الخليج أونلاين-
سبع سنوات مرّت على تولي الرئيس عبد ربه منصور هادي الحكم في اليمن (25 فبراير 2012)، والتي كانت من أصعب المراحل التي عاشتها البلاد في تاريخها، إذ بدأت بانتخابات وحوار وتحولت إلى حرب ودمار وحكم من الخارج.
انتخب هادي رئيساً توافقياً ضمن تسوية سياسية فرضتها المبادرة الخليجية لاحتواء ثورة فبراير الشعبية ضد الرئيس المخلوع علي صالح، وأجريت انتخابات بمنزلة استفتاء، وحصل على أعلى معدل تصويت في انتخابات يمنية (99.8%)، في مؤشر أكد رغبة اليمنيين في إنهاء حكم صالح وفتح صفحة جديدة.
خلال سنوات وجوده في منصب نائب الرئيس (1994 -2012) لم يكن يحظى هادي بأي دور فعلي في حكم البلاد، واقتصر دوره على الإشراف على لجنة الاحتفالات على سبيل المثال، وكان يطلق عليه بعض اليمنيين عبارة "كوز مركوز"، بمعنى أنه لا تأثير حقيقي له في منصبه.
والأمر فيما يبدو لم يكن مقتصراً على المخيال الشعبي، بل على مخيال النخبة السياسية أيضاً. ولعل هذا السبب الرئيس في قبول صالح التخلي عن كرسي السلطة لنائبه، كما أنه السبب نفسه الذي جعل القوى السياسية المؤيدة للثورة تقبل به، خصوصاً أن هادي لزم بيته أثناء أحداث الثورة.
إذاً هو رئيس جاء إلى السلطة دون مقدمات أو مؤشرات تدل على ذلك سوى قبول مختلف القوى به طمعاً في تحريكه وفقاً لمصالحها، لا سيما أن الرجل يفتقر إلى السند القبلي أو المناطقي المؤثر، وليس لديه أي لوبي عسكري أو سياسي يستند إليه رغم عضويته في حزب المؤتمر الشعبي العام.
أحداث وتحولات كبرى
المحلل السياسي اليمني سليم خالد وصف، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، سنوات رئاسة هادي بـ"السبع بالعجاف"، وأوضح أنها "شهدت أحداثاً وتحولات كبرى في تاريخ اليمن الحديث".
واعتبر خالد أن أغرب ما فيها مقدرته على الاحتفاظ بكرسي الرئاسة رغم الأحداث التي استهدفته، وبعضها كان بشكل مباشر، كمحاصرة مقر إقامته في صنعاء ومنعه من مزاولة مهامه، واختطاف مدير مكتبه، واستهدافه بالطيران الحربي في قصر معاشيق بعدن في مارس 2015.
وقال: إن "الرئيس هادي لم يكن محظوظاً بكرسي الرئاسة في بلد يرتفع فيه على رؤوس الثعابين"، مضيفاً: "وحتى عندما منحه قرابة سبعة ملايين يمني أصواتهم بحماسة بالغة، فكان لرغبتهم في إنهاء حقبة صالح أكثر من كونها قناعة بأهلية هادي لمنصب الرئيس".
ترميم جدار الجمهورية
ويتفق مع خالد المحلل السياسي اليمني هاشم الأبارة، في أن هادي يؤدي دوراً في ظرف معقد للغاية؛ "فهو يعيد ترميم جدار الجمهورية الذي كان يراد له أن ينقض، ويقاتل من أجل أن يخطوَ بنا خطوة ثانية في طريق اليمن الحديث".
وأشار الأبارة إلى أن هادي يفعل ذلك "من خلال إعلان الفيدرالية وتثبيتها وانتزاع الاعتراف بها، وهكذا يكون قد حصن الجمهورية إلى الأبد بهذه الخطوة التي ستكون كفيلة بسد الثغرات التي تسلل منها الإماميون (الملكيون ومنهم الحوثيون)".
وأضاف في صفحته على "فيسبوك": "حتى لو لم ندرك ذلك اليوم بفعل ضجيج الصراع وازدحام المشاريع وغبار المضللين، سندركه حتماً بعد أن نلمس إيجابيات اليمن الاتحادي في مرحلة الاستقرار".
وتابع: "ندرك كم كان الرئيس هادي صادقاً ووطنياً وهو يهتف لليمن الاتحادي والفيدرالية، وسيأتي الجيل القادم يعترف بالرئيس هادي كما اعترف جيلنا بالسلال، فتلك هي تجربة بلادنا مع من يقودون التغيير؛ لا تعترف بهم الأجيال التي يعاصروها بقدر ما تعترف بجهدها الأجيال القادمة".
تواطؤ وإنجازات
لكن سليم أشار إلى أن "هادي يُتهم بالتواطؤ مع جماعة الحوثي وإيصالهم إلى صنعاء، وبالضعف في إدارة الدولة، وتبديد مؤسساتها، وكذلك يتهم بجلب العدوان الخارجي على بلاده بحجة استعادة الدولة".
وأضاف: "مع كل هذا، فما يثير العجب أن هادي خصم لدود لجماعة الحوثي والرئيس السابق صالح، وكذلك خلافه الشديد مع الجيران الذين تحالف معهم لاستعادة دولته، بالإضافة إلى أنه في نظر الحراك الجنوبي عائق في طريق انفصال الجنوب واستقلال دولته، كما يراه الشماليون أداة تقسيم البلاد إلى دويلات متفرقة".
وتابع: "هادي رجل يثير الجدل والسخط والغرابة في آن، لكنه كان مَخرَجاً آمناً لثورة الشباب السلمية 2011. أنجز مؤتمر الحوار الوطني بين مختلف القوى السياسية وفئات المجتمع اليمني، وخرج بمرجعية الدولة المدنية التي ينشدها اليمنيون منذ عقود".
وأشار إلى أنه "فكك مركز السلطة والثروة الذي سلب حق اليمنيين عصوراً طويلة، وأعاد لبعض المناطق اليمنية مكانتها في التأثير والقوة، مثل مأرب والجوف وحضرموت والمهرة وتعز".
وأكد أن "هادي كحالة سياسية ليس إلا جزءاً من البيئة الاجتماعية والسياسية المبهمة لهذا البلد، التي أعيت نظريات الاجتماع في التعاطي معها أو إخضاعها لمنهج تحليلي يفسر تعقيداتها ويتنبأ بمآلاتها. ولن يستطيع أحد أن يفسر كيف احتفظ بكرسي الرئاسة كل هذا الوقت رغم السخط الواسع من أدائه.. حتى يفسر كيف تخلت حشود صالح عنه في أقل من يومين رغم المحبة التي حظي بها صالح في نفوس جماهيره".
لكنه استدرك بقوله: "إن لدول الإقليم (في إشارة إلى السعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً بمشاركة الإمارات) دوراً في الأزمة اليمنية بدافع الحفاظ على مصالحها وأمنها القومي وعمقها الاستراتيجي، لذلك كان الخليج جاداً في المبادرة الخليجية، وفي مؤتمر الحوار وحتى في عاصفة الحزم".
واعتبر أن "هذا مثل عاملاً مساعداً للرئيس هادي في إنجاز الفترة الانتقالية، لكن حساباتهم وتخوفاتهم من البديل الذي سيؤول إليه الحكم بعد إقرار الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية جعلتهم يدخلون اليمن في أزمات أنتجت انقلاباً ثم حرباً كانوا طرفاً فيها، ثم لم يتمكنوا من السيطرة على نهايتها".
الدور الخارجي والتعامل معه
بدوره ينظر المحلل السياسي اليمني عبد الله الخيواني إلى أن فترة حكم هادي وفشل المرحلة الانتقالية يعود إلى الدور الخارجي، فيقول: "هادي صعد باقتراح خارجي ودعم خارجي متمثل في دول الخليج والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والتي عرفت حينها بالدول العشر، حيث كان سفراؤها يشرفون على كل شيء تقريباً".
وأوضح، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أنه "بسبب عدم امتلاك هادي لأي ثقل محلي، بغض النظر عن الأصوات التي حصل عليها؛ فهي لا تمثل جماهيريته بقدر ما تمثل التوافق الذي حدث بين القوى السياسية الكبرى في البلاد، جعله لا يرى إلا الخارج، حتى إنه لم يكن يصدر أي قرار إلا بعد اجتماع بسفراء الدول العشر".
وأضاف: "إذاً هادي منذ البداية أدرك نقطة ضعفه وتمسك بالخارج لأن عدم تمسكه بالخارج كان سيجعله ضعيفاً أمام القوى المحلية التي حاولت جميعها توظيف قراراته بما يخدم مصالحها، لكن للأسف هادي لم يحسن التعامل مع الخارج أيضاً؛ فعلى سبيل المثال عندما سمح للتحالف بالتدخل لكسر انقلاب الحوثيين وصالح لم يؤطر هذا التدخل باتفاقية تحفظ سيادة البلاد ومصالح اليمنيين".
وتابع: "اليوم هادي أول من يدفع ثمن تسليمه المطلق للخارج، وخصوصاً السعودية، فهو شبه ممنوع من العودة إلى بلاده بسبب الفيتو الإماراتي الذي يرفض عودة الرئيس وكامل الحكومة لممارسة مهامهم من عدن".
ورغم الانتقادات الموجهة للرئيس هادي بعد سبع سنوات من حكمه، فإن المراقبين يرون في استمراره أهمية كبيرة؛ لكونه يمثل الشرعية التي يقاتل من أجل استعادتها اليمنيون، ومع ذلك يطرح البعض خيارات تسمح ببقاء هادي لكن مع تسليمه الصلاحيات لشخصية قوية تنتشل البلاد من واقعها المأساوي، خصوصاً مع استمرار خضوع بعض المناطق للانقلاب الحوثي، ودخول المناطق المحررة ضمن دائرة العبث الإماراتي السعودي الذي يناقض الأهداف المعلنة من تدخل التحالف في الحرب في اليمن.