سياسة وأمن » حروب

طائرات اليمنيين المسيرة .. هل تقف الرياض وأبو ظبي عاجزتين؟

في 2019/05/28

عماد حسن- DW- عربية-

تحتل السعودية المركز الأول عالمياً في شراء الأسلحة بمختلف أنواعها، فيما جاءت الإمارات في المركز السابع. على الرغم من ذلك وبطائرات مسيرة قد لا تتجاوز تكلفتها 3000 دولار أصاب الحوثيون العمقين السعودي والإماراتي.

تصعيد خطير قامت به جماعة "أنصار الله" الحوثية اليمنية بعد إطلاقها لهجمات بطائرات مسيرة على السعودية. كان الحوثيون قد أعلنوا مسؤوليتهم عن هجوم بطائرات مسيرة ملغومة الأسبوع الماضي على منشآت نفطية في السعودية. وقالت الجماعة بعدها إن إحدى طائراتها المسيرة استهدفت مستودعاً للأسلحة في مطار نجران بالمملكة العربية السعودية، ما أسفر عن نشوب حريق في المكان.

تغيير لقواعد اللعبة

يرى اللواء طيار مأمون أبو نوار، الخبير العسكري الأردني، أن استهداف الحوثيين لأهداف في العمقين السعودي والإماراتي "أمر خطير للغاية وتحول استراتيجي يغير من قواعد اللعبة الحالية"، مضيفاً أن "الرسالة التي أوصلها الحوثييون هي أن هذه الدول لم تعد آمنة ما سيؤثر بالتأكيد على الاستثمار فيها، خاصة أن الهجمات وصلت للعمق. كما أن دقة إصابة الأهداف كانت مرتفعة للغاية بما يسمى عامل مضاعفة القوة بالتعبير العسكري، بمعنى أنه بدلاً من إرسال عدة طائرات لتنفيذ مهمة عسكرية يتم إرسال طائرة مسيرة صغيرة تصيب الهدف بدقة وبأقل تكلفة".

ويشير أبو نوار إلى أن الأهداف كانت متعلقة بالبنية التحتية ما ضاعف من حجم القلق الناتج عن هذه العمليات والتي قد تتطور لاحقاً لتصل إلى محطات الاتصالات ومضخات المياه. وأكد الخبير العسكري الأردني أن الطائرات المسيرة رغم صغر حجمها وتكلفتها المنخفضة قد تسبب أضراراً هائلة.

وكان التحالف العسكري الذي تقوده السعودية قد قال إن الحوثيين حاولوا استهداف منشأة مدنية في مدينة نجران بطائرة محملة بمتفجرات. وأضاف التحالف أن قوات الدفاع السعودية اعترضت صواريخ بالستية أطلقت صوب مكة، فيما نفى الحوثيون القيام بذلك. وأعلن الحوثيون أنهم قد يهاجمون 300 هدف عسكري حيوي في السعودية والإمارات واليمن.

ترسانة هائلة من الأسلحة.. والمحصلة؟

وفق تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري" عن عمليات بيع وشراء السلاح بين عامي  21014 و2018، احتلت السعودية المركز الأول عالمياً فيما احتلت الإمارات المركز السابع في واردات السلاح.

لكن وعلى الرغم من هذه الترسانة الهائلة من السلاح بمختلف أنواعه، استهدف الحوثيون خلال سنوات الحرب مراراً مدناً ومرافق حيوية سعودية معظمها في مناطق حدودية. لكن بعض الهجمات وصل إلى العاصمة الرياض. ورغم استمرار الهجمات على المناطق الحدودية السعودية تجنب الحوثيون استهداف المدن الكبرى أو مشروعات البنية التحتية.

ويقول العميد ركن دكتور صبحي ناظم توفيق، الخبير العسكري والاستراتيجي العراقي، لـDW عربية إن السعودية لديها صواريخ باتريوت إضافة إلى أسلحة مقاومة الأهداف الجوية الأخرى ومن المفترض أن يكون باتريوت فعال في مثل هذه الحالات سواء للطائرات المسيرة أو الطائرات التقليدية أو الصواريخ قصيرة المدى وحتى الصواريخ البالستية.

ويضيف ناظم أن هذا الأمر صحيح من حيث الأساس النظري، ولكن عملياً فإن السعودية دولة ذات مساحة هائلة ويصعب تغطيتها كلها أو حتى نصفها بالباتريوت، لأن المدى الأقصى لتلك الصواريخ 84 كيلومتراً فقط. فإذا كانت السعودية بهذ الاتساع، سيتطلب الأمر عدداً مهولاً من منصات إطلاق الباتريوت لتغطي كل المملكة وهذا أمر يصعب تنفيذه. 

وأشار الخبير العسكري العراقي إلى أن "محطات ضخ البترول التي ضربت قبل أسبوعين كانت قرب الرياض وهي العاصمة ومنطقة الحكم وقد تصل مساحتها إلى نحو 400 كيلومتر مربع، وهذه المساحة غالباً لم تكن مغطاة بمنصات باتريوت، ما مكن الحوثي من استهداف خطوط البترول دون اعتراض".

لكن العميد ركن دكتور صبحي ناظم توفيق يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فيقول إن "المسافة بين صنعاء والرياض 1100 كيلومتر وأنه لا يمكن للحوثي حتى لو امتلك أفضل أنواع الطائرات المسيرة في العالم حالياً أن يسيرها كل هذه المسافة من محطة أرضية. لكن الأقرب للمنطق أن ما استهدف محطة الضخ السعودية ربما يكون صاروخ كروز وليس طائرة مسيرة، والذي يمكن السيطرة عليها لمسافة 200 كيلومتر".

أضاف أن "الأوقع في هذه الحالة أن يتم تسيير الطائرة والتحكم بها من خلال طائرة تحلق في الأجواء مثل (الأواكس) أو (إي تو) الأمريكية أو طائرة روسية. فهل يمتلك الحوثيون مثل هذه الطائرات؟ وهل يمكن أن تترك الولايات المتحدة طائرة بهذه القدرات تحلق في المنطقة بل وفوق السعودية؟ هذه أمور يصعب تصورها إلا في حال وجود طائرات تجسس واستطلاع إلكتروني إيرانية يمكنها حمل أجهزة التوجيه والسيطرة على الطائرات المسيرة".

سلاح رخيص لكنه فعال

تتراوح تكلفة الأنواع المختلفة من الطائرات المسيرة ما بين 300 و3000 دولار تقريباً. وتختلف فيما بينها بحسب قدرتها على حمل الأوزان المختلفة وكذلك مدى الطيران. ويصنف اللواء طيار مأمون أبو نوار الطائرات المسيرة التي ظهرت موخراً في الشرق الاوسط كما يلي:

العاصف وأبابيل: وهما صناعة إيرانية وهي غالباً للاستطلاع والتصوير والمراقبة

القاصف: وهي طائرة مسيرة موجهة للأفراد تنفجر فوق الهدف بما لا  يقل عن 50 قدم وهي دقيقة للغاية

صماد 3 : وهي التي ضربت مطار أبو ظبي، ولا توجد عنها تفاصيل كافية في الوقت الحالي. ويقول أبو نوار: "بحسب حجم التفجير الذي وقع في مطار أبو ظبي والذي شاهدت الفيديو الخاص به، يمكنني القول إن حمولة هذه الطائرة قد تصل الى 150 كيلوغراماً".

ويرى الخبير العسكري الأردني أنه في مقابل السعر الزهيد للطائرة المسيرة، فإنها سلاح فعال للغاية في مقابل مليارات من مشتريات السلاح السعودية والإماراتية التي لم تتمكن من صدها بشكل كامل. كما أن كلفة إصابة الهدف أو "Cost per kill" منخفضة للغاية في حالة الطائرات المسيرة، التي يمكنها مثلاً استهداف محطة رادار فتعطلها تماماً، وهو ما يمكن أن يحدثه صاروخ باتريوت تتراوح سعر منصته ما بين مليون وستة ملايين دولار".

حرب إيرانية بالوكالة؟

يُنظر إلى الصراع في اليمن على أنه حرب بالوكالة بين السعودية وإيران. وينفي الحوثيون، الذين يسيطرون على أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في اليمن، أنهم دمى في يد إيران ويقولون إن ثورتهم ضد الفساد. وتتهم الرياض وأبو ظبي إيران بتسليح الحوثيين، الأمر الذي تنفيه الجماعة وطهران.

ويرجح العميد ركن دكتور صبحي ناظم توفيق، الخبير العسكري والاستراتيجي العراقي، أن تسفر عمليات الحوثي الأخيرة عن تصعيد لمستوى الحرب في اليمن وليس العكس، "ذلك أن امتلاك الحوثي لمثل هذا السلاح واستخدامه مرة أو مرتين في الشهر لا يجبر دولاً كالسعودية والإمارات والتحالف العربي على الجلوس مع الحوثي في المفاوضات، خاصة أنه حتى الآن يوجد هناك نوع من توازن الرعب بين الطرفين بحيث لا يستطيع أي طرف إجبار الطرف الآخر على الجلوس إلى مائدة المفاوضات وفرض الشروط".

الأمر نفسه يتفق معه اللواء طيار مأمون أبو نوار والذي أضاف أنه "من الوارد جداً أن تقوم إيران في الوقت الحالي باختبار أسلحتها الجديدة بأيد الحوثيين في الصراع الدائر في اليمن، وليس أدل على ذلك من الطائرات المسيرة التي تشير كل الدلائل إلى أنها واردة من إيران"، مشيراً إلى أن "تجريب الأسلحة خلال الحروب أمر متعارف عليه منذ عقود وحدث في العديد من الحروب السابقة".