الخليج أونلاين-
منذ التدخل العسكري للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن، في أواخر مارس 2015، وهو يؤكّد التزامه بإعادة إعمار ما خلّفته وتخلّفه الحرب المستمرة هناك منذ ثلاث سنوات ونصف.
وبعد أقل من شهر على انطلاق عملية عاصفة الحزم (أبريل 2015)، أعلنت السعودية وحلفاؤها انتهاء العملية وتدشين عملية "إعادة الأمل"، التي كان يفترض أن تشهد أعمالاً عسكرية بوتيرة أقل؛ وتحمل طابعاً إغاثياً وإنسانياً موازياً بعد تحقق أهداف العملية الأولى، وفقاً لبيان التحالف.
وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أثناء زيارة لبريطانيا، في أغسطس 2015، تجاوز التزام بلاده بإعادة إعمار اليمن إلى تأكيده أن السعودية وشركاءها سيعملون أيضاً على تطوير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وبعد تحرير المقاومة الشعبية بدعم من التحالف عدن والمحافظات الجنوبية بدت الحاجة ملحّة لإعادة الإعمار، خصوصاً مع اندحار خطر الحوثيين عن أجزاء واسعة من البلاد.
تقديرات أولية للكلفة
واختلفت التقديرات حول كلفة إعادة الإعمار، خصوصاً في ظل استمرار العمل العسكري؛ حيث قدّرها خبراء بنحو 50 مليار دولار تشمل الخسائر المنظورة وغير المنظورة التي تكبّدها اليمن، إضافة إلى أهم متطلّبات التنمية خلال 5 أعوام، في حين يقدّر البنك الدولي الاحتياجات العاجلة لإعادة إعمار ما خلّفته الحرب بنحو 15 مليار دولار أمريكي.
وتتكرّر الدعوات اليمنية للتحالف للبدء ببرنامج إعادة الإعمار؛ حيث طالب وزير الخارجية اليمني السابق، عبد الملك المخلافي، في مارس 2016، بوضع آلية لتنفيذ قرارات القمة الخليجية لإعادة إعمار اليمن.
وفي فبراير 2017، كشف الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أن السعودية ستقدّم 8 مليار ات دولار للبدء في إعادة الإعمار، كما أنه أجرى لقاءات، أواخر العام الماضي، مع ولي العهد السعودي وعدد من المسؤولين الآخرين لبحث الملف ذاته.
دعوات وتوظيف
الدعوات والتطلّعات اليمنية بإعادة الإعمار تقابلها وعود وتصريحات مستمرة بإنشاء مشاريع جديدة؛ حيث أعلن السفير السعودي مؤخراً أن المملكة ستبني مطاراً دولياً في مأرب، وهو ما قوبل بتشكيك من قبل اليمنيين، الذين يتساءلون عن سبب إغلاق التحالف -والإمارات بالتحديد- مطار المكلا على سبيل المثال؛ رغم الحاجة الإنسانية الملحّة للمرضى والطلاب والمغتربين اليمنيين للخروج من وإلى البلاد.
ورغم وجود بعض المشاريع لتطبيع الوضع في المناطق المحرّرة، خصوصاً ما يرتبط بتهيئة المدراس والمستشفيات وبعض المقرات الحكومية للعمل، فإن إعادة الإعمار فعلياً وتعويض المتضررين لم تُنجز بعد.
ولم تفوّت الإمارات والسعودية فرصة ترميم تلك المشاريع لتوظّفها إعلامياً بشكل يفوق الموجود على الميدان، بل وحوّلتها لورقة تتحكّم من خلالها بكل شيء، فأقصت مكوّنات سياسية، وجعلت الحكومة الشرعية بلا فاعلية على الميدان.
كما أن تركيز المشاريع على مناطق لم تدُر فيها الحرب؛ كالمهرة وسقطرى، يكشف أجندة أطماع للتحالف، فالإمارات دخلت سقطرى من خلال بوابة إعادة إعمار ما خلّفه إعصار "تشيبالا"، ولم تقم بعملية إعمار شاملة للمناطق المحررة، لتتأكد أطماعها بمحاولة احتلال عسكري للأرخبيل.
أرقام تفوق الواقع
الأمر نفسه ينطبق على السعودية، التي وضع سفيرها في اليمن والمشرف العام على برنامج إعادة الإعمار برفقة الرئيس اليمني حجر الأساس لـ8 مشاريع في محافظة المهرة بتكلفة 133 مليون دولار، في خطوة تزامنت مع رفض أبناء المهرة وجود القوات السعودية فيها ومشروع أنبوبها النفطي.
وتتحدث الرياض عن تقديم 11 مليار دولار أمريكي خلال 3 سنوات من الحرب، شملت المساعدات الإنسانية، والمقيمين من الفريق الحكومي اليمني على أراضيها، والبنك المركزي اليمني.
في حين تقول الإمارات إن مساعداتها لليمن بلغت مليارين و560 مليون دولار، منذ بدء الحرب وحتى نوفمبر 2017؛ شملت مؤسسات التعليم، والصحة، والإسكان، والمنشآت الحكومية، والجيش اليمني، وفقاً لبيان صادر عن خارجيتها، وهي أرقام يشكّك بها مراقبون؛ لكون أثرها في الواقع ضعيفاً.
تهرّب وابتزاز
ويرى المحلل السياسي اليمني أحمد حميدان، أن "التحالف يتهرّب من إعادة الإعمار رغم أنه استحقاق التزم به".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" قال: "من خلال سياسات التحالف في المناطق المحرّرة يتضح أنه يتهرّب من هذا الاستحقاق، أو يربطه بشروطه في فرض أمر واقع يلبّي أطماعه".
وأضاف: "التزم التحالف للشرعية التي يحاول إضعافها وابتزازها بهذا الاستحقاق".
وأوضح حميدان أن "التحالف يدعم كيانات أخرى يلوّح بها كبديل، كما أنه يعمل على دعم مناطق هنا وهناك بشكل منفصل، وكلما تعدّدت الرؤوس استطاع التحالف شقّ الصف والتنصّل من التزاماته".
وتابع: "ما نراه اليوم بوضوح سياسة خبيثة تستهدف إضعاف الشرعية، ودعم مناطق بذاتها، وتقوية مراكز نفوذ وجرّها بعيداً عن الشرعية؛ ليتوه في شتات وصراع طويل، يجد من خلاله التحالف عذراً يمكّنه من عدم الإيفاء بالتزاماته".
امتصاص الغضب الجماهيري
واستدرك المحلل السياسي اليمني حديثه لـ"الخليج أونلاين" بالقول: إن "التحالف يطرح أن المناطق المحرّرة كعدن ومحيطها هي مناطق غير آمنة، ويشوبها الفساد، ما يبرر عدم الإعمار في بيئة كهذه، بينما يعلن عن مشاريع في مناطق أخرى كمأرب، وهي دعاية بهدف امتصاص الغضب الجماهيري الذي بدأ يتشكّل ضد التحالف"، متابعاً: "وحتى إن نُفّذ المشروع فلن يكون بالحجم المعلن عنه" .
واستدل حميدان بـ"المشاريع التي أقامتها الإمارات في مدارس لم تتضرر، حيث قامت بطلاء الجدران الخارجية، ورفعت لافتات (شكراً لإمارات الخير) بصفقات فساد التهمت مليارات دون أن ترمّم مدراس متضرّرة، وما زالت إلى اليوم بدون ترميم".
واختتم حميدان حديثه بالقول: "المعركة واضحة؛ التحالف يربط مسألة التحرير وإعادة الإعمار بضمانه للقوى التي ستسيطر على الأرض، ومن ثم ضمان تحقيق الأطماع السعودية والإماراتية".
ممارسات وأجندة
من جهته يقول الباحث الاقتصادي اليمني هشام البكيري: إن "ما يثبت حقيقة استخدام التحالف العربي لملف الإعمار مجرد "جزرة" أمام السلطات الشرعية، هو سيطرة التحالف على المشاريع الاقتصادية الحيوية والمطارات والمنافذ البرية والبحرية الرافد الرئيس للاقتصاد الوطني، والتي ستمكّن الدولة من إصلاح جزء كبير من البنية التحتية المدمّرة ودعم عملية إعادة الإعمار".
وأشار في حديثه لـ"لخليج أونلاين" إلى أن "هذا التناقض في الممارسات يؤكد عدم جدّية التحالف في البدء بإعادة الإعمار في المناطق المحرّرة، وأنه يستخدم الملف ورقة ضغط كبيرة لتنفيذ أجندته في السيطرة والاستحواذ على مراكز صناعة القرار للسطات الشرعية".
وأوضح البكيري أن "كل المؤشرات على أرض الواقع تدلّ على أن التحالف يؤجل ملف إعادة الإعمار إلى ما بعد انتهاء الحرب وتنفيذ أجندته السياسية والعسكرية والاقتصادية في اليمن".
ولفت إلى أن "الإمارات تريد الاستحواذ على الموانئ التجارية الهامة في اليمن، والسعودية تسعى لتأمين حدودها ومد أنبوب نفطي عبر الأراضي اليمنية إلى البحر العربي، وهذا يتطلّب منهما إحكام سيطرتهما على الأراضي التي سيمرّ فيها الأنبوب، وإعادة تشكيل الخريطة السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية اليمنية بما يلبّي أجندتهما".