سياسة وأمن » حروب

ما الذي يُمكن أن يُغير لقاء أبوظبي وحزب الإصلاح في اليمن؟

في 2018/12/18

محمد شرف- البيت الخليجي-

ظلّ حزب “التجمع اليمني للإصلاح” على مدى سنوات الحرب تحت المجهر الإماراتي، مارست فيه أبوظبي على غريمها في حربها على جماعة أنصار الله (الحوثيين)؛ حملة شيطنة وإقصاء وصلت حدّ مُحاولة اجتثاثه في عداء تقليدي ومُلتبس؛ خيم عليه الشك وفقدان الثقة. ورغم حالة العداء المُستعر؛ تُقرر الإمارات – فجأة – فتح أبوابها لأول مرة أمام رئيس الحزب محمد اليدومي وأمينه العام عبد الوهاب الآنسي، ليظهر الرجلان جنباً إلى جنب في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت مع محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي.

فما هي أسباب هذا التقارب مع حزب يُعد في نظر أبوظبي محسوبًا فكرياً وتنظيمياً على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة إماراتيا؟ وهل يُبشر ذلك بمرحلة جديدة بين الطرفين ستشهدها الساحة اليمنية قريبا؟

لم يكن لقاء أبوظبي الأول ولن يكون الأخير؛ اجتمع الحُلفاء (الأعداء) في 13 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2017 في العاصمة السعودية الرياض، في أول لقاء جمع محمد بن زايد وقيادة حزب الإصلاح بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد نحو 9 أيام من مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح. مع ذلك ظلت العُلاقة محكومة بالخصومة ومُلبدة بالغيوم، لينتهي لقاء الرياض بانتكاسة، إثر تفجُر أحداث عدن 28 يناير/ كانون الثاني 2018، وقرار حزب الإصلاح القتال إلى جانب قوات الرئيس هادي ضد القوات الموالية لأبوظبي.

تحرير عدن: انقلاب أبوظبي على الإصلاح

ظهر العداء الإماراتي للحزب بعد اكتمال عملية تحرير محافظة عدن يوليو/ تموز 2015، من قبضة جماعة أنصار الله ومقاتلي الرئيس السابق علي صالح. بعدها كان الحزب الهدف الثاني على القائمة الإماراتية؛ بدأت الأخيرة حملة مُمنهجة ضد وجود الإصلاح في الجنوب؛ أقيل محافظ عدن نائف البكري المحسوب على الحزب بعد شهر ونيف من تعيينه، استجابة لضغوط إماراتية. 

عادت الخلافات إلى العلن بعد إقالة الرئيس هادي في 27 إبريل/نيسان 2017 اللواء عيدروس الزبيدي من منصبه كمحافظ لعدن، وإعفاء هاني بن بريك (قائد قوات حزام عدن الأمني الموالي للإمارات) من منصبه في الحكومة، نتيجة خلافات عميقة معهما؛ ما اعتبرته أبوظبي استهدافاً لها؛ كون الرجلين يُمثلان أذرعها الرئيسية في الجنوب. ما دفعها  إلى دعم تشكيل (المجلس الانتقالي الجنوبي) في مايو/ أيار 2017، برئاسة رجل ابن زايد الأول عيدروس الزبيدي، الذي استهل مُهمته بإعلان حظر أي نشاط للإصلاح والحوثيين بالجنوب في يوليو/ تموز 2017. واستمرارا في مسلسل تحجيم حزب الإصلاح؛ شكلت الإمارات مجموعات مسلحة تابعة لها في الجنوب (قوات الحزام الأمني بعدن، قوات النخبة الحضرمية، قوات النخبة الشبوانية، قوات النخبة المهرية).

شمالا؛ حرصت الإمارات على إعادة نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ من خلال مساعيها لإيجاد دور لأحمد علي نجل الرئيس صالح، ودعم العميد طارق صالح. وعملت على تغييب الحزب من معركة الساحل الغربي ومدينة الحديدة، التي حصرتها في قوات العمالقة السلفية والمقاومة التهامية وقوات طارق؛ فيما يبدو كهدف لإزاحة أي نفوذ للإصلاح  في الساحل الغربي والحديدة .

يضاف إلى كل ما تمت الإشارة إليه، إحجامها عن استكمال تحرير محافظة تعز ذات النفوذ الكبير للإصلاح؛خوفاً من أن يؤدي التحرير إلى وقوعها في يد الحزب؛ مُكتفية بدعم كتائب أبو العباس السلفية؛ رجل أبوظبي بالمحافظة.

الإصلاح: الانحناء للعاصفة

في المُقابل؛ أبدى الإصلاح مرونة ملحوظة تجاه النهج الإماراتي؛ التزمت قياداته الصمت تجاه الحملات الأمنية التي طالت كوادره وأعمال التخريب التي استهدفت مقراته؛ قابل الحملات التشهيرية للمكنة الإعلامية الإماراتية بكيل الشُكر والثناء على دور أبوظبي وتضحياتها؛ نفى أي ارتباط له بجماعة الإخوان المسلمين؛ تعامل بحزم مع أي أصوات تصدر من داخل الحزب مناوئة لسياسات التحالف وجمد عضوية صاحبة نوبل توكل كرمان، بسبب مواقفها المُعادية للسعودية والإمارات.

وفي خطوة غير مسبوقة؛ هاجم الحزب في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الدوحة، مُتهماً الأخيرة بدعم جماعة أنصار الله. وقبل كُل ذلك؛ أعلن رسمياً تأييده لعاصفة الحزم 26 مارس/آذار 2015، ودفع بكوادره للانخراط في العملية العسكرية للتحالف.

يبقى السؤال الأهم؛ ما هي دوافع أبوظبي لفتح أبوابها أمام الإصلاح بعد سنوات من العداء؟ دون شك؛ لم يكن اللقاء وليد لحظته؛ فقد جاء بإيعاز من الرياض ودفعت باتجاهه جُملة من التطورات اليمنية والدولية؛ أبرزها تداعيات مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخلا  لقُنصلية السعودية في اسطنبول أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وتصاعد الضغوط الدولية على التحالف السعودي – الإماراتي لوقف الحرب والدخول في مُفاوضات سياسية لإنهاء الصراع . (1)

كما يأتي في إطار تكتيك إماراتي جديد لتهيئة الإصلاح للعب دور قادم في الشمال ترسم ملامحه أبوظبي، في ظلم ساعي لترتيب مواقع وحسابات المرحلة القادمة. وبطبيعة الحال؛ فإن انحسار خيّاراتأبوظبي بعد خسارتها للرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ جعل من حزب الإصلاح (خير الشرور) بالنسبة لها؛ إيمانا بأن أي اختراق لمناطق نفوذ جماعة الحوثي في الشمال؛لن يتم إلا بركوب (بساط الإصلاح) خاصة مع صعوبة عملية إنعاش حزب المؤتمر الشعبي الذي يُعاني من التشرذم والضعف. وفشل طارق صالح في أول اختبار له بمعركة تحرير الحديدة .

هنا؛ كان لقاء المصلحة لرأب الصدع الداخلي للتحالف مع مساع أبوظبي فتح قنوات تواصل بين الإصلاح وقيادات مؤتمرية على رأسها أحمد علي نجل صالح المتواجد بأبوظبي لتوحيد الجهود ضد جماعة الحوثي؛ استعداداً لمرحلة ما بعد مفاوضات السويد، سلماً أو حرباً .

الإصلاح والجزرة الإماراتية

لكن؛ ماذا عن خيارات حزب الإصلاح أمام “الجزرة” الإماراتية؟ رغم فقدان الحزب للكثير من المكاسب جنوب البلاد؛ إلا أنه يحرص على عمل تسوية مع الإمارات تضمن له البقاء كأحد اللاعبين الأساسيين في الشمال؛ فهو لا يزال يمتلك العديد من الأوراق للتعامل مع سيناريو المرحلة القادمة؛ لديه قاعدة شعبية تمتد في شمال البلاد وجنوبها، يمتلك قوة لا يستهان بها من المقاتلين في صفوف المقاومة الشعبية وجيش الرئيس هادي ونفوذاً واسعًا داخل القبيلة؛ وأخيراً، يحتفظ – من خلال أجنحة له – بعلاقات مع الدوحة واسطنبول.

ووفقاً للمعطيات السابقة؛ يبدو السيناريو الأكثر احتمالاً هو قبول الحزب بالصفقة الإماراتية.

هل سيُشكل اللقاء تحولاً في الموقف الإماراتي نحو حزب الإصلاح؟ وهل سيؤسس لمرحلة جديدة بين الجانبين؟ من المُبكر الحديث عن انفراج حقيقي في العلاقة بين الطرفين بحُكم عداء أبوظبي التقليدي للحزب؛ فضلاً عن عُلاقة محكومة بالشك والتخوين وتفتقد لعُنصر الثقة. لكن على افتراض صدق هذا التقارب؛ يُشكل اللقاء خطوة مُهمة لإحداث اختراق في جدار العلاقة المتوترة بين الجانبين. كما يأتي رسالة إماراتية (ضمنية) للحوثيين مفادها أن تحالفًا إماراتيًا مع الإصلاح سيأتي، وأن ساحته هي شمال اليمن.

في الخلاصات؛ سيظل حزب التجمع اليمني للإصلاح تحت عين أبوظبي، في علاقة ستتكشف حقيقة تقاربها خلال أيام اليمن القادمة.

المراجع:

1- اجتماع الأعداء لا يعني السلام.. لماذا اجتمعت الإمارات مع قادة الإخوان المسلمين باليمن؟،عربي بوست،17 نوفمبر 2018