء الحرب.. هل يمكن ذلك؟

وفي الوقت الذي تطلب فيه واشنطن من التحالف العربي وقف الضربات الجوية، يتذكر المتابع الصفقات الضخمة للأسلحة التي وقعها ترامب مع الأمير محمد بن سلمان قبل أشهر، والتي وصلت إلى 12,5 مليار دولار، وهي الأسلحة التي يستخدم جزء كبير منها في حرب اليمن، ممّا يطرح تساؤلات حول حقيقة نوايا الإدارة الأمريكية من موقفها الجديد، لا سيما وأن ترامب مقتنع بحاجة السعودية إلى شراء السلاح الأمريكي لأجل ضمان أمنها، خاصة في وجه المتمردين الحوثيين.

كما كان واضحاً أن الولايات المتحدة وضعت شرطاً أساسياً لوقف التحالف غاراته الجوية، هو أن يبدأ الحوثيون بخطوة وقف "الأعمال العدائية"، حتى تتسنى عودة الجميع إلى طاولة المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة. يفتح وضع هذا الشرط المجال أمام سؤالٍ جوهري: لمَ لم تدع واشنطن التحالف العربي إلى أخذ الخطوة الأولى بوقف الغارات داخل اليمن؟

إنهاء الحرب على اليمن لا يمكن أن يتم إلّا بواحد من طريقين أساسيين وفق حديث محمد مصباح، الأول هو ممارسة واشنطن لضغوط حقيقية على الرياض حتى تنهي التدخل العسكري، ومن ذلك التهديد بوقف التسليح. أما الطريق الثاني هو انشغال السعودية والإمارات بشأنهما الداخلي، خاصة وأن السعودية تعيش أزمة اقتصادية صامتة زادت الحرب في اليمن من حجمها. ولا يستبعد المتحدث أن يكون الموقف الأمريكي مبنياً على معلومات بأن الحرب في اليمن طالت وتضاعفت تكلفتها ولم يعد مجدياً بالنسبة للأطراف المتورطة فيها الاستمرار.

غير أن حتى مع وقف التحالف لضرباته الجوية، يظهر طريق السلام عسيراً في اليمن بسبب التراشق اللفظي الدائم، والمعارك المسلحة الدائمة بين قوات حكومة منصور هادي عبد ربه والمقاتلين الحوثيين، وسيجد المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، صعوبات كبيرة في إقناع الطرفين بالدخول في مفاوضات جادة شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تنسي اليمنيين فشل محادثات جنيف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، التي انتهت بالفشل حتى قبل الشروع فيها.