معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى-
"لا يجب اعتبار الاجتماع على أنه صداقة مزدهرة، حيث إن أبوظبي والإصلاح سيستمران في النظر إلى بعضهما البعض نظرة الشك ولأسباب وجيهة"..
هكذا قدم "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" خلاصة تحليلية لأبعاد لقاء قادة حزب "الإصلاح" اليمني مؤخرا بولي عهد أبو ظبي "محمد بن زايد"، واتجاه العلاقة بينهما إلى ما يشبه التحالف، بعد سنوات من استهداف القوات المدعومة من أبوظبي للحزب ميدانيا داخل الأراضي اليمنية، لاسيما في الجنوب.
وجاء في تقرير المعهد، الذي أعدته المحللتان "باربارا ليف" و"إليانا ديلوزبي"، أن اتجاه "بن زايد" لتطبيع العلاقة مع الإصلاح لم يأت بمحض الصدفة، إذ جاء في الوقت الذي توجه فيه أعضاء يمثلون التحالف العربي إلى السويد، لحضور محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة.
فالتحالف يناور لبسط نفوذه في اليمن بمرحلة ما بعد الحرب، التي يبدو أنها اقتربت في ظل ضغوط الكونغرس الأمريكي على إدارة الرئيس "دونالد ترامب" عبر الاستعداد لسن قانون يفرض عليه وقف العمليات العسكرية باليمن، باستثناء وحيد يتعلق بمكافحة تنظيم "القاعدة".
مفاجأة مقصودة
وبحسب التقرير، فإن اتصال "بن زايد" بدا مفاجئا نظرا إلى نفوره القديم من جماعة "الإخوان المسلمون" وفروعها في المنطقة وهو ما تضاعف بعد ثورات الربيع العربي، لا سيما بعد وصول "الإخوان" إلى السلطة في مصر.
وتعتبر أبوظبي جماعة "الإخوان المسلمون" منظمة عابرة للحدود، يبعد أتباعها عن ولائهم الوطني وتوفر الأسس الأيديولوجية لأكثر الحركات الإسلامية عنفا في العالم، لكن التداعيات الإقليمية لنموذج "الإخوان" كانت أكثر تعقيدا على الصعيد العملي، خاصة في نسخته اليمنية، بحسب التقرير.
فحزب "الإصلاح" ليس مجرد فرع لـ"لإخوان"، بل هو تحالف متنوع من جماعات تشمل فرعا محليا للجماعة، إلى جانب رجال قبائل من شمال اليمن ورجال أعمال محافظين ومسلمين سلفيين، ما جعل تأثير الحزب عابرا للجانب الأيدولوجي ومتغلغلا في النسيج الاجتماعي اليمني بقوة.
وذكرت المحللتان أن الرياض وأبوظبي وجدتا نفسيهما، بعد احتدام الحرب اليمنية بعد عام 2015، مختلفتان حول العديد من القضايا والعلاقات الرئيسية، ما خلق ديناميكيات سياسية غير مريحة بينهما على الأرض.
منذ البداية، كان السعوديون على استعداد للعمل مع أحزاب إسلامية على غرار الإصلاح، لمحاربة خصمهم المشترك (الحوثيين) وتحقيق الاستقرار في شمال اليمن، لكن الإماراتيين ظلوا مترددين في القيام بذلك.
واعتمدت الإمارات إلى حدّ كبير على القادة والقبائل غير الإسلاميين في حربها ضد الفرع اليمني لتنظيم "القاعدة"، لكن هذه الفصائل نفسها تسعى الآن جاهدة إلى الانفصال، وهي نتيجة تعارضها مع السعودية، ما يعني أن مستقبل اليمن بمرحلة ما بعد الحرب قد يعني سجالا سعوديا إماراتيا إذا لم تؤمن أبوظبي جبهة الشمال اليمني.
وإزاء تعارض المصالح المتيقن، انتهجت الإمارات استراتيجية تدريجية وأكثر علنية لإقامة علاقات مع مجموعة كاملة من الجهات الفاعلة السياسية اليمنية، لا سيما في الجنوب، مع الإبقاء في الوقت نفسه على غموض استراتيجي حول مواضيع مثيرة للجدل، مثل موقفها من مطالب الانفصال.
اجتماع أبوظبي
ويشكّل الاجتماع العلني لـ"محمد بن زايد" مع قادة حزب "الإصلاح" الخطوة الأحدث في هذه الاستراتيجية، والتي جاءت بشرط أساسي واحد من جانب أبوظبي، هو إعلان "الإصلاح" قطع روابطه بجماعة "الإخوان المسلمون"، الأمر الذي أعلنته قيادات الحزب بالفعل.
وعلّق الحزب عضوية "توكل كرمان" الفائزة بجائزة نوبل للسلام، وهي شخصية بارزة مرتبطة بـ"الإخوان"، تعمل الآن بشكل رئيسي من تركيا، بعد أن أصدرت بيانات تنتقد فيها الإمارات والسعودية.
في هذا الإطار، جاء لقاء "بن زايد" لقيادات الحزب، ونشر صور الاجتماع على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، وإعلانه بأن الإمارات وافقت على انفصال "الإصلاح" عن "الإخوان"، وتعتبر الحزب "لاعبا مهما، إن لم يكن شريكا كليا، في اليمن".
لكن المحللتين نوهتا إلى أنه "لا يجب اعتبار الاجتماع على أنه صداقة مزدهرة، حيث إن أبوظبي والإصلاح سيستمران في النظر إلى بعضهما البعض نظرة الشك".
فالإماراتيون لم يغيروا حتما وجهات نظرهم الاستراتيجية حيال الإسلاميين السياسيين، ولا يزال "الإصلاح" بحاجة إلى قاعدته الدينية.
وبالنسبة للإمارات، فإن التفاهم مع "الإصلاح" يضمن نفوذه مع لاعب ربما يكون مناسبا في فترة ما بعد الحرب، وبالنسبة لـ"لإصلاح"، قد يبدو الادعاء العلني عن الانفصال عن "الإخوان المسلمون" مساومة عادلة في الوقت الراهن.
لكن على المدى الأطول، سيواجه الحزب صعوبة في الاستمرار من دون قاعدته الدينية، التي أتت بشكل رئيسي من جناحه التابع لجماعة "الإخوان"، ولذا وازنت قياداته بين إعلان عدم ارتباطها بالجماعة دوليا وبين تبني عبارات حذرة تتجنب بها فصل الحزب عن أي عناصر تشبه "الإخوان" داخل اليمن.
واختم تقرير "معهد واشنطن" بالإشارة إلى تحذيرات مراقبين من أن "حدة الصراع الأساسي بين هادي والحوثيين لن تتراجع إلا لتمهّد لاندلاع صراعات داخلية أخرى"، مشيرا إلى أن "من شأن مدى قدرة السعودية والإمارات على مواءمة مساعيهما الدبلوماسية، وتشكيل تحالف كبير من الأطراف السياسية اليمنية، أن يرسم معالم احتمالات تشكيل عملية انتقالية فعلية من الحرب الأهلية".