باربارا أ. ليف و إيلانا ديلوزيي- معهد واشنطن-
لا تزال الآمال كبيرة بشأن عملية السلام الجارية حالياً بين الحكومة اليمنية والحوثيين، ويعود ذلك إلى حد كبير لأن المبعوث الخاص المعيّن من قبل الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، وضع لها توقعات منخفضة في البداية. وفي هذا الصدد، وصف غريفيث على نحو خاص الاجتماعات التي أُطلقت في كانون الأول/ ديسمبر بـ "مشاورات" لبناء الثقة وليس بمحادثات سلام. وأحرزت معايرته الواقعية تقدماً بطيئاً مصحوباً ببعض التعثر، ولكنّها أدّت أيضاً إلى أوّل جهد ناجح للجمع بين الطرفين منذ انهيار المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة في آب/ أغسطس 2016.
إلا أنّ هدفه - مفاوضات سلام نهائية تضع الأساس لتسوية سياسية دائمة للحرب الأهلية الكارثية التي دامت أربع سنوات في اليمن - من غير المرجح أن يفي بالهدف الأسمى الذي أدى إلى تدخل السعودية والإمارات في المقام الأول، وهو وضع حدّ للنفوذ الإيراني في اليمن. إذ يتطلب حل هذه المسألة التوصل إلى تسوية سلمية تعيد توجيه الحوثيين نحو ترتيب مختلف كلياً مع جارهم السعودي. وقد تعمقت العلاقة الحوثية - الإيرانية بشكل مطرد طوال فترة الحرب، لكنها ضعيفة أمام الانتكاسات - كما تُبيّن إشارات الحوثيين المرحلية إلى الرياض. وتتمتع الرياض بنفوذ لتقويض مشروع طهران في اليمن.
نحن الإثنتان، تأتيان إلى هذه المجموعة من الاستنتاجات في أعقاب فترة من الخبرة العميقة في المنطقة. فإحدانا كانت سفيرةً الولايات المتحدة في الإمارات في الفترة 2014 - 2018 وقبل ذلك كانت نائبةً لمساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شبه الجزيرة العربية، حيث كرست وقتاً كبيراً للسياسة في اليمن. أما الأخرى، فقد تابعت شؤون اليمن كمحللة سياسية لمدة اثني عشر عاماً، من بينها سبع سنوات قضتها في الشرق الأوسط وأربع سنوات في "مكتب مكافحة الإرهاب التابع لإدارة شرطة مدينة نيويورك". إن خبرتنا الحكومية من خلال العمل مع الرياض وأبو ظبي من جهة، والتحدث مع الناس الذين يعرفون الحوثيين جيداً من جهة أخرى، تعزز إيماننا بأن الوقت قد حان لأن تعمِل السعودية على تعميق المحادثات مع الحوثيين عبر القنوات الخلفية، بالتوازي مع المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة ودعماً لها، ولكن منفصلة عنها.
ما الذي يريده السعوديون
بينما كان قرار السعودية بالتدخل في اليمن عام 2015 قد جاء ظاهرياً استجابة لنداء من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إلّا أن الرياض أوضحت منذ البداية أن هدفها الرئيسي هو إفساد العلاقة المزدهرة بين الحوثيين وطهران. ولم يتم تعزيز فرديّة هذه القضية بالنسبة للسعودية إلا من خلال قيام إيران بنقل تكنولوجيا الصواريخ المتقدمة والتدريب إلى الحوثيين، مما مكّن الجماعة المتمردة من الضرب في عمق الأراضي السعودية وتهديد الشحن الدولي في باب المندب. وبعد أربع سنوات من اندلاع الحرب، يبقى هدف السعودية الاستراتيجي الأسمى دون تغيير، وهو: إنهاء طموحات إيران الهادفة إلى إنشاء الوكلاء في اليمن وبالتالي تقليل التهديد على الوطن السعودي. فالمحادثات الجدية والمباشرة مع الحوثيين هي أفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف.
ما الذي يريده الحوثيون
لا تزال الأهداف الاستراتيجية النهائية للحوثيين غامضة. فقد أخبرَنا أحد اليمنيين الشماليين، على دراية واسعة بالجماعة، قائلاً "لا أعرف في بعض الأحيان ما إذا كان الحوثيون أنفسهم يعرفون". ومع ذلك، فقد أشار الحوثيون منذ فترة طويلة وبشكل سرّي إلى اهتمامهم بالمحادثات المباشرة مع السعوديين، أكثر من اهتمامهم بالتفاعل مع حكومة هادي، حيث يدركون جيداً أنها ذات عمر نصفي سياسي محدود. وقد تمت محاولة إجراء اتصالات بين الحوثيين والسعوديين بشكل متقطّع طوال فترة النزاع، وإن كان ذلك دون نتائج دائمة.
عند تقييم ما يريده الحوثيون، من المهم أن نلاحظ أنّ "الحوثيين" لا يشكلون كتلة واحدة - فالكثير من الجماعات في اليمن التي تُعتبر مؤيدة للحوثيين و/ أو مؤيدة لـ «أنصار الله» (الكيان السياسي لعائلة الحوثي) يتم تعريفها بدقة أكثر على أنها معادية للسعودية في هذه المرحلة من الصراع. وحتى في جوهرهم الإيديولوجي، ينتمي أفراد عائلة الحوثي نفسها، وكذلك جماعة «أنصار الله»، إلى طيف بين معسكرات أكثر اعتدالاً وأكثر تشدداً. وقد أخبرنا باحث في شؤون اليمن المطّلع على الحوثيين جيداً أن المعتدلين يؤيدون إسقاط صرخة الحوثيين المتمثلة بـ "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". ويقال إن المتشددين يعتبرون "الصرخة" بمثابة صيحة استنفار فعالة وأصبحوا تحت سيطرة الإيديولوجية الثورية الإيرانية بشكل متزايد. لذا، فإن أي جهد جدي ومتواصل في المحادثات بين السعودية والحوثيين قد يوفر فرصة لتهميش العناصر المتشددة. فالدبلوماسية لها أسلوبها في تهميش الأطراف بالطريقة نفسها التي تعتمدها الحرب لتشجيعها.
وهذا الفصيل نفسه يجعل مهمة التوصل إلى قائمة شاملة بمطالب الحوثيين قضية صعبة - ولكن ليست مستحيلة. إن القراءة المتأنية لخطاب الحوثيين وتاريخهم، ومعرفة مطالبهم السابقة على النحو المنصوص عليه في العديد من الوثائق السياسية، بما فيها نتائج الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية، وكذلك المحادثات الخاصة على مدى أشهر مع مجموعة من الناس لديهم اتصال وثيق مع الجماعة وعائلة [الحوثي]، قد سمح لنا بتوضيح المخاوف الأساسية المحتملة للحوثيين في أي محادثات سعودية - حوثية.
الاعتراف
يريد الحوثيون اعترافاً بدورهم الملحوظ في الحيّز السياسي والديني في اليمن وبأنهم سيظلون يلعبون هذا الدور. ففي محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة، من المرجح أن يشير الحوثيون إلى جماعة «أنصار الله» باعتبارها حركة وطنية غير طائفية لها مطالب تعود إلى نتائج "الحوار الوطني"، وتحديداً تمثيل رفيع المستوى في الحكومة الانتقالية بعد انتهاء الصراع وحرية الدين. وفي المحادثات مع الرياض، قد يسعون أيضاً، على أقل تقدير، إلى إنهاء السلفية التي تموّلها السعودية في شمال اليمن، والتي بدأت في السبعينيات وأصبحت مصدراً للاحتكاك المتصاعد والنزاع المسلح في نهاية المطاف خلال العقد الأول من القرن الحالي. وباعتبارها عائلة بارزة لها تاريخ طويل في الدراسات الدينية التي تدّعي أن نسبها يعود إلى النبي محمد، شاركت عائلة الحوثي بنشاط في حركة النهضة الزيدية التي تطورت رداً على هذا التوغل السلفي. فالزيدية هي طائفة شيعية صغيرة من الإسلام - تختلف اختلافاً كبيراً عن الشيعة المتبعة في إيران - وتسكن في الغالب في المرتفعات الشمالية من اليمن. وفي هذا الإطار، أعرب حسين الحوثي، الابن الأكثر صراحةً من عائلة الحوثي، عن الخوف من إبادة الزيديين وثار ضد التدخل الأمريكي وغيره من التدخلات الأجنبية قبل أن يُقتل على يد الجيش اليمني في عام 2004. وفي الوقت الحاضر، تقوم الأسرة، التي أحْيَت الزيدية ذات يوم، بتسويق نفسها كحركة وطنية وتتجنب استخدام أي أسلوب قد ينبذ حلفائها غير الزيديين. وهكذا ستهيمن دعوات الحصول على الاعتراف السياسي، ومن المرجح أن تُصاغ أي دعوة للاعتراف الديني بلغة الحرية الدينية ومبدأ عدم التدخل للجميع.
السلامة الإقليمية والضمانات الأمنية
أدّت ست حروب في صعدة ضد حكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح بين عامَي 2004 و2010 - مع انضمام الرياض في عام 2009 - إلى تعميق ترسيخ الحوثيين على الأمن الإقليمي وسلامة الأراضي الوطنية. فمن المحتمل أن يكون السعوديون والحوثيون متباعدين تماماً عمّا يعتبرونه المجال الحوثي. وبغض النظر عن ذلك، فمن المرجح أن تصرّ الرياض على أن ينزع الحوثيون سلاحهم بالكامل، بينما سيصر الحوثيون بالتأكيد على الاحتفاظ بالأسلحة للدفاع عن أنفسهم. فالانتقام، في النهاية، سيكون دافعاً قوياً في مرحلة ما بعد الصراع بالنسبة للمجتمع القَبَلي في اليمن، ولدى الحوثيين الكثير لتوضيحه في نظر الموالين لصالح، من بين آخرين. كما سيظلون هدفاً لتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وكجزء من دعوتهم لـ "الشراكة الوطنية"، سيطلب الحوثيون أيضاً دمج قواتهم في الجيش الوطني. ولعلّ الأهم من ذلك هو أنّ الحوثيين سيطالبون بضمانات أمنية تقضي بعدم عبور القوات السعودية للحدود وانخراطها عسكرياً من جديد - عندما يحوّل العالم انتباهه عن اليمن.
الاستقلال الاقتصادي/الاعتماد المتبادل
في الوقت الذي تضررت فيه اليمن الشمالية بشكل خاص من جراء الغارات الجوية التي وجهها التحالف، فستكون مسألة المساعدات السعودية لإعادة الإعمار قضية حساسة. وقد لمّح أحد المتخصصين في اليمن إلينا، أنّ "بعض الناس في المنطقة لن ' يأكلوا اللحوم ' من أيدي السعودية مهما كانوا يائسين". فالحصول على مساعدة حاسمة في مجال إعادة الإعمار- حتى من أطراف ثالثة - كجزء من تسوية أكبر، سيهمّش دور طهران، التي خلاف ذلك ستتحرك لاستغلال هذه الحاجة. ويحتاج الحوثيون إلى شريان حياة اقتصادي لمنطقتهم الشمالية في مرحلة ما بعد الصراع، وهي حاجة يمكن معالجتها جزئياً من خلال زيادة التجارة الحدودية مع السعودية. كما أنّ لكلا الطرفين مصلحة في وقف التهريب والاتجار وغيرها من الآفات التي لطالما ابتليت بها محافظة صعدة الحوثية. وكما أخبرنا أحد الباحثين في شمال اليمن: "إنّ القبائل [الشمالية] متعبة، لكنها بحاجة إلى شيء للقيام به".
ضمانات عدم التدخل الأجنبي
تتعمّق الكراهية للتدخل الأجنبي في الكيان السياسي اليمني، ولا يشكّل الحوثيون استثناءً في هذا الصدد. والأهم من ذلك أنّ هذا العداء ينطبق بنفس القدر على إيران وعلى أعضاء التحالف الخليجي. فمن وجهة نظر الحوثيين، لم يقضوا سنوات في مكافحة السلفية ليصبحوا وكيلاً لمدرسة إسلامية بديلة لا تعترف بمؤسس الزيدية الإسلامية وتسعى إلى السيطرة عليهم. وقد أخبرَنا أحد المصادر الذي يقدم المشورة إلى «أنصار الله» أنّ الحوثيين "لن يكونوا دُمى في يد إيران". لقد أدارت السعودية احتياجاتها الأمنية في اليمن، بما في ذلك المناطق الحدودية الشمالية، لعقود من الزمن عبر التلاعب بالقبائل اليمنية. لكنّ الرياض تحوّلت على نحو متزايد نحو صنعاء بقيادة صالح في العقد الماضي، متجاهلة سخاء القبائل كأداة وخلقت فراغاً ينبع عنه انعدام الاستقرار في الشمال. ومن المرجح أن تهدف السعودية إلى اتباع نهج أكثر عملياً في اليمن في مرحلة ما بعد الصراع، الأمر الذي قد يراه الحوثيون مقبولاً، ولكن هذا أيضاً يشكّل مجالاً خصباً للدبلوماسية الخلاقة المباشرة التي ترتبط بالدعم الاقتصادي والترتيبات الأمنية في المناطق الحدودية، والاعتراف السياسي/ الديني.
ما الذي تريده إيران وما الذي توفره
كما هو الحال في الأجزاء المضطربة الأخرى من الشرق الأوسط العربي، حددت إيران فرصة مبكرة في اليمن - قبل الحرب الحالية بوقت طويل - واستغلتها بجرأة، بخلقها كابوساً للأمن القومي في الفناء الخلفي لعدوّها الإقليمي اللدود، المملكة العربية السعودية - وكل ذلك مقابل مبلغ زهيد.
وفي الوقت الذي تزايد فيه اهتمام إيران باليمن (لم يكن أبداً أولوية أمنية وطنية من الدرجة الأولى مثل العراق أو سوريا)، فإن ما تقدّمه طهران للحوثيين لا يزال محدوداً - وذلك إذا كان فعّالاً أصلاً - عندما يُقاس بالمصالح الأساسية للحوثيين. وتبقى قدرة طهران على زيادة مساعداتها غير العسكرية بصورة ملموسة محدودة بسبب المصاعب الاقتصادية التي تعاني منها إيران نتيجة العقوبات الأمريكية. فلا يمكن لطهران أن تعالج مسألة مساعي الحوثيين من أجل الحصول على الاعتراف، أو الأمن، أو العلاقات الحدودية المتزنة والتبادل التجاري المتزن مع السعودية.
وقد قال لنا من هُم على معرفة بالحوثيين إن قيادة «أنصار الله» قد تفكّر في كبح العلاقات مع إيران من أجل [التوصل إلى] ترتيب بديل، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّ منظورها للمساعدة ينطوي على قدر كبير من المعاملات. كما لا يبدو أن إيران تتحكم بسلطة صنع القرار التي يتمتع بها الحوثيون. فقد لاحظ المراقبون الذين تحدثنا إليهم أن عبد الملك الحوثي وقادته العسكريين غالباً ما يتجاهلون نصيحة إيران. فعلى سبيل المثال، تحرّك الحوثيون للاستيلاء على صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014 رغم توصيات طهران المناهضة لذلك. ويشار إلى إن كراهية الحوثيين للتدخل الأجنبي تحدّ من عمق العلاقات الخارجية أيضاً. وقد صدّت القيادة الحوثية بعض الانتقادات من حين لآخر عندما بدا وكأن طهران تتجاوز سلطتها، وأدانت بقسوة تصريح مسؤول عسكري إيراني في عام 2016 عندما أشار إلى أنّ إيران قد تمتلك قاعدة بحرية في اليمن، وكذلك تعليق أدلى به أحد الأعضاء في "المجلس" الإيراني عام 2014 ومفاده بأنّ صنعاء أصبحت العاصمة الإقليمية "الرابعة" تحت التأثير الإيراني. وفيما يتعلق بالمسألة الثانية، وصف الحوثيون التعليق بأنّه "كان استفزازياً بالنسبة إلينا كما هو بالنسبة إلى دول الخليج"، في مقابلة أُجريت عام 2016. باختصار، على الرغم من أنّه لا جدال في أن تعميق العلاقة كان نتيجة المساعدة العسكرية الإيرانية وطول مدة الصراع، تبقى هذه العلاقة تحالفاً قائماً على المصلحة بالنسبة إلى الحوثيين.
الاستراتيجية والأخطار
إن النظرة العالمية الراديكالية للحوثيين - الذين يعتبرون إسرائيل واليهود والولايات المتحدة بمثابة مزعزعين للاستقرار في المنطقة، وأعداء الإسلام والمتحكمين النهائيين بالأنظمة العربية - لن تتغير على الأرجح في أي وقت قريب. كما أن هذه الإيديولوجية السياسية هي التي تنشئ علاقة سياسية - وليست دينية - بينهم وبين إيران. ومع ذلك، يدرك جزء من أعضاء الحركة، ومن المحتمل أن تكون قيادتها على دراية بذلك أيضاً، أنّ التسوية السياسية مع الجار الكبير عبر الحدود تعود بفائدة على صعيد صمود المجتمع في النهاية أكثر بكثير من علاقة مع شريك نفعي، بعيداً بشكل طبيعي وغير قادر سوى على عرض القليل من الموارد غير العسكرية. وكما يميّز خبراء التطرف تمييزاً قاطعاً بين نزع التطرف (تغيير وجهة النظر العالمية) وفك الارتباط (تغيير السلوك)، فإن تغيير سلوك الحوثيين عن طريق مزيج قوي من الحوافز يشكّل هدفاً أكثر نجاحاً من تغيير نظرة الحوثيين للعالم.
ومع ذلك، يمكن إجراء محادثات جوهرية مباشرة مع معايير واضحة المعالم. ففي الواقع، نجحت مثل هذه المناورة الدبلوماسية في عام 2016 عندما تحدّث مسؤولو الاستخبارات السعودية مع الحوثيين بشكل مباشر ووافقوا على وقف التصعيد. حتى أنّ الحوثيين ذهبوا إلى حد إدانة إيران من أجل إبرام الصفقة. وكان هذا الجهد فعّالاً لكن قصير الأمد. ويرتبط درسان من هذا المسعى الأخير ارتباطاً وثيقاً بإجراء محاولة أخرى: أولاً، لعب هادي دوراً هدّاماً في ذلك الوقت، بسبب عدم علمه بالمحادثات السعودية - الحوثية إلّا بعد حدوثها، حيث اعتبرها تهديداً لمنصبه. ثانياً، تم ربط الاتفاق بين السعودية والحوثيين في ذلك الوقت بالمحادثات الداخلية اليمنية التي قادتها الأمم المتحدة. وقد أدى انهيار تلك المحادثات إلى إفساد القناة السعودية الحوثية. إن توقّع مثل هذه المخاطر المحتملة سيكون أمراً أساسياً لتجنّب الوقوع فيها مرة أخرى. وفي هذا الصدد، علمنا من جهة اتصال تابعة للأمم المتحدة أنّ لجان التهدئة التي أنشئت عام 2016 لا تزال قائمة ويمكن إعادة تشغيلها في وقت قصير. وذلك من شأنه أن يشكّل بداية جيدة.
كان يجب على الرياض أن تكون قد تعلّمت بالفعل من جهود سابقة قصيرة الأمد، بأن لا تقلل من شأن مهارات التفاوض التي يتمتع بها الحوثيون. فغالباً ما يلاحظ المراقبون الأجانب افتقار الجماعة إلى البروز على الصعيد الدولي وقلة خبرتها الدبلوماسية، وقيادتها الشابة - لكن كان قد تم التقليل من شأن آل سعود بالطريقة نفسها من قبل الأطراف الخارجية في الأيام الأولى للدولة السعودية الحديثة. إن المقولة المتكررة بأنّ الحوثيين عديمي الخبرة سياسياً تفشل أيضاً في الأخذ في الإعتبار فهم الحركة الشديد لكيفية عمل السلطة في اليمن (بالإضافة إلى أي تعليم توفره إيران). وكونهم "سادة"، أو أشخاص من سلالة النبي محمد، يتحدّر الحوثيون من مجموعة طويلة من المحكمين في شمال اليمن. وبالتالي، يملكون تحت تصرفهم - إذا اختاروا ذلك - الأدوات الحسنة الإعداد للدبلوماسية اليمنية الشمالية، وهي: الوساطة والحوار والتسوية.
الضرورة الملحة لقناة خلفية مباشرة ومركزة
إن نجاح مارتن غريفيث في كانون الأول/ ديسمبر في نيل التزام الحوثيين وحكومة هادي والتحالف الذي تقوده السعودية بمجموعة من التدابير الأولية لبناء الثقة حظي بالترحيب من قبل المجتمع الدولي. ولكن هشاشة أعمال التعتيم التي تمت صياغتها بحذر وبصورة متعمّدة أصبحت واضحة على أرض الواقع. فعمل المبعوث الخاص للأمم المتحدة هو مجرد بداية، ولكن قيام نوع مختلف من تدابير بناء الثقة يشكّل أهميةً حاسمةً عند هذا المنعطف: قناة خلفية [اتصالات سرية] مباشرة ورفيعة المستوى بين الحوثيين والسعوديين لتعزيز عمل الأمم المتحدة. كما أن مناورة دبلوماسية تقودها السعودية لضم الحوثيين ستوفّر طريقةً، تشتد الحاجة إليها، لإنقاذ ماء الوجه من أجل إنهاء هذه الحرب الكارثية في وقت بلغ فيه التفكير الاستراتيجي أدنى مستوياته في المنطقة. إن الرياض وحدها هي في وضع يمكّنها من القيام بمثل هذه الخطوة، وبواسطة نفوذ كبير. والحافز؟ نوع مختلف من الانتصار - ذلك الذي أثبت تماماً أنه بعيد المنال في ساحة المعركة، وهو: إعادة توجيه الحوثيين بعيداً عن حليفهم الحالي، طهران.
إنّ الزعيم السعودي الذي شنّ حملة تدخل للتضييق من تجاوزات إيران في شبه الجزيرة العربية، لكنه رأى ولسخرية القدر أنّ ذلك النفوذ قد ازداد عمقاً خلال فترة الصراع، يتمتّع بفرصة أفضل بكثير لتحقيق ذلك الهدف من خلال إقامة قناة اتصال مباشر مع القيادة الحوثية. ويمكن لمثل هذه المحادثات أن تستقطب ضغوط مفاوضات السلام التي تقودها الأمم المتحدة والتي تحظى بدعم دولي، وأن تفرضها أيضاً. كما يمكن أن تقلّص الدور السياسي للحوثيين ليصبحوا مجرّد جهة سياسية أخرى (وإن كانت صاخبة) ضمن مجموعة من هذه الجهات الفاعلة التي تتداول حول شكل حكم اليمن في مرحلة ما بعد الصراع.