سياسة وأمن » حروب

اشتباكات بين قبائل وموالين للسعودية.. ما الذي يحدث في المهرة اليمنية؟

في 2019/03/15

الخليج أونلاين-

تعيش محافظة المهرة شرقي اليمن، أجواء سياسية قاتمة، تنذر بأزمة قد تعصف بها، في ظل مساعي القوات السعودية والإماراتية السيطرة عليها، وسط غضب شعبي وقبلي.

وتحاول السعودية والإمارات بسط نفوذهما على المحافظة المحاذية لسلطنة عمان، من خلال الدفع بقوات عسكرية تابعة لها، ومليشيا تدعمها بعدما استقدمتها من محافظات مجاورة.

ووقعت اشتباكات، يوم الاثنين (11 مارس)، بين مليشيا وقوات موالية للسعودية من جهة، ورجال القبائل من جهة أخرى ما بين منطقتي "حات وشَحَن" شرق المحافظة.

وقالت مصادر لـ"الخليج أونلاين"، إن الاشتباكات اندلعت عقب اعتداء تعرض له رجال قبائل محتجين على مرور شاحنات للقوات السعودية ومليشيا تابعة لها على أرضهم وتحمل معدات عسكرية.

وسقط جرحى خلال المواجهات، حيث قالت وسائل إعلام مقربة من المحافظ راجح باكريت، إنه زار جرحى من "رجال الأمن" أصيبوا خلال تلك المواجهات، واصفة المسلحين القبلييين بـ"الخارجين عن القانون".

وحذرت قبائل المهرة، في بيان لها عقب الاشتباكات، القوات السعودية من التصعيد و"محاولة السيطرة على مديريات وقرى المحافظة، ونشر جنود سعوديين أو مليشيات تابعة لها"، معتبرة ذلك "تعدياً وتحدياً واضحاً" لإرادة أبناء المهرة وفرض أجندة السعودية بالقوة.

وطالب بيان قبائل المهرة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بـ"إقالة محافظ المهرة راجح باكريت، وعدم السماح للسعودية بالتوسع في المحافظة".

احتجاجات مستمرة

تشهد محافظة المهرة التي حافظت على استقرارها بعد تدخل التحالف العربي، منذ أبريل الماضي، اعتصامات سلمية للمطالبة بخروج القوات السعودية والإماراتية من المهرة، وتسليم منفذي شحن وصيرفت وميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي للقوات المحلية، والحفاظ على السيادة الوطنية.

وتكتسب المهرة أهمية بالغة؛ حيث تعد ثاني أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة بعد حضرموت، ويوجد فيها منفذان حدوديان مع عمان هما صيرفت وشحن، وأطول شريط ساحلي يمني مطل على بحر العرب يقدر طوله بـ560 كيلومتراً، وفيه ميناء نشطون.

ووصلت قوات سعودية إلى المهرة نهاية 2017، على الرغم من أنها كانت بعيدة عن الصراع ولم تصل إليها مليشيا الحوثيين، كما قامت تلك القوات بمنع حركة الملاحة والصيد في ميناء نشطون، وحولت مطار الغيضة الدولي إلى ثكنة عسكرية ومنعت الرحلات المدنية من الوصول إليه.

استخفاف وسياسة "قذرة"

واتهم عضو اللجنة الإعلامية لاعتصام المهرة، علي مبارك بن محامد، السعودية بالتنصل من اتفاق تسليم منافذ محافظة المهرة البرية والبحرية والجوية شرقي البلاد إلى قوات الأمن اليمنية، قائلاً إن ذلك "يعكس إصرارها على تكريس نفوذها".

وأضاف لـ"الخليج أونلاين" أن السعودية تتعامل مع احتجاجاتهم  بـ"استخفاف"، مشيراً إلى أنها تمارس سياسات وصفها بـ"القذرة تحت غطاء سلطة المحافظ الذي فرضته على الرئيس هادي".

مليشيا وجماعات مسلحة

ودفعت الأحداث خلال العامين الأخيرين كلاً من السعودية والإمارات إلى اللجوء للمليشيا المسلحة أو القبائل لاستعطافهم واستخدامهم في الصراع داخل المهرة، وللتأثير على النفوذ العُماني فيها.

وتملك عمان الكثير من المؤيدين لها في أوساط القبائل، وفي مقدمتهم وكيل المحافظة السابق الشيخ علي سالم الحريزي، الذي أقيل في وقت سابق من منصبه بسبب تزعمه للاحتجاجات المناهضة للقوات السعودية.

أما السعودية والإمارات فقد اعتمدت على قوات الأمن والجيش الخاضعة لسيطرة المحافظ باكريت، الذي تكررت زياراته بشكل كبير إلى الرياض في أوج الاحتقان داخل المهرة، إضافة إلى مليشيا مسلحة تم استحداثها مؤخراً

وتلك المليشيا المسلحة أطلق عليها اسم "قوات الحماية الخاصة والطوارئ بالمهرة"، والتي تتخذ من مركز الشباب والرياضة في المهرة مقراً لها.

ووفقاً لمصادر "الخليج أونلاين"، فإن أفراد القوات كانوا من ثلاث محافظات (لحج، أبين، شبوة)، تحت قيادة شخص مقرب من السلفي المثير للجدل المقرب من دولة الإمارات والمحال من الحكومة الشرعية للتحقيق، هاني بن بريك.

وبحسب المصادر، فإن تلك القوة يتجاوز عددها 3 آلاف فرد، ويجري تدريبهم وتجهيزهم بوتيرة عالية، من أجل نشرهم في المناطق المهمة في المهرة، والسيطرة عليها خارج إطار قوات الحكومة الشرعية.

وحذر كلشات، في تصريح نقله عنه موقع "الجزيرة نت"، من أن تلك القوات تهدد السلم الاجتماعي، ووجودها قد يسبب صداماً مع رجال القبائل، الذين سبق أن أدانوا ورفضوا أي وجود عسكري.

وأضاف: "محاولة استنساخ التجربة السيئة للأحزمة الأمنية في عدن ونقلها إلى المهرة بطريقة سياسية مباغتة، وإيهام أبناء المحافظة أن التجنيد والقيادة سيكونان لهم، ما هو إلا ذر للرماد على العيون".

وتملك الإمارات أحزمة أمنية سيئة الصيت في المحافظات الجنوبية، ويطلق عليها أسماء مختلفة، مثل: الحزام الأمني، والنخبة الشبوانية، والنخبة الحضرمية، وتتهم بارتكاب أعمال قتل واعتقالات وتصفية بحق معارضين.

صراع إماراتي سعودي لتقويض دور عُمان

ظلت محافظة المهرة بعيدة عن الحرب الدائرة في بقية مناطق اليمن منذ مارس 2015، وبالرغم من عدم وجود الحوثيين فيها فقد خططت الإمارات منذ وقت مبكر للسيطرة عليها، وقد استثارت الخطوات التي قامت بها أبوظبي كلّاً من المجتمع المحلي وسلطنة عمان، التي تتمتع بنفوذ مترسخ في هذه المحافظة.

بعد فشل الإمارات تسارعت خطوات السعودية للسيطرة على المهرة؛ بعد إرسالها قوات عسكرية تابعة لها سيطرت على المنافذ البرية والجوية والميناء الرئيسي في هذه المحافظة، وأبدت إصراراً على البقاء في هذه المحافظة برغم ممانعة بعض أبناء المهرة وتنفيذهم اعتصامات رافضة لوجودها، وبدلاً من ذلك كثفت الرياض من أدواتها السياسية والإنسانية والخدمية وحضورها العام في المحافظة.

وفي المقابل، استنهضت سلطنة عمان نفوذها وأدواتها لمواجهة الوافدين الجدد إلى فنائها الغربي، وقد تولد عن ذلك تنافس حاد بين تلك الأطراف، حيث تدفع كل منها- بما تملك من أدوات ناعمة وخشنة- في هذا التنافس.

في حين أسهمت التطورات الإقليمية الأخيرة في تأكيد الأهمية المتزايدة للمهرة بالنسبة للأمن القومي السعودي، فقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن الصواريخ والطائرات دون طيار التي يطلقها الحوثيون باتجاه مناطق مختلفة في السعودية يمكن أن يكونوا قد حصلوا عليها من خلال التهريب عبر هذه المحافظة.

قد يكون هذا الأمر هو ما دفع الرياض إلى الاهتمام بهذه المحافظة وإرسال قوات وتعزيزات عسكرية تابعة لها، لكن الكثيرين رأوا أن الاهتمام السعودي يعود إلى تنافسها مع الإمارات؛ فسيطرة أبوظبي على المحافظات الجنوبية وسواحل اليمن الشرقية والغربية والجزر والمواني البحرية والجوية ربما هي ما دفعت السعودية لوضع يدها وبسط سيطرتها العسكرية على هذه المحافظة.

وهناك من يرى أن الاهتمام السعودي بمحافظة المهرة يعود إلى حاجتها الاستراتيجية لمد أنبوب لنقل النفط عبر أراضي هذه المحافظة وتصديره من أحد موانيها على المحيط الهندي، وهذا مطلب سعودي قديم.

بدورها، تنظر الإمارات إلى محافظة المهرة باهتمام كبير؛ فالسيطرة عليها تمثل استكمالاً لسيطرتها على المحافظات الجنوبية والسواحل الشرقية، التي تتميز بموانيها وخلجانها وثرواتها البحرية، كما أن موقعها الجغرافي واتصالها بالمحيط الهندي يسهِّل من التواصل التجاري مع دول شرق القارة الأفريقية، وشرق وجنوب شرق آسيا.

كما أن ملاصقة المهرة لعُمان يوفر لأبوظبي فرصة للتحرش بسلطنة عمان ومحاولة إقلاق أمنها، وتكثيف الضغوط عليها.