مايكل يونغ- مركز كارنيغي للشرق الأوسط-
"انسحاب المغرب من التحالف هو مثل دخوله للتحالف "لا حدث" ولن يؤثر على تحالف الحزم. لكن سيؤثر على وزارتي من حيث الترفيه الذي كان يوفره ملكهم بإرساله اللحم المغربي الرخيص والحلايقية ]...["
هذه التغريدة القاسية الموجّهة إلى المغرب والملك محمد السادس صادرة عن مسؤول سعودي بارز هو تركي آل الشيخ، بعد إعلان المغرب مؤخراً انسحابه من التحالف المناهض للحوثيين في اليمن. الأزمة الراهنة في العلاقات بين السعودية والمغرب غريبة ونادرة في آن، وسببها الأساسي المزاج العدائي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وعدم احترامه لشركائه العرب. يُشار إلى أن العلاقة بين السلالتين الحاكمتين السعودية والمغربية كانت ممتازة تاريخياً: فقد دعمت الرياض الملك محمد الخامس ضد باريس خلال الأزمة التي نشبت بين فرنسا والمغرب في فترة 1953-1955، ناهيك عن المساعدات المالية التي تلقّاها المغرب من السعودية خلال سبعينيات القرن المنصرم. وكمؤشّر عن مدى قوة العلاقة بين الطرفين، وصف الملك المغربي الحسن الثاني في خطاب ألقاه العام 1983 نظيره السعودي بأنه "ملك المملكة المغربية".
لكن جذوة التوتر تأجّجت منذ العام 2015، حين شدّ عضو في الحرس الملكي السعودي الأمير رشيد، شقيق الملك محمد السادس، من ذراعه بشكلٍ غير مهذّب خلال حفل استقبال أُقيم بمناسبة زيارة الملك إلى الرياض. وتفاقم سوء التفاهم بين الجانبين عندما أعلن المغرب عن وقوفه على الحياد في النزاع الذي نشب بين قطر ومعظم الدول الخليجية. لكن الأزمة بلغت ذروتها عندما امتنعت الرياض عن التصويت لصالح المغرب لاستضافة كأس العالم لكرة القدم العام 2026. وفاقم السعوديون الأمور عبر السماح لقناة "العربية" الفضائية بالانحياز لجبهة البوليساريو في نزاعها مع المغرب. فما كان من الرباط إلا أن قاطعت الاجتماع الذي عُقد في جدة للدول الأعضاء في التحالف الذي تقوده السعودية حول اليمن. لذا، كان انسحاب المغرب من التحالف مسألة وقتٍ ليس إلا.
من نواحٍ كثيرة، لم يكن مُفاجئاً إعلان المغرب عن نيّته الانسحاب العسكري من التحالف العربي في اليمن، ولاسيما أنه سحب قواته البرية في العام 2016، ثم سحب السرب المؤلّف من ست طائرات مقاتلة من طراز أف-16 في العام 2018. وفي الحالتين، عزا المسؤولون في الرباط السبب إلى تصاعد وتائر التوتر مع الجزائر وجبهة البوليساريو، على خلفية النزاع في الصحراء الغربية. لكن القرار على مايبدو ناجمٌ عن أجواء باردة تشوب العلاقة التي اتّسمت تاريخياً بالدفء بين المغرب والسعودية.
وقد سلكت هذه العلاقة منعطفاً جديداً في حزيران/يونيو 2018 مع تصويت السعودية لصالح الولايات المتحدة بدلاً من المغرب لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2026. استشاط المغاربة غضباً، بيد أن السعودية شعرت بأن عليها إعطاء الأولوية لعلاقتها الاستراتيجية مع واشنطن، كما اعتقدت بأنها قامت بواجبها مع المغرب على أكمل وجه من خلال دعمه بمليارات الدولارات. وما زاد الأمور تعقيداً أن المغرب قرّر عدم الانحياز إلى المملكة في نزاعها مع قطر، على الرغم من السخاء السعودي، كما لم يغفل عن بال أحد في الرياض أن وزير الخارجية المغربي أعلن انسحاب بلاده من التحالف العربي من على منبر قناة الجزيرة القطرية.
لطالما كان المغرب شريكاً ملتزماً للسعودية، لذا سيكون حريصاً على عدم إحراق الجسور التي تربطه بها. مع ذلك، يشي هذا التطور البارز بأن القيادة المغربية لاتمانع في اتّخاذ موقف حازم عندما تتضارب مصالحها مع المصالح السعودية. فالمغرب هو في صدد توجيه رسالة مفادها أنه لن يؤيّد بشكلٍ أعمى الخطوات السعودية، ولاسيما إذا كانت غير متعلّقة بالمغرب أو تقوّض مصالحه الوطنية.
مع أن قرار المغرب باستدعاء سفيرَيْها من الرياض وأبو ظبي للتشاور يُنذر بتصعيد واضح في العلاقات بين البلدين، إلا أن وتائر التوتر كانت تتنامى باطّراد خلال العام الفائت. وقد عبّر المغرب عن استيائه من بثّ قناة فضائية سعودية برنامجاً تلفزيونياً بدا أنه يشكّك بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وبالطبع، تقويض مطالبة المغرب بالصحراء الغربية هي طريقة قوية لتوجيه رسالة إلى الرباط.
يُذكر أن العام 2018 شهد قضية خلافية كبرى بين الطرفين، عندما صوّتت السعودية لصالح الولايات المتحدة بدلاً من المغرب لاستضافة كأس العالم 2026، الأمر الذي أثار ردود فعل قوية في الرباط. وفي العام الماضي كذلك، رفض المغرب استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في إطار جولةٍ نظّمها لتلميع صورته بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، كما أشارت وسائل إعلام مغربية مقرّبة من القصر والجهاز الأمني إلى ضلوع وليّ العهد في هذا الاغتيال. وفي شهر كانون الثاني/يناير الفائت، امتنع المغرب عن المشاركة في تدريبات القوات البحرية في المملكة العربية السعودية.
على الرغم من ميل المغرب لاتّباع نهج محافظ في العلاقات الخارجية، إلا أنه واجه صعوبة في الحفاظ على تحالفه مع السعودية منذ تسنّم محمد بن سلمان سُدة الحكم. فالرباط متخوّفة من دعم مغامراته عالية المخاطر عبر الانخراط في التحالف حول اليمن، والمشاركة في الحصار المفروض على قطر. بيد أن التصعيد كان مُلفتاً لأن المغرب كان بإمكانه إيجاد سبل أخرى أقل علانية للنأي بنفسه عن ولي العهد السعودي. لكن، مايحدّ من المخاطر الناجمة عن استعداء الرياض، هو واقع أن محمد بن سلمان يُواجه موجات من الإدانة وانتقادات حادّة إقليمياً ودولياً.
لا أعتقد أن قرار المغرب الانسحاب من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن سيؤثّر على مستقبل الحرب في هذا البلد العربي. فالمغرب جمّد فعلياً مشاركته في هذا التحالف منذ العام 2016، كما أن التحالف العسكري العربي لا وجود له أصلاً على أرض الواقع. فالموجود فعلياً هو تحالف سعودي-إماراتي، والدول الأخرى المشاركة فيه، بما فيها المغرب، كانت فقط من أجل توفير غطاء شرعي عربي لحرب تقودها جيوش عربية على دولة عربية.
كما لا أعتقد أن قرار المغرب الانسحاب من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية والإمارات، قد يؤثّر مستقبلاً في علاقة المغرب مع دول الخليج المنقسمة اليوم على نفسها بسبب الأزمة مع قطر. وكما هو معروفٌ، العلاقة المغربية مع الكثير من الدول الخليجية ليست علاقة مؤسسية، وإنما هي علاقة يغلب عليها الطابع الشخصي ومزاج الحكّام. وبالتالي، لا يمكن التنبّؤ بتحولاتها الذي قد تأتي مفاجِئة، لكن الأكيد أنها علاقة غير متغيّرة، لأن كل الأنظمة في المغرب والخليج تحتاج إلى بعضها البعض ولا يمكن أن يستغني أحدها عن الآخر.