سياسة وأمن » حروب

بعد خاشقجي.. وحدات حماية الشعب تهدد علاقة الرياض بأنقرة

في 2019/03/08

جورجيو كافييرو - إنسايد أرابيا- ترجمة شادي خليفة -

تعتبر أنقرة "حزب العمال الكردستاني"، وفرعه في سوريا؛ "وحدات حماية الشعب"، المعروفة بـ "واي بي جي"، أخطر التهديدات الإرهابية لأمن تركيا.

وتتهم تركيا العديد من الدول بدعم "واي بي جي" بهدف مواجهة خطط تركيا للانتشار الإقليمي على طول الخطوط العرقية واللغوية، في مقدمتها الولايات المتحدة، التي دعمت وحدات حماية الشعب في سوريا بشكل علني، وحكومات مصر وفرنسا و(إسرائيل) وإيران وسوريا، وبعض دول الخليج العربي، وخاصة دولة الإمارات. 

إلا أنه، مؤخرا، بدأت الصحافة التركية تسلط الضوء على علاقة السعودية بـ"واي بي جي"، ما جعل من هذا الموضوع عنصرا جديدا لتصعيد التوتر بين الرياض وأنقرة، إلى جانب قضية مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، وقضايا أخرى كالحصار المفروض على قطر، والتنافس على النفوذ عبر أفريقيا، والانقلاب الفاشل عام 2016، مرورا بدور المملكة في إسقاط الرئيس المصري "محمد مرسي" في 2013.

وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت صحيفة "يني شفق" التركية، الموالية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أن الرياض وأبوظبي قد نشرتا قوات عسكرية في الأراضي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا، لخدمة الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة.

كما نشرت الصحيفة مقالا، في يونيو/حزيران 2017، تضمن صورة لمسؤولين سعوديين ومصريين وإماراتيين، يجتمعون مع "واي بي جي" في أحد مكاتبها، وخلفهم صورة مؤسس حزب العمال الكردستاني "عبدالله أوجلان".

وبعد 4 أشهر، زار وزير شؤون الخليج في الرياض، "ثامر السبهان"، مدينة الرقة السورية، وهي تحت سيطرة "واي بي جي"، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص بالتحالف ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"؛ "بريت ماكجورك".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، دفعت السعودية 100 مليون دولار للمساعدة في إعادة إعمار أجزاء من سوريا خاضعة لوحدات حماية الشعب.

وبالإضافة لذلك، يصر ولي عهد أبوظبي؛ "محمد بن زايد" على استقطاب الرياض لمزيد من التوافق مع سياسات بلاده الخارجية، خاصة فيما يتعلق بتركيا، التي تعتبر الإمارات دعمها لجماعة الإخوان المسلمين يمثل تهديدا شديدا على دول الخليج. ما يجعل أبوظبي تعمل ضد أجندة أنقرة في سوريا وليبيا والعراق والصومال والسودان.

وبلغ التنافس الجيوسياسي بين الإمارات وتركيا ذروته في "عفرين" خلال عملية غصن الزيتون، التي أطلقتها تركيا في يناير/كانون الثاني 2018. حيث أدانت الإمارات ومنابرها الإعلامية تلك الحملة التي أطاحت بسلطة "واي بي جي" في عفرين، متهمة القوات التركية بـ "نهب" عفرين، واعتبرت "واي بي جي" مجموعة مقاومة.

وخلال زيارته لمصر، في مارس/آذار 2018، كان تصريح ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان"، عن "مثلث الشر"، الذي ضم إليه تركيا إلى جانب إيران والجماعات الإسلامية، مثالا على نفوذ "بن زايد" على ولي عهد المملكة. وبالفعل، فقد شابه خطابه هذا إلى حد كبير نظيره في أبوظبي.

ولا شك أن تعزيز علاقة المملكة مع "واي بي جي" يجب أن يفهم في إطار اتفاق الرياض وأبوظبي الوثيق حول القضايا الإقليمية.

وقد ترضي السعودية بتعزيز علاقتها مع "واي بي جي" القيادة في أبوظبي إلى حد كبير، لكن أين ستؤدي علاقات الرياض المتعمقة مع القوة التابعة لحزب العمال الكردستاني بالنسبة للعلاقات السعودية التركية المتوترة بالفعل؟ وهل يخاطر هذا التطور بأي صدام مباشر بين تركيا والمملكة؟

العلاقات إلى أين؟

مما لا شك فيه أن الصحافة التركية تولي اهتماما خاصا للغاية للاجتماعات بين وحدات حماية الشعب الكردية والمسؤولين العسكريين السعوديين. الأمر الذي قد يزيد المشاعر المعادية للسعودية بشكل كبير في جميع أنحاء تركيا. وقد يشكل هذا خطورة كبيرة في ظل العملية العسكرية التركية المحتملة ضد "واي بي جي" في شمالي سوريا.

ويسلط اعتبار السعودية عدوا لتركيا الضوء على المدى الذي تغيرت فيه الديناميكيات الإقليمية منذ الفترة التي سبقت التدخل العسكري الروسي في سوريا، عندما عملت أنقرة والرياض جنبا إلى جنب كراعي لـ "جيش الفتح"، الذي كان هيكل قيادة لجماعات المتمردين الجهاديين السنة، التي كانت تقاتل للإطاحة بنظام دمشق.

ومع ذلك، أدت الحقائق الجديدة على الأرض إلى تبني الأتراك والسعوديين أولويات سياسية مختلفة، مما أدى إلى تضارب في المصالح.

ومنذ عام 2016، عندما بدا أن تركيا بدأت تتقبل فكرة أن رئيس النظام السوري؛ "بشار الأسد"، لن يسقط على الأرجح، وبدأت أنقرة مصالحتها مع موسكو، أصبح السعي إلى القضاء على تهديد الإرهاب المتمثل في "واي بي جي"، وليس تغيير النظام، هو تركيز أنقرة في سوريا.

في المقابل، ومنذ عام 2017، أصبحت السعودية أكثر تماشيا مع إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في القضايا الإقليمية، بما في ذلك إيران، في حين زاد الرئيس الأمريكي دعم واشنطن لـ"واي بي جي"، حيث كانت الحملة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" لا تزال مستمرة، ما أدى إلى توترات في العلاقات التركية الأمريكية.

وبالتزامن قامت تركيا باستثمارات كبيرة في عملية آستانة، مما يستتبع حتما وجود تنسيق أعمق بين أنقرة وطهران حول سوريا. باختصار، أدت جميع هذه التطورات المعقدة إلى تباعد مصالح تركيا والسعودية حول مفاهيم التهديد في سوريا، لا سيما تجاه "واي بي جي" وإيران.

وبالنظر إلى المستقبل، قد تعمل علاقات الرياض الجيدة مع "واي بي جي" على خلق أزمة كبيرة في العلاقات السعودية التركية، ربما تفوق تأثير جريمة قتل "خاشقجي"، أو حصار قطر. وهناك احتمال لحدوث تصعيد كبير اعتمادا على رد فعل السعودية تجاه تدخل عسكري تركي آخر في سوريا يستهدف "واي بي جي".

وعلى أي حال، طالما استمرت أنقرة في رؤية "واي بي جي" باعتبارها تهديدا إرهابيا غير مقبول لتركيا، فقد يحافظ السعوديون على صلاتهم بالمجموعة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، من أجل كسب النفوذ على مستقبل سوريا، بينما يعارضون التوسع في النفوذ التركي والإيراني في بلاد الشام.

ومما لا شك فيه، سوف تؤدي رغبة الرياض في جعل المجموعة التي تهدد أمن تركيا القومي والمصالح الحيوية في شمال سوريا حليفا إلى تفاقم التوترات بين هاتين القوتين، حيث ينافس بعضها البعض على دور قيادة العالم الإسلامي السني الكبير.