نيويورك تايمز- ترجمة شادي خليفة-
عندما تقلع طائرة حربية سعودية من طراز "إف-15" من قاعدة الملك "خالد" الجوية جنوب المملكة لقصف اليمن، لا تكون الطائرة والقنابل هي الأمريكية فقط.
يعمل الميكانيكيون الأمريكيون على صيانة الطائرة وتنفيذ أعمال الإصلاحات على الأرض.
ويقوم الفنيون الأمريكيون بتحديث برامج الاستهداف وغيرها من التقنيات المصنفة، والتي لا يُسمح للسعوديين بلمسها.
ومن المحتمل أن يكون الطيار قد تم تدريبه من قبل القوات الجوية الأمريكية.
وفي إحدى غرف عمليات الطيران في العاصمة الرياض، يجلس القادة السعوديون بالقرب من المسؤولين العسكريين الأمريكيين، الذين يقدمون معلومات استخباراتية ونصائح تكتيكية تهدف في الأساس إلى منع السعوديين من قتل المدنيين اليمنيين.
وتنتشر البصمات الأمريكية في جميع أنحاء الحرب الجوية في اليمن، حيث قتلت الهجمات الضالة، التي قام بها التحالف الذي تقوده السعودية، أكثر من 4 آلاف و600 مدني، وفقا لمجموعات المراقبة.
وفي واشنطن، أثار هذا العدد جدلا حول مخاطر تحالف أمريكا مع المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد "محمد بن سلمان"، الذي يعتمد على الدعم الأمريكي لإبقاء طائراته الحربية في الهواء.
وكانت السعودية قد دخلت الحرب عام 2015، في تحالف مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومجموعة من الفصائل اليمنية، بهدف الإطاحة بالحوثيين المتحالفين مع إيران من شمال اليمن.
وبعد مرور 3 أعوام، لم يحرزوا تقدما كبيرا، وقد لقي ما لا يقل عن 60 ألف يمني حتفهم في الحرب، وتقف البلاد على حافة مجاعة كارثية.
وبالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، أصبحت الحرب مستنقعا استراتيجيا وأخلاقيا.
ولقد أثارت التساؤلات حول السياسات الافتراضية لبيع الأسلحة القوية إلى الحليف السعودي الثري، والذي نادرا ما استخدمها حتى وقت قريب، وقد أثارت أسئلة حول التواطؤ في جرائم حرب محتملة.
وأثارت الخسائر في صفوف المدنيين معضلة مقلقة للولايات المتحدة حول كيفية الاستمرار في دعم السعودية دون التورط في تجاوزات الحرب.
ونفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ووزارة الخارجية الأمريكية معرفة ما إذا كانت القنابل الأمريكية قد تم استخدامها في الغارات الجوية الأكثر شراسة في الحرب، والتي ضربت حفلات الزفاف والمساجد والجنازات.
ومع ذلك، قال مسؤول رفيع سابق في وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة لديها حق الوصول إلى سجلات كل غارة جوية على اليمن منذ الأيام الأولى للحرب، بما في ذلك الطائرات الحربية والذخيرة المستخدمة.
تجاهل المشورة
وفي الوقت نفسه، غالبا ما كانت الجهود الأمريكية لتقديم النصيحة للسعوديين حول كيفية حماية المدنيين بلا فائدة.
وقال "توم مالينوسكي"، مساعد وزير الخارجية السابق والعضو الجديد في الكونغرس: "في النهاية، استنتجنا أنهم ليسوا على استعداد للاستماع، لقد أعطيناهم إحداثيات محددة من الأهداف التي لا ينبغي ضربها، واستمروا في ضربها. لقد أذهلني ذلك التجاهل المتعمد للمشورة التي كانوا يتلقونها".
ومع ذلك، استمر الدعم العسكري الأمريكي للغارات الجوية.
وبينما احتج المسؤولون الأمريكيون في كثير من الأحيان على وفيات المدنيين في الأماكن العامة، وقف رئيسان في نهاية المطاف إلى جانب السعوديين، وقد أعطى الرئيس "أوباما" الحرب موافقته لتهدئة الغضب السعودي على صفقة إيران النووية، واحتضن الرئيس "ترامب" ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وتفاخر بصفقات الأسلحة بمليارات الدولارات مع السعوديين.
ومع سقوط القنابل على اليمن، استمرت الولايات المتحدة في تدريب القوات الجوية الملكية السعودية.
وفي عام 2017، أعلن الجيش الأمريكي عن برنامج بقيمة 750 مليون دولار يركز على كيفية تنفيذ الضربات الجوية، بما في ذلك تجنب وقوع إصابات بين المدنيين.
وفي العام نفسه، أجاز الكونجرس بيع أكثر من 510 ملايين دولار من الذخائر الموجهة بدقة إلى المملكة، والتي كانت إدارة "أوباما" قد علقتها احتجاجا على سقوط ضحايا من المدنيين.
ويقوم ما يقرب من 100 من العسكريين الأمريكيين بتقديم المشورة أو المساعدة في جهود التحالف الحربية، على الرغم من أن أقل من 35 منهم يعملون داخل المملكة.
ولاقى الدعم الأمريكي للحرب أصواتا معادية هذا الخريف، عندما غضب الكونغرس بشأن مقتل الصحفي المعارض السعودي "جمال خاشقجي"، مع زيادة المخاوف حول مقتل المدنيين في اليمن.
وردا على ذلك، أنهت إدارة "ترامب" تزويد طائرات التحالف الحربية بالوقود فوق اليمن، في نوفمبر/تشرين الثاني، ولكنها استمرت في دعم الحرب.
وفي هذا الشهر، صوت مجلس الشيوخ على إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية للحرب بالكامل، وهو ما مثل توبيخا حادا لإدارة "ترامب"، لكن مشروع القانون لم يكن ذا أثر بعدما رفض مجلس النواب النظر فيه.
ولا تزال الخسائر في صفوف المدنيين ترتفع، ووفقا لمواقع تتابع الأحداث، كان شهر نوفمبر/تشرين الثاني أكثر الشهور عنفا في اليمن، وكانت هناك 3058 حالة وفاة مرتبطة بالحرب في هذا الشهر، بما في ذلك 80 مدنيا تم قتلهم في الغارات الجوية.
حسابات باهظة التكلفة
ولعقود من الزمن، باعت الولايات المتحدة ما قيمته عشرات المليارات من الدولارات من الأسلحة إلى السعودية بناء على فرضية غير معلنة، وهي أنه نادرا ما يتم استخدامها.
وحشد السعوديون ثالث أكبر أسطول في العالم من طائرات "إف -15"، بعد الولايات المتحدة و(إسرائيل)، لكن الطيارين السعوديين لم يجربوها تقريبا.
وكانت لدى الولايات المتحدة توقعات مماثلة لمبيعاتها من الأسلحة إلى دول الخليج العربي الأخرى.
وقال "أندرو ميلر"، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية: "كان هناك اعتقاد بأن هذه الدول لن ينتهي بها المطاف إلى استخدام هذه المعدات، وكنا نبيعها فقط وفق حسابات الأرباح".
ثم جاء الأمير "محمد بن سلمان"، وعندما أرسل الأمير، وزير الدفاع السعودي آنذاك، مقاتلاته إلى اليمن، في مارس/آذار 2015، كان مسؤولو البنتاغون مرعوبين بعد الحصول على إشعار قبل 48 ساعة من الضربات الأولى ضد المتمردين الحوثيين، على حد قول اثنين من كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين.
وقد اقتنع المسؤولون الأمريكيون بتأكيدات السعودية بأن الحملة سوف تنتهي خلال أسابيع، لكن مع تحول الأسابيع إلى أعوام، وتراجع احتمالات النصر، وجد الأمريكيون أنفسهم يدعمون حملة عسكرية كانت بمثابة مذبحة هائلة للمدنيين، كنتيجة كبيرة ومباشرة للغارات الجوية السعودية والإماراتية.
ولاحظ مسؤولون عسكريون أمريكيون تم إرسالهم إلى غرفة التحالف في الرياض أن الطيارين السعوديين قليلي الخبرة يقومون بالتحليق على ارتفاعات عالية لتجنب نيران العدو.
وقد قلل هذا التكتيك من الخطر على الطيارين، لكنه زاد من الخطر على المدنيين الذين تعرضوا لتفجيرات أقل دقة.
وقد أخطأ مخططو التحالف في تحديد أهدافهم، وهاجم طياروهم في أوقات غير مناسبة، حيث دمروا مركبة أثناء مرورها في بازار مزدحم، على سبيل المثال، بدلا من الانتظار حتى تصل إلى طريق مفتوح.
وتجاهل الائتلاف بشكل روتيني قائمة حظر الاستهداف، التي وضعتها القيادة المركزية الأمريكية والأمم المتحدة، للمستشفيات والمدارس وغيرها من الأماكن التي تجمع فيها المدنيون.
وفي بعض الأحيان، قام ضباط التحالف بتجاوز سلسلة القيادة الخاصة بهم، وفي إحدى الحالات، أمر مسؤول صغير بضربة مدمرة أدى إلى مقتل 155 شخصا في قاعة جنازة، خلافا لأمر صادر من ضابط أكبر، حسبما قال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية.
وقدم الأمريكيون المساعدة، ومولت وزارة الخارجية هيئة تحقيق لمراجعة الغارات الجوية الخاطئة واقتراح إجراءات تصحيحية، وقام محامو البنتاغون بتدريب الضباط السعوديين على قوانين الحرب.
واقترح ضباط عسكريون وضع كاميرات على الطائرات الحربية السعودية والإماراتية لمعرفة كيف تجري الضربات، لكن التحالف رفض.
وفي يونيو/حزيران 2017، انتزع المسؤولون الأمريكيون وعودا جديدة بالضمانات، بما في ذلك قواعد اشتباك أكثر صرامة، وتوسيعا لقائمة حظر الاستهداف إلى نحو 33 ألف هدف، وهي القواعد التي سمحت لوزير الخارجية آنذاك، "ريكس تيلرسون"، بكسب التأييد في الكونغرس لبيع أكثر من 510 ملايين دولار من الذخائر الموجهة بدقة للمملكة.
لكن يبدو أن تلك الإجراءات لم تحدث سوى فارق بسيط، وبعد أكثر من عام بقليل، في أغسطس/آب 2018، قتلت غارة جوية للتحالف ما لا يقل عن 40 طفلا في حافلة مدرسية مكتظة في شمال اليمن.
ومع ذلك، أصر القادة الأمريكيون على أنهم بحاجة إلى الاستمرار في مساعدة التحالف السعودي.
ما تعرفه الولايات المتحدة
في شهر مارس/آذار، قام "بن سلمان" بزيارة إلى واشنطن، حيث تم تكريمه من قبل الرئيس "ترامب"، وبينما كان الزعيمان يجلسان في البيت الأبيض، كان "ترامب" يحمل رسما بيانيا يحتوي على صور فوتوغرافية للطائرات الحربية وأسلحة أخرى.
وقال "ترامب"، مشيرا إلى الرسم البياني: "3 مليارات دولار، 533 مليون دولار، 525 مليون دولار، هذا كالفول السوداني بالنسبة لك".. وضحك الأمير.
لكن في الكونغرس، كان المزاج مختلفا، وفي جلسة مارس/آذار، اتهم أعضاء مجلس الشيوخ البنتاغون بالتواطؤ في التفجيرات العشوائية لقوات التحالف، وضغطوا على قادته لبيان مدى ارتباط الولايات المتحدة مباشرة بالفظائع.
وقال الجنرال "جوزيف فوتيل"، قائد القيادة المركزية الأمريكية، إن الجيش الأمريكي لم يكن يعلم الكثير عن هذه الأمور، وقال إن الولايات المتحدة لم تتعقب ما إذا كانت طائرات التحالف التي قامت بتزويدها بالوقود هي التي نفذت الضربات الجوية التي قتلت مدنيين، ولم تعرف متى استخدموا قنابل أمريكية الصنع.
وفي مؤتمر صحفي تم عقده في القاهرة في أغسطس/آب، ردد مسؤول رفيع المستوى في الولايات المتحدة هذا التقييم.
لكن "لاري لويس"، المستشار في وزارة الخارجية في 2017، قال إن المعلومات كانت متاحة بسهولة من مرحلة مبكرة.
وقال إن ضباط الاتصال الأمريكيين، في مقر التحالف في الرياض، يمكنهم الوصول إلى قاعدة بيانات تفصل معلومات عن كل غارة جوية بما يشمل الطائرة والهدف والذخائر المستخدمة ووصفا موجزا للهجوم.
وقال إن المسؤولين الأمريكيين حصلوا مرارا وتكرارا عبر البريد الإلكتروني على نسخ من جداول البيانات تلك لعملهم الخاص.
وقال إن البيانات يمكن استخدامها بسهولة لتحديد دور الطائرات الحربية والقنابل الأمريكية في أي ضربة.
ولم ينكر الكابتن "بيل أوربان"، المتحدث باسم القيادة المركزية، وجود قاعدة البيانات، لكنه قال إن الضباط الأمريكيين استخدموا بيانات التحالف فقط لتنفيذ مهمتهم الأساسية، وهي تقديم المشورة بشأن الخسائر في صفوف المدنيين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية عن تهديدات الحوثيين والتنسيق في الجو لإعادة التزود بالوقود.
ويقول الخبراء القانونيون إن هذه المعلومات قد تكون مهمة، وداخل وزارة الخارجية، كانت هناك مخاوف قديمة بشأن المسؤولية القانونية المحتملة عن الدور الأمريكي في الحرب.
وفي أغسطس/آب، قررت هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن بعض الضربات الجوية للتحالف كانت على الأرجح جرائم حرب.
وبموجب القانون الأمريكي، يجب على عملاء الأسلحة الأمريكية اتباع قوانين النزاع المسلح، أو قد يتم حظر المبيعات المستقبلية، كما يقول "ريان غودمان"، المحامي السابق في وزارة الدفاع.
وقال "لويس" إن الضباط السعوديين كانوا يشعرون بالقلق أو الاضطراب بسبب الغارات الجوية التي تقتل المدنيين، ولكن لم يكن هناك جهد مؤسسي يذكر لإصلاح الأمر.
وقال إن فريق تقييم الحوادث المشترك، وهو الهيئة التي تم إنشاؤها للتحقيق في الهجمات الخاطئة، عمل بجد في البداية، لكن عندما تم الإعلان عن النتائج التي توصل إليها، قامت وزارة الخارجية السعودية بإزالة أي محتوى كان ينتقد إجراءات التحالف.
النفوذ
لا تزال العشوائية والإفلات من العقاب يميزان حملة الغارات الجوية التي يشنها التحالف، ونادرا ما يحدد التحالف الدولة التي تنفذ الغارة الجوية، رغم أن الغالبية العظمى منها سعودية وإماراتية، كما يقول المسؤولون.
وفي يوليو/تموز، أصدر الملك "سلمان" أمرا برفع "جميع العقوبات العسكرية والتأديبية" عن القوات السعودية التي تقاتل في اليمن، وهو عفو ظاهر عن جرائم حرب محتملة.
وخلال الصيف، عندما قصفت الطائرات الحربية الإماراتية ميناء "الحديدة" في البحر الأحمر، قام الجنرال "فوتيل"، ووزير الدفاع آنذاك "جيم ماتيس"، بإجراء ما لا يقل عن 10 مكالمات هاتفية أو مقابلات فيديو مع قادة إماراتيين وسعوديين، وحثهم على التحلي بضبط النفس.
وشارك "محمد بن زايد"، ولي عهد أبوظبي، والحاكم الفعلي لدولة الإمارات، في واحدة من مقابلات الفيديو تلك.
وبعيدا عن وقف جميع مبيعات الأسلحة، يقول المنتقدون إن الولايات المتحدة يمكنها الضغط على السعوديين من خلال تقليص مساعدتها للحرب الجوية.
ويعمل المئات من الميكانيكيين الأمريكيين، وغيرهم من المتخصصين في مجال الطيران، بموجب عقود وزارة الدفاع، وذلك لإبقاء الأسطول السعودي من طراز "إف-15" في الجو، وفي عام 2017، وقعت شركة "بوينغ" عقدا بقيمة 480 مليون دولار لإصلاح الأسطول.
ولكن بعد رحيل "ماتيس"، الذي استقال الأسبوع الماضي، سيخضع "باتريك شاناهان" القائم المنتظر بأعمال الوزارة للمزيد من التدقيق، وقد أمضى "شاناهان" أكثر من 3 عقود في "بوينغ"، الشركة المصنعة لـ "إف-15"، التي حصلت على مليارات أخرى من عقود الخدمات المربحة مع المملكة العربية السعودية.
وقال "دانييل بيمان"، الأستاذ في كلية الشؤون الخارجية بجامعة "جورجتاون"، إن سياسة أكثر قوة تجاه الضربات الجوية السعودية لن تكون مفيدة للمدنيين اليمنيين فحسب، بل ستساعد السعوديين أيضا.
وقال: "كانت هذه الحرب كارثة استراتيجية للسعوديين"، ولم تظهر الغارات الجوية أي علامة على هزيمة الحوثيين، أو حلفاء الحوثيين الأجانب، إيران، لكنهم بالعكس كسبوا الكثير من التعامل الأخرق مع الحرب من قبل السعودية.
وأضاف "بيمان: "يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها لتعزيز السلام والاستقرار في اليمن، وتحتاج إلى حماية حلفائها من أنفسهم".