سياسة وأمن » حروب

كيف عززت الإمارات جهودها لمناهضة تركيا في سوريا؟

في 2019/02/28

متابعات-

"تنافس واسع بين أبو ظبي وأنقرة".. هكذا وصف الباحث في الدراسات العليا بكلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد "صمويل رماني" تصاعد التوتر بين تركيا والإمارات في شمال سوريا، بعد اتجاه الأخيرة لتعزيز جهودها المناهضة لأنقرة عبر دعم الميليشيات الكردية. 

وذكر "رماني"، في مقال نشره بموقع "المونيتور"، أن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي "أنور قرقاش" انتقد، في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، خطط تركيا لإقامة منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا واعتبرها جزءا من محاولات لـ"عزل الأكراد السوريين جغرافيا"، واعتبر ذلك مثيرا لقلق الأكراد والإمارات والولايات المتحدة معا.

 كما انتقد "قرقاش" ما سماه "ربط تركيا القومية الكردية بالإرهاب"، مؤكدا الدور الذي لعبته الميليشيات الكردية في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" بسوريا.

ويرى "رماني" أن تضامن الوزير الإماراتي مع القوى القومية الكردية يعكس رغبة أبوظبي في احتواء التأثير التركي والدخول كلاعب في حل النزاع السوري، في إطار صراع إقليمي واسع بين الجانبين، دفع أنقرة للاصطفاف مع قطر وتوسيع علاقاتها مع "الإخوان المسلمون".

ورغم أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" اتهم الإمارات بدعم الحركة الانقلابية ضد حكومته عام 2016، إلا أن الساحة السورية ظلت نقطة ثانوية في الصراع بينهما، إلى أن انتقدت أبوظبي بحدة عملية "غصن الزيتون"، التي شنتها تركيا في بلدة عفرين، ذات الأغلبية الكردية، في يناير/كانون الثاني 2018.

ووصفت وسائل الإعلام الإماراتية "وحدات حماية الشعب الكردية" بأنها حركة مقاومة ضد "الاحتلال التركي" وانتقدت بشدة ما سمته "نهب" القوات التركية لعفرين في مارس/آذار 2018.

دعم عسكري

ورغم خفوت النزاع في الشمال السوري بعدما قضت تركيا على تمرد مؤيد لنظام "الأسد" في المدينة  يوم 21 مارس/آذار، إلا أن الإمارات واصلت دعمها للفصائل الكردية التي ناهضت الوجود التركي.

وفي هذا الإطار، اجتمع مستشارون عسكريون إماراتيون وسعوديون مع "الحزب الديمقراطي الكردي" و"حزب العمال الكردستاني" التركي في قاعدة عسكرية أمريكية بشمال شرقي سوريا لتنسيق مواجهة التدخل العسكري التركي.

وترافق الدعم الأمني الإماراتي للأكراد مع دعم اقتصادي لمناطقهم في سوريا، فبحلول أغسطس/آب 2018 استثمرت أبوظبي 50 مليون دولار في شمال شرقي البلاد، بالتوازي مع استثمار السعودية لـ100 مليون دولار في المناطق التي سيطرت عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (تمثل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري).

ولذا توقعت صحيفة "يني شفق"، المقربة من الحكومة التركية، اندلاع حرب عربية – تركية في سوريا، واتهمت الإمارات بدعم الإرهاب في شمال شرقي البلاد.

لكن "كايل أورتون"، الخبير المتخصص في شؤون سوريا و"حزب العمال الكردستاني" في جمعية هنري جاكسون، يرى توقع الصحيفة التركية مبالغا فيه؛ لأن القوات الإماراتية لا تزال تركز جهودها على تقوية تأثير أبوظبي في جنوب اليمن.

وأوضح "أورتون" أن دعم دول في مجلس التعاون الخليجي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" يهدف إلى مضايقة تركيا وتشويه سمعتها، مستبعدا ترجمة هذا الدعم إلى مواجهة عسكرية أو حروب بالوكالة مع أنقرة.

وسيط مستقبلي

كما تهدف أبوظبي من دعمها للأكراد، بحسب "رماني"، إلى لعب دور الوسيط مستقبلا في حل النزاع السوري، وهو ما ألمحت إليه نائبة ممثلة الإمارات في الأمم المتحدة "أميرة الحفيتي"، في 30 أغسطس/آب الماضي، عندما أكدت ضرورة الحل السياسي في سوريا وأشارت لدور أبوظبي في اتفاقية السلام بين إريتريا وإثيوبيا كسابقة يمكن تطبيقها في العالم العربي.

ولذا يرى "رماني" أن استئناف العلاقات بين أبوظبي ودمشق، عبر إعادة فتح السفارة الإماراتية بالعاصمة السورية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، محاولة من أبوظبي لتأمين مقعد على طاولة الحل السياسي للأزمة السورية.

وتعتقد الإمارات أنه يمكنها لعب دور وسيط الحوار بين الفصائل السورية المتعددة بناء على تجربتها في المراحل الأولى من النزاع، حيث التقى وزير خارجيتها "عبدالله بن زايد" مع رئيس النظام السوري "بشار الأسد" لإقناعه بتخفيف قمعه ضد المعارضة.

ورغم فشل "بن زايد" في مهمته، إلا أن الإمارات احتفظت بخط تواصل مع النظام السوري، وانتقدت تقديم السلاح للجماعات المعارضة وأقامت علاقات مع "قوات سوريا الديمقراطية".

وفي الوقت الذي يتراجع فيه دور الجماعات السنية المعارضة فإن الإمارات باتت في وضع جيد للتوسط بين النظام السوري وبين القوات التي يمثل الأكراد فصيلها الأساسي.

وفي بداية عام 2017، عززت الإمارات علاقاتها مع هذه القوات من خلال التأكيد على المصالح المشتركة بينها وبين نظام "الأسد" والميليشيات الكردية، ومنها منع تركيا من شن هجوم عسكري، وضمان بقاء أسواق الوقود في بلدة الباب -التي كانت تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية سابقا- تحت سيطرة التجار السوريين.

ملامح تقارب

وفي ضوء القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا ومخاوف الأكراد من هجوم تركي، ثمة ملامح تقارب بينهم وبين النظام السوري لمنع الهجوم، وهو ما استفادت منه أبوظبي لتعزيز استراتيجيتها التي تستهدف وقف تأثير تركيا وإيران بالداخل السوري.

ومن هنا جاء دفع الإمارات باتجاه تسليح القوات الكردية استعدادا لانسحاب القوات الأمريكية، وتشجيعها على تركيز جهودها على محاربة تركيا، وتحفيز "الأسد" للامتناع عن الاستيلاء على المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" بالقوة، عبر مناقشة برامج مساعدات إعادة الإعمار مع حكومته.

ومع استمرار تعزيز علاقاتها مع "الأسد" والأكراد في وقت واحد، فإن أبوظبي باتت في وضع جيد يمكنها من الخروج من ظلال المملكة العربية السعودية وتأسيس وضع خاص بها كصاحبة مصلحة دبلوماسية مهمة في سوريا.