سياسة وأمن » حروب

الذرّة من أجل السلام أم الحرب؟

في 2018/12/08

مركز كارنيغي للشرق الاوسط-
يقول مارك هيبز، في مقابلة معه، إنه في حين تعمل الرياض على بناء مفاعل نووي، تبقى مخاطر الانتشار محدودة في الوقت الراهن.

مارك هيبز باحث أول في برنامج السياسات النووية في مؤسسة كارنيغي، مقيم في ألمانيا. هو متخصص في التدقيق النووي والضمانات النووية، وسياسة التجارة النووية متعدّدة الأطراف، والتعاون النووي الدولي، وترتيبات حظر الانتشار. صدر له مؤخراً مقالٌ عبر الموقع الإلكتروني Arms Control Wonk حول الخطط السعودية لاستخدام الطاقة النووية ومعناها في مجال التدقيق النووي. وقد تطرّق في المقال إلى السبل التي تتيح للمملكة التحلي بالشفافية في برنامجها النووي واستيفاء موجباتها الدولية، في وقتٍ تسود مخاوفٌ من أن استئناف البرنامج النووي الإيراني قد يؤدّي إلى سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط. أجرت "ديوان" مقابلة مع هيبز في مطلع كانون الأول/ديسمبر الجاري للتحدث عن هذا الموضوع بصورة عامة.

مايكل يونغ: كتبتم مؤخراً مقالاً عن القرار الذي اتّخذته السعودية بتوسيع أبحاثها النووية بشكل كبير. ماهي الخطوات التي أقدمت عليها المملكة، وكيف يمكنها أن تُبدي شفافية في مجال الضمانات النووية؟

مارك هيبز: منذ العام 2016، يرعى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خططاً لنشر الطاقة النووية في إطار مشروع وطني طموح للتحديث في السعودية يُعرَف بـ"رؤية 2030". ومن هذا المنطلق، تعمل المملكة الآن على بناء مفاعلها النووي الأول، وهو عبارة عن منشأة بحثية صغيرة يُتوقَّع أن ينتهي بناؤها بحلول أواخر العام 2019. لاحقاً، تنوي السعودية بناء مفاعلات للطاقة النووية من أجل توليد الكهرباء.

السعودية طرفٌ في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي مُلزَمة بإحالة أنشطتها النووية للتدقيق فيها من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن بما أنه ليست للمملكة عملياً بنى تحتية نووية، فقد أعفتها الوكالة، حتى تاريخه، من عمليات التفتيش المتعلقة بالضمانات النووية. إلا أن هذا الوضع سيتبدّل بعد الانتهاء من بناء المفاعل الجديد: ففي العام المقبل سيتعيّن على السعودية أن تُصرِّح عن المفاعل للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن تخوض مفاوضات من أجل السماح للوكالة بإجراء عمليات تفتيش. إضافةً إلى ذلك، بإمكان الرياض أن تقتدي بمعظم البلدان التي تمتلك طاقة نووية وتُبرِم مايُعرَف بالبروتوكول الإضافي. من شأن ذلك أن يمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات إضافية عن الأنشطة النووية السعودية، بما يسهم في بناء الثقة بأن جميع موادّها النووية مصرَّح عنها وتُستخدَم لأغراض سلمية.

يونغ: لماذا تحتاج السعودية إلى مفاعل نووي، مادامت قادرة على الوصول إلى المواد الهيدروكربونية والطاقة الشمسية كمصادر للطاقة؟

هيبز: تنظر السعودية إلى الطاقة النووية ومصادر الطاقة القابلة للتجديد بأنها مصادر مكمِّلة لإنتاج التيار الكهربائي في المستقبل. وقد بادرت في العام 2010 إلى إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة بغية اعتماد هذه التكنولوجيات. تُنتج السعودية راهناً أكثر من 90 في المئة من احتياجاتها من التيار الكهربائي عبر حرق المواد الهيدروكربونية؛ وتسعى المملكة إلى خفض حصة هذه المواد إلى 50 في المئة بحلول العام 2032، واستبدال النفط والغاز بالطاقتين الشمسية والنووية وطاقة الرياح.

على النقيض من الطاقة النووية، الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هما مصدران متقطّعان لتوليد الطاقة. بإمكان مصانع الطاقة الحرارية، كما المصانع النووية، تحقيق الثبات والتوازن في شبكة التيار الكهربائي مستقبلاً في حال اعتمدت إلى حد كبير على مصادر الطاقة المتجددة، لكن التكنولوجيا النووية تمتلك خصائص استراتيجية أخرى لابد من أن الرياض تأخذها في الاعتبار في قراراتها. تهدف "رؤية 2030" إلى تطوير القاعدة التكنولوجية للاقتصاد السعودي وتنويعها، ويعتقد المسؤولون السعوديون أن التكنولوجيا النووية ستستمر في التطور على الصعيد العالمي. وربما ترى الرياض في الطاقة النووية عامل تحوّط في مواجهة خطر إجراءات الحظر التجاري التي قد تستهدف مستقبلاً الدول المنتِجة للنفط بدفعٍ من التغير المناخي، كما ترى في التكنولوجيا النووية عامل تحوّط في مواجهة أي تهديد بالأسلحة النووية يمكن أن تتعرض له المنطقة مستقبلاً. قد تنضم السعودية، في حال حيازتها على الطاقة النووية، إلى المجموعة المؤلَّفة من نحو 50 اقتصاداً متقدّماً، والتي تتحكّم بطريقة تشارُك التكنولوجيا والمواد والمعدات النووية وضمان أمنها.

بيد أن السعودية سوف تستغرق أكثر بكثير من خمسة عشر عاماً لإعادة قولبة قطاع الكهرباء، وقد طُرِحت تساؤلات حول ما إذا كانت إصلاحاتها الطموحة في طور التباطؤ. فمن أجل تسديد تكاليف هذه الخطط، تُعوِّل الرياض، منذ العام 2016، على خطة لطرح أسهم شركة النفط السعودية أرامكو في الاكتتاب العام، والتي قد تُقدَّر قيمتها بما يزيد عن تريليون دولار أميركي. إلا أنه تبيّن أنه من الصعب إتمام هذه العملية، وتَقرّر، في آب/أغسطس الماضي، إرجاؤها. وبعدما كان قد تم التوصل إلى اتفاق مالي مع المستثمرين اليابانيين لإنشاء أكبر مجمّع لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، داخل المملكة، وُضِع الاتفاق على الرف هذا الخريف، لأسباب تتعلق على مايبدو، في جزء منها، بالخلافات في صفوف النخبة الحاكمة في السعودية. كذلك خفّض السعوديون تطلّعاتهم في المشروع النووي: ففي حين أعربت مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، في العام 2016، عن نيتها تشييد ستة عشر مفاعلاً للطاقة النووية بحلول العام 2032، تُركّز راهناً على بناء وحدتَين، وربما اثنتَين إضافيتين لاحقاً، مع مهل زمنية مطّاطة لإنجاز الأعمال.

يونغ: هل ترون في الخطوة السعودية مؤشّراً على توسّع الانتشار النووي في الشرق الأوسط؟

هوبز: لايعني امتلاك السعودية طاقة نووية أنه سيكون هناك مزيدٌ من الانتشار النووي في المنطقة. غير أن الخطر المتبقّي سيزداد، لأن السعودية تبدو عالقة في شباك خصومة مريرة مع إيران، لذا ترى الرياض في الإمكانات النووية الحسّاسة التي تمتلكها طهران، تهديداً وجودياً. وليس التاريخ مطمئناً في هذا الصدد، نظراً إلى أن إيران والعراق وإسرائيل وسورية انخرطت جميعها في أنشطة نووية يمكن أن تُوجَّه، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، نحو تصنيع أسلحة نووية. هذا فضلاً عن أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية تمنح صراحةً الدول الموقّعة عليها حق الانسحاب منها لاعتبارات تتعلق بأمنها القومي. وهذا الواقع يُخيّم فوق التعهدات الاستفزازية التي أطلقها القادة السعوديون هذا العام والتي أشاروا فيها إلى أن الرياض سوف تحصل على أسلحة نووية في حال بادرت إيران إلى القيام بذلك أولاً.

بعد إيران، أصبحت الإمارات العربية المتحدة، في العام 2009، البلد الثاني في الخليج الذي يعمد إلى تطوير طاقة نووية. وقد أبرمت الإمارات، في إطار الشروط التي فُرِضَت عليها، بروتوكولاً إضافياً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها التزمت بعدم مزاولة أنشطة حسّاسة على أراضيها تندرج في إطار دورة الوقود النووي وتتعلق بالطاقة النووية والأسلحة النووية على السواء، أي أنشطة تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي. حالياً، ليست هناك خشيةٌ كبيرة من حيازة الإمارات أسلحة نووية. غير أن السعودية لاعبٌ أكبر بكثير وأشد طموحاً في المنطقة. قد يكون الخطر المتبقي بأن تساهم المملكة في الانتشار النووي صغيراً على ضوء إمكاناتها النووية الضئيلة، لكنه سيكون أكبر بالمقارنة مع الإمارات.

يونغ: هل يمكن أن يؤدّي انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، إلى تسهيل الانزلاق نحو الانتشار النووي؟

هيبز: حظي القرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة، أي الاتفاق النووي مع إيران، بدعم من السعودية التي أيّدت الرأي القائل بأن الخطة المذكورة لاتساهم على نحوٍ كافٍ في احتواء التطوير النووي الإيراني. ونظراً إلى أن السرديات السعودية لاتُصوّر إيران كدولة عادية بل كمعتدية متعنّتة تسعى إلى ضرب المصالح الاستراتيجية السعودية، سوف يزداد خطر الانتشار الذي تمثّله السعودية في حال ردّت إيران، في نهاية المطاف، على انهيار خطة العمل المشتركة الشاملة عبر استئناف الأنشطة النووية الحسّاسة والتسريع فيها. إذن، يقع على عاتق شركاء السعودية الأجانب في قطاع التكنولوجيا النووية السعي إلى الحد من ذلك الخطر عبر تشجيع المملكة على التحلّي بالشفافية وضبط النفس، فيما يأخذون أيضاً في الاعتبار المخاوف الأمنية التي تشغل الرياض. ربما تُعوِّل السعودية، حتى الآن، على المنافسة الاستراتيجية والتجارية بين بائعيها النوويين المحتملين كي تحصل على النفوذ اللازم للتفاوض على شروط أقل تقييداً في مجال حظر الانتشار النووي.

يونغ: كيف كان رد فعل الولايات المتحدة على إعلان السعودية عن نواياها؟

هيبز: الولايات المتحدة هي حليفة السعودية، وقد دعمت الخطط السعودية لتطوير الطاقة النووية. فالطرفان يتفاوضان للتوصّل إلى اتفاق ثنائي حول التعاون النووي السلمي، إنما لم تتم بعد إحالة مسوّدة اتفاق إلى الكونغرس الأميركي للموافقة عليها. وتتمثّل إحدى المسائل الأساسية المطروحة في ما إذا كان السعوديون سيوافقون رسمياً على الحد من أنشطتهم في دورة الوقود النووي.

وتتمثل الخلفية التي ينطلق منها هذا الأمر، في اتفاق تعاون نووي ثنائي أبرمته الولايات المتحدة مع الإمارات، وتعهّدَ الإماراتيون بموجبه بعدم تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة الوقود النووي على أراضيهم. ونصّ "بندٌ متّفق عليه" في النص على أن شروط الاتفاق سوف تُمثّل الحد الأدنى للمعايير في الاتفاقات التي قد تُبرمها الولايات المتحدة مستقبلاً في أماكن أخرى في الشرق الأوسط. حتى تاريخه، يبدو أن السعودية لم توافق على تلك الشروط. وعلى الأرجح أن واشنطن امتلكت، حتى الآن، تأثيراً أكبر على الإمارات من ذلك الذي تملكه على الرياض. قد يتبدّل الوضع، بيد أن الارتدادات السياسية التي يُثيرها مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في الولايات المتحدة سيدفع بالمشترعين الأميركيين، في العام 2019، إلى رفع مستوى التحدّي في وجه تصميم دونالد ترامب على تعزيز العلاقات الأميركية مع السعودية. وسوف يشتمل ذلك على اتخاذ إجراءات تجعل من الأصعب على الولايات المتحدة دعم تطوير الطاقة النووية في المملكة، ولاسيما إذا لم توافق الرياض على القيام بخطوات تذهب أبعد من النص الحرفي لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

ليست لدى مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة خططٌ لتطوير قدرات التخصيب وإعادة المعالجة. لكن في حال رفضت الرياض، على سبيل المبدأ، أن تُعلِّق أو تتخلّى برمجياً عن خيارها المستقبلي بتخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجته، ستُعبّر بذلك عن موقف مشابه للموقف الذي اتّخذته إيران اعتباراً من مطلع القرن الحادي والعشرين. ففي ذلك الوقت، زعمت إيران، لدى مواجهتها وصمة الخزي بعدما أكّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه لطالما خدعتها طهران بشأن نطاق أنشطتها النووية وحجمها، أنها ضحية ضغوط تمييزية تُمارَس عليها بتدبير من الولايات المتحدة. وناشدت حركة عدم الانحياز الدفاع عن "حقوق" الأفرقاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في مزاولة النطاق الكامل لأنشطة دورة الوقود النووي المرتبطة بالطاقة النووية.

أبعد من ذلك، من المستبعد إلى حد كبير أن تتشارك الدول التي تمتلك تكنولوجيا دورة الوقود النووي، معارفها الأكثر حساسية مع أي دولة أخرى، بما في ذلك السعودية، مايعني أن المسار لتطوير هذه التكنولوجيات داخلياً في السعودية قد يكون طويلاً جداً. وعلى ضوء ذلك، في حال اتخذت السعودية خطوات تذهب أبعد من التزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، دعماً للشفافية والتجارة النووية المسؤولة – من دون التخلي قانونياً عن التخصيب وإعادة المعالجة – فقد تقطع شوطاً كبيراً نحو الحدّ من خطر الانتشار المتبقّي الذي يطرحه برنامجها للطاقة النووية.