جيمس دورسي - أوراسيا ريفيو- ترجمة شادي خليفة -
برهن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، بانسحاب القوات الأمريكية المعلن من سوريا وأفغانستان، على أن إصراره على أن "العالم مكان خطير" كان حقيقة مؤكدة.
وقد أكد انسحاب القوات، إلى جانب إعلان "ترامب" امتنانه لاستعداد المملكة العربية السعودية المزعوم لدفع فاتورة إعادة الإعمار في سوريا، افتقاره للاهتمامات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، باستثناء ملف إيران وعملية السلام الأفغانية المهتزة.
وكان امتناع الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" عن تقديم الدعم الكامل للقيادات العربية خلال الثورات الشعبية العربية عام 2011، التي أطاحت برؤساء تونس ومصر وليبيا واليمن، السبب الرئيسي في الشعور بالتهديد الذي سيطر على القادة في المنطقة منذ ذلك الحين.
والآن، تشعر السعودية والإمارات، بسبب تحركات "ترامب"، بأنه يتركهم في العراء حرفيا دون حماية.
ويمكن استخلاص استنتاج مماثل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، الذي يبدو أنه نجح في إقناع "ترامب" بتأجيل نشر خطته للسلام الإسرائيلي الفلسطيني إلى ما بعد انتخابات 9 أبريل/نيسان الإسرائيلية المبكرة؛ لأنها قد تكون أقل تفضيلا لـ (إسرائيل) من المتوقع.
وعلى الرغم من اعتراف "ترامب" بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، إلا أن الخطة تشير إلى أن المدينة ستكون عاصمة لكل من الدولتين اليهودية والفلسطينية.
ويؤكد انسحاب القوات، والتراجع عن خطة السلام، أسوأ مخاوف القادة في الشرق الأوسط، وخاصة في الخليج؛ حيث تتركهم الإدارة الأمريكية في العراء بدون حليف يمكن الاعتماد عليه، وبذلك سوف يتحركون لحماية مصالحهم دون قيد أو شرط، وليس لديهم من يستطيع أن يحل محل الولايات المتحدة بالكامل ليلجأون إليه كحام جديد.
تعميق الأزمة
وأدت استقالة وزير الدفاع الأمريكي "جيم ماتيس" إلى تعميق الأزمة بالنسبة لقادة دول الخليج.
ويعني رحيل "ماتيس" خسارة أحد المحاورين الرئيسيين في وزارة الدفاع، وهي جهة تتعامل معها دول الخليج بثقة، ويعني ذلك أيضا خسارة شخص بارز ينظر إلى الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط من منظور مقارب لوجهة النظر الخليجية.
وقال الباحث في شؤون الشرق الأوسط "حسين إيبيش" إن حقيقة استقالة "ماتيس" بسبب الخلافات السياسية مع الرئيس لا تبشر بالخير بالنسبة للاتجاهات المستقبلية في واشنطن من منطور دول الخليج العربية.
وقد أثبت "ترامب" أنه غير موثوق به، ويعد منحه إعفاءات لمشتري النفط الإيراني الرئيسيين، وكذلك للاستثمار الهندي في ميناء "تشابهار الإيراني"، الذي تنظر إليه السعودية والإمارات كتهديد لمصالحهم الجيوسياسية والاقتصادية، لطمة قاسية للحليفين الخليجيين رغم العقوبات على إيران.
وتعزز سوريا وأفغانستان حقيقة أن "ترامب" لا يمكن التنبؤ بأفعاله، ولا يمكن الاعتماد عليه.
ولدى القوى الثلاث الكبرى الأخرى في العالم، أوروبا وروسيا والصين، جوانب أفضل مما قد تقدمه الولايات المتحدة، لكنهم جميعا يفتقرون إلى القدرة على استبدال الولايات المتحدة بالكامل كحماة لقادة الخليج بالطريقة التي بدا أن "ترامب" يفعلها في بداية رئاسته.
ولدى السعودية والإمارات بالفعل خلافات جوهرية بشأن إيران مع القوى الثلاث التي تعارض العقوبات الأمريكية وترغب في إنقاذ الاتفاق النووي لعام 2015، الذي حد من البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية.
وعلى نحو مماثل، رفضت القوى العالمية الثلاث دعم المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية التي تقودها السعودية ضد دولة قطر، والتي دامت 18 شهرا، ودعت إلى حل سريع للأزمة.
علاوة على ذلك، تحرص روسيا على بيع الأسلحة إلى الخليج، وهي من بين أكبر البائعين في العالم، وتستغل الفراغات التي أوجدتها السياسة الأمريكية، وتستثمر في تمكين دول الخليج من التلاعب بإنتاج وأسعار النفط العالمية، ولكنها ليست حريصة على وراثة مظلة الدفاع الأمريكية للمنطقة.
وقالت خبيرة الطاقة "لي تشين سيم": "لا يعد الخليج محورا رئيسيا للسياسة الخارجية الروسية. ولا أرى أن الروس ينظرون للاستفادة من المشاكل بين السعوديين والأمريكيين للقيام بدور أمني أكبر".
وكانت "سيم" تشير إلى لوم الكونغرس الأمريكي لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" على مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، وإدانة السلوك السعودي في الحرب في اليمن.
وعلى نفس المنوال، لا تملك الصين القدرة ولا الرغبة في استبدال الولايات المتحدة في الخليج، بل على العكس، فضلت الصين أن تستفيد من الحماية الإقليمية الأمريكية، الأمر الذي أثار التأكيدات الأمريكية بأن الصينيين كانوا من الركاب المجانيين المستفيدين من المظلة الأمنية الأمريكية دون مقابل.
وكما هو واضح في جميع أنحاء منطقة أوراسيا، في المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية للصين ومبادرة "حزام واحد، طريق واحد" المدفوعة بالطاقة، لا يأتي الدعم الصيني بدون قيود، وينطبق الشيء نفسه على أوروبا.
وعلاوة على ذلك، تمثل حملة القمع الوحشية التي ترتكبها الصين ضد المسلمين "الإيغور"، والتي تتوسع لتشمل جماعات إسلامية أخرى في البلاد، بقعة سوداء محتملة في العلاقات بين الصين والخليج.
وينعكس تأثير عدم اليقين السعودي والإماراتي، مع عدم وجود قوة عالمية واحدة متاحة لتلبية جميع احتياجاتهم، في الجهود الواضحة لإعادة بناء الجسور مع الرئيس السوري "بشار الأسد"، بعد أن كانوا خصوما ألداء في الحرب الأهلية السورية.
وكانت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السوداني "عمر البشير" إلى دمشق، وهي أول زيارة يقوم بها زعيم عربي منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها بداية ذوبان الجليد في العلاقات العربية السورية.
وقد التقى "علي مملوك"، رئيس المخابرات الجوية السورية، المقرب من "الأسد"، في القاهرة، بعد أيام، مع رئيس المخابرات المصرية "عباس كامل".
عدم اليقين
وأعلنت الإمارات، مؤخرا، فتح سفارتها في دمشق، بعد أن كانت خالية منذ أن قطعت دول الخليج العلاقات مع سوريا في وقت مبكر من الحرب هناك.
وإضافة إلى عدم يقين قادة الخليج، ترك "ترامب" العديد من التخمينات مطروحة عندما شكر السعودية على "تويتر"، لموافقتها على "إنفاق الأموال اللازمة للمساعدة في إعادة بناء سوريا بدلا من الولايات المتحدة".
ومع امتناع السعودية عن التعليق، لم يكن من الواضح ما الذي كان "ترامب" يشير إليه.
وكانت المملكة، في أكتوبر/تشرين الأول، في أعقاب مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، قد أرسلت 100 مليون دولار أمريكي للمساعدة في استقرار أجزاء من سوريا.
لكن الفراغ الذي خلقه "ترامب" يخاطر بتعزيز المزيد من التحركات المستقلة من قبل دول الخليج مع عواقب فوضوية محتملة.
وقد أكد زميل مقرب من الرئيس التونسي "الباجي قائد السبسي"، في وقت سابق من هذا العام، أن الإمارات قدمت مساعدات مالية لتونس مشروطة بخضوع "السبسي" لسياسات الإمارات، مثل "عبد الفتاح السيسي" الذي فرض نظاما استبداديا وحشيا بعد أن استولى على البلاد عام 2013 في انقلاب عسكري أطاح فيه بـ "محمد مرسي"، الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر الحديث.
وقد تعهدت المملكة هذا الشهر بتقديم 830 مليون دولار من المساعدات إلى تونس، في أعقاب زيارة مثيرة للجدل قام بها "بن سلمان" الشهر الماضي كجزء من جولة تهدف إلى إظهار أن موقفه لا يزال قويا رغم تبعات مقتل "خاشقجي".
وكان "ترامب" قد وصف العالم بأنه مكان خطير، في معرض نفيه للادعاءات بأن "بن سلمان" قد يكون مسؤولا عن قتل "خاشقجي".
ومن المرجح أن يشارك قادة الخليج "ترامب" ذلك التصور مع رغبة الرئيس على ما يبدو في أخذ مصالحهم في الاعتبار بشكل كامل.