سياسة وأمن » حروب

أسئلة العلاقات الإماراتية الإسرائيلية

في 2019/02/19

بشير البكر- العربي الجديد--

يطرح التطور المتسارع في العلاقات الإماراتية الإسرائيلية أسئلة كثيرة، حول الأسباب التي تدفع عاصمة عربية، مثل أبوظبي، إلى الهرولة تجاه إسرائيل، لا سيما وأنها بغنى عن ذلك من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية.

الإمارات ليست بلداً فقيراً على غرار بعض بلدان أفريقيا، مثل تشاد التي قايضت العلاقات بالمال والحماية، من باب الحاجة إلى الدعم الاقتصادي والأمني الإسرائيلي كي تواجه شحّ الموارد وتهديدات المعارضة. والإمارات دولة غير مهدّدة في أمنها، وليست ضعيفةً كي تطلب الحماية من تل أبيب.

وإذا افترضنا أنها تخشى أطماع إيران، فليس هناك مؤشراتٌ على تهديدات منظورة، والدليل أن البلدين يرتبطان بعلاقاتٍ تجاريةٍ متميزة.

يشهد تاريخ الإمارات على أنها كانت داعماً رئيسياً للقضية الفلسطينية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية، وشكلت أرض استقبال رحبة للفلسطينيين الذين قصدوها للعمل، وسهلت أمامهم كل سبل النجاح والاندماج، وكوّن بعض هؤلاء ثروات كبيرة، واحتلوا مواقع في الدولة التي حصلوا على جنسيتها.

وكان مؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان، صاحب موقف عروبي ترجمه في مناسباتٍ كثيرة، ومثال ذلك حرب تشرين عام 1973، حيث قام بتغطية جزء من فاتورة الحرب على الجبهتين السورية والمصرية.

تغيّر المزاج العام في الإمارات خلال السنوات الخمس الأخيرة، وصارت الأجهزة الأمنية تضيق على فلسطينيين كثيرين، وانتهت المعاملة الخاصة التي كانوا يحظون بها، وتبين أن هذا التحوّل بدأ في سياق التعاون الأمني الذي بدأ يتنامى بعد اغتيال إسرائيل القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح، في دبي عام 2010، وتطوّر إلى علاقات سرية أشرف على قسم منها السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، والقسم الآخر تم مباشرة بين تل أبيب وأبوظبي.

وهناك جانب من القضية بات يجري في العلن، وهو يتعلق بما يحصل على مستوى التطبيع السياسي الذي يأخذ شكل زيارات مسؤولين إسرائيليين إلى الإمارات في مناسبات رياضية واجتماعات دولية، مثل زيارة وزيرة الرياضة والثقافة الإسرائيلية، ميري ريغف، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي شهدت عزف النشيد الوطني الإسرائيلي في أبوظبي، وهو حدثٌ لم يحصل قبل ذلك على أرض بلد عربي لا يقيم علاقات رسمية مع إسرائيل، وهذا هو المكسب الذي حققته تل أبيب من الأمر.

بثت القناة الإسرائيلية الثالثة عشرة، قبل أيام، تحقيقاً، ضمن سلسلة حلقات تحت عنوان "أسرار الخليج"، كشفت فيه عمق العلاقات بين إسرائيل والإمارات في العقدين الأخيرين.

وأشار إلى تطور هام في العلاقات عام 2016، حيث اتضح أن اتصالات هاتفية عدة جرت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، تناولت الملف الإيراني، وسبل الدفع بمؤتمر سلام إقليمي، يجري في سياق الإعداد له تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل.

وتسجل الهيئات الفلسطينية في القدس حضوراً إماراتياً في السنوات الأخيرة، يلعب دوراً مساعداً في إضعاف مواجهة الفلسطينيين لعملية التهويد التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية، وهناك معلومات متداولة عن نقل أموال إماراتية لشخصياتٍ مقدسيةٍ على صلة بالتطبيع، وتسريب أراضٍ وممتلكات فلسطينية.

كل ما تقوم به الإمارات منذ سيطرة بن زايد على سلطة القرار، يبدو وكأنه استثمار في المكان الغلط، وبدلاً من أن تواصل أبوظبي الطريق العربي الذي بدأه الشيخ زايد، يقودُها نجله في مسالك بعيدة عن محيطها وتاريخها، وعلى نحو خاص انفتاحه على إسرائيل التي يعوّل عليها في تحويل بلاده إلى قوةٍ عظمى في المنطقة على حساب التوازنات الموجودة، وجرّ معه في هذا الدرب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي باتت صلاته مع إسرائيل لا تقل قوة عن نظيره الإماراتي.