مايكل يونغ- معهد كارنيغي للشرق الأوسط-
أتوقع أن تعمد الدول العربية تدريجياً إلى تطبيع علاقاتها مع سورية، عقب قرار الإمارات العربية المتحدة إعادة فتح سفارتها في دمشق. قد لاتتّخذ سائر دول مجلس التعاون الخليجي هكذا خطوة على الفور أو دفعة واحدة، لكن الآن، ومع إطلاق الرصاصة الأولى، تم تحطيم المحظور المتمثّل في العودة إلى دمشق. وسُرعان ماستكرّ السبحة. فالهدف المعلَن لهذا التطبيع هو رصّ الصف العربي لمواجهة النفوذ الإيراني، وهذا المنطق يشي بأنه سيتم توفير المال اللازم لإعادة إعمار سورية في مرحلة ما في المستقبل. لا أتوقع حدوث هذا الأمر في المدى القصير، بل في المديَين المتوسط أو البعيد على الأرجح.
السؤال الآن عن مدى أهلية هذا المنطق. لقد بات الوجود الإيراني راسخاً بعمق في سورية، حيث أصبح من الصعب تحديد ما إذا كانت طهران تأتمر بإمرة النظام السوري أم العكس. يُشار كذلك إلى أن طهران استثمرت قدراً هائلاً من الموارد لدعم نظام الأسد، وتكبّدت أيضاً خسائر بشرية. لذا من السذاجة بمكان الاعتقاد بأن إعادة الانخراط العربي أو المحفّزات المالية كفيلة بتغيير موازين القوى الراهنة.
في خضم الأجواء المضادة للثورة التي تخيّم على الشرق الأوسط اليوم، قد تعود سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد إلى الحضن العربي، على أن يلي ذلك إطلاق ورشة إعادة إعمار البلاد. لكن، من المستبعد أن يتحقق ذلك الآن.
واقع الحال أن ثمة مبالغة في النقاش الدائر حول المشاركة العربية في عملية إعادة إعمار سورية. لنحاول أن نبسّط وضعاً معقّداً (من دون أن نفرط في تبسيطه): إن مواقف كلٍّ من أوروبا وروسيا وإيران والعالم العربي حيال سورية ستتأثّر إلى حدٍّ بعيد بالقرار الأميركي النهائي حول هذه المسألة. قد يكون هذا التأثير سلبياً أو إيجابياً، لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين ماسيكون قرار الرئيس دونالد ترامب. فالتصعيد احتمال وارد، وكذلك إحلال السلم؛ الحرب احتمال وارد، وكذلك التهدئة. وما يؤكّد حالة اللايقين هذه التردّد الأميركي حيال الانسحاب من سورية، والغارات الإسرائيلية المتواصلة ضد المواقع الإيرانية في سورية.
لاتزال هذه المسألة مدار جدل في لبنان إلى حدٍّ بعيد، بسبب التفكير الرغائبي لبعض اللبنانيين. فالمقاتلون والملتزمون اللبنانيون الذين يعتقدون أن بلادهم، على الرغم من تعدّديتها، يمكن أن يُعاد تشكيلها على صورة سورية أو إيران، يتوقون إلى إنقاذ نموذجهم المثالي في دمشق. أعتقد أن عليهم التروّي قليلاً. فالتحلّي بالصبر لن يؤذي أحداً.
نتيجةً للانكفاء الأميركي في الشرق الأوسط، أصبح حلّ المسائل الإقليمية رهناً بالقوى الإقليمية. ويقع في صُلب هذه الديناميكيات سؤال حول الجهة التي ستموّل إعادة إعمار سورية، فيما يشهد الشرق الأوسط عملية إعادة اصطفاف. فالولايات المتحدة والدول الأوروبية البارزة غير مستعدّة لتكبّد أكلاف إعادة الإعمار؛ ومع أن روسيا وتركيا تتمتعان راهناً بنفوذ هائل في سورية، من المستبعد أن يكون لهما إسهام كبير. لذا غالب الظن أن تتولّى دول الخليج زمام هذه العملية، وأن تكون بعض الضغوط الأميركية ضد هذه الخطوة قد لعبت دوراً في القرار الخليجي. الأهم أن الفرصة سانحة اليوم لتعيد هذه الدول النظر في النفوذ الإيراني في سورية، وتعزيز مصالحها في المنطقة. لكن لايزال من غير الواضح ما إذا سيترافق أي تمويل محتمل مع إطار سياسي. فعلى كل الأفرقاء الالتزام بحلٍّ سياسي وضمان ألا يقتصر التمويل فقط على الشؤون الجيوسياسية، وإلا فسنواصل تخييب آمال السوريين.
الدول العربية الوحيدة القادرة على تمويل إعادة إعمار سورية هي الدول الخليجية الغنية، ونعني بها أربع دول هي: المملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت، والإمارات العربية المتحدة. أما سائر الدول العربية فغير قادرة على توفير مساعدات مالية كُبرى لأنها غارقة في لُجج مشاكلها الخاصة.
إذا صحّت التقارير التي تذكر أن الولايات المتحدة طلبت من حلفائها الخليجيين عدم المساعدة في إعادة إعمار سورية، فهذا يعني أن أي رغبة في تأدية دور في هذه العملية ستكون محدودة في أفضل الأحوال. وبسبب ضعف موقع سورية إقليمياً بعد صراع دام ثماني سنوات، وارتباطها القوي بطهران نتيجةً لذلك، فغالب الظن أن الدول الخليجية التي وقفت مكتوفة الأيدي خلال إعادة إعمار العراق، لن تهبّ الآن لمساعدة سورية.
علاقة إيران القوية مع كلٍّ من العراق وسورية ستشكّل عاملاً حاسماً في قرار حكّام السعودية وقطر والكويت والإمارات. هذا الانطباع أقوى لدى الجيل الشاب من القادة السعوديين والإماراتيين والقطريين الذين تبنّوا مقاربة أكثر طائفية أو إثنية من مقاربة آبائهم. واستناداً إلى كل هذه المعطيات، أستبعد أن تكون الدول العربية القادرة على مساعدة سورية مستعدّة لتقوية خصومها، أو أولئك الذين تعتبرهم وكلاء لإيران.
ثمة عامل آخر أيضاً هو تورّط السعودية والإمارات في اليمن، حيث قد تضطرّان إلى إنفاق مليارات الدولارات في مرحلة مابعد الحرب. وفي غضون ذلك، تواجه السعودية والكويت تحديات اقتصادية محلية قد تحدّ من قدرتهما على تحقيق إنجازات كبيرة في الخارج. يُضاف إلى ذلك أن إسرائيل ستعارض حتماً أي إجراءات من شأنها جعل الرئيس السوري بشار الأسد أقوى مما كان عليه في السابق.