الخليج أونلاين-
بعد عامٍ من شكوى تقدمت بها الحكومة اليمنية إلى مجلس الأمن الدولي، اعتبرت فيها الوجود الإماراتي في جزيرة سقطرى عملاً عسكرياً غير مبرر، أعلنت الإمارات التقليص التدريجي لقواتها المشاركة إلى جانب السعودية في اليمن.
ومنذ مذكرة الحكومة اليمنية التي أرسلتها في مايو 2018، شهدت عدة محافظات؛ منها سقطرى والمهرة وشبوة، وجوداً عسكرياً مكثفاً لتشكيلات ما يسمى بـ"النخبة والحزام الأمني"، التي تدعمها الإمارات، إلى جانب بروز توتر كبير بين الجيش اليمني وكتائب "أبو العباس" في تعز، المدعومة من أبوظبي.
وقبل إعلان الإمارات تقليص وجودها في اليمن حاولت التشكيلات العسكرية التي تدعمها السيطرة على ميناء سقطرى، بعد رفض السلطة المحلية تفريغ شحنة عسكرية تحملها سفينة إماراتية، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين "النخبة" والأجهزة الأمنية والعسكرية في الجزيرة، وبعدها اشتبكت التشكيلات العسكرية نفسها مع الجيش اليمني في محافظة شبوة النفطية؛ التي شهدت فيها أنابيب النفط عدة تفجيرات في مناطق تسيطر عليها "النخبة".
مسمار جحا
هذه الحقائق تدفع الرأي العام اليمني إلى استنتاج أن الإمارات عملت على تقوية شوكتها في المحافظات التي تتركز فيها الثروات، قبل إعلان سحب بعض قواتها من اليمن، ومن ثم كشف الإعلان الإماراتي الغطاء عن أكثر من 80 ألف مُجنّد لا يتبعون الحكومة اليمنية جهزتهم أبوظبي، بدأت الفوضى تتحرك في أماكن وجودهم بداية من سقطرى، ثم شبوة.
ويوم الخميس (11 يوليو)، تسلمت قوات سعودية موانئ وسواحل، في حين وجهت الرياض الحكومة اليمنية بتسليم آليات عسكرية لمليشيا موالية لأبوظبي بسقطرى، بحسب قناة "الجزيرة".
ويرى المحلل العسكري عبد الوهاب السامعي، أن أقدام الإمارات لا تزال مترسّخة على طول الشريط البحري من الساحل الغربي إلى حضرموت شرقاً، سواء عبرها أو عبر مليشياتها، مضيفاً: "ومن ثم فالحديث عن تقليص الوجود لا يبدو مقنعاً، فمسمار جحا باقٍ في اليمن".
وأوضح السامعي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن المتأمل في الخريطة الجيوسياسية التي رسمتها الإمارات في اليمن يعرف بوضوح أنها لن تغادرها دون قرار حكومي، أو ثورة شعبية، وكلا الخيارين تدفع باتجاههما التطورات منذ أكثر من عام، حسب قوله.
وتساءل عن حجم القوات التي سحبتها الإمارات، وحجم المليشيا التي زرعتها في اليمن، مؤكداً أن ما أنشأته من معسكرات وتكوينات عسكرية في اليمن "يفوق مرات مضاعفة عدد قواتها الموجودة، ومن ثم يجب ألا يُؤخذ أمر الانسحاب أو التقليص في الحسبان".
سيطرة على الثروة والموانئ
وتابع السامعي: "بالدرجة الأولى يجب أن تقلص حجم التحديات العسكرية والأمنية التي خلفتها في سقطرى وشبوة وحضرموت وعدن وتعز ومناطق أخرى، وتعمل مع الحكومة على إنهاء أي وجود مسلح خارج المؤسسة العسكرية الرسمية".
واتفق السامعي مع الطرح الذي يربط إعلان الإمارات سحب بعض قواتها بتوقف العمليات العسكرية في الساحل الغربي، والذي يقول إن الإمارات كانت تطمح إلى السيطرة على موانئ الحديدة عسكرياً، وتسخرها لمصالحها كما حدث مع عدة موانئ ومطارات ومواقع أخرى.
وتبدو واضحة خريطة وجود الإمارات، والقوات التي أنشأتها تمتد فعلياً من الحديدة غرباً، إلى حضرموت في الشرق، وهي مناطق السواحل والموانئ والمطارات، وجميعها مواقع حيوية، أدى الوجود الإماراتي فيها دوراً كبيراً في بقاء مؤسسات الدولة بعيدة عن واقع احتياجات المواطنين، كما أبقت الدولة نفسها خارج البلاد.
الإمارات تخسر
ولفتت الرؤية الأخرى المتعلقة بتقليص الإمارات وجودها في اليمن الانتباه إلى التطورات الإقليمية في المنطقة، والحوادث التي تعرضت لها السفن في خليج عمان، والإمارات، إلى جانب السمعة السيئة التي خلّفتها أبوظبي داخل اليمن وخارجه، ومن ثم كانت بحاجة إلى تغيير سياستها.
وتوقع الباحث في العلاقات الدولية، عادل المسني، أن تخسر الإمارات على مختلف الأصعدة، حيث تواجه رفضاً شعبياً واسعاً لسياساتها الاستفزازية، وهذا يدفعها نحو الشعور بخيبة الأمل.
ومثلت انتفاضة أهالي سقطرى، بحسب ما يرى المسني، مرحلة انتقال بالصراع الذي كان يدور في مستويات خفية إلى الواجهة، ودخل الشارع الغاضب على الخط بما أربك أجندتها.
يقول المسني في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إن خلق تراكمات الفشل في إدارة المناطق المحررة نتيجة تسليم السعودية الملف كاملاً للإمارات جعل الوضع معقداً ومكلفاً للمملكة؛ خاصة مع توسع العمليات النوعية للضربات الحوثية التي تحمل رسائل إقليمية لها علاقة بالصراع مع إيران.
وأكد أن الدور الإماراتي في اليمن لم يعد مرغوباً، موضحاً: "بينما دعمت السعودية انعقاد مجلس النواب في سيئون، تحاول الإمارات منع انعقاده في عدن، فضلاً عن التصعيد العسكري في شبوة، والدفع بقوات الحزام الأمني لتفجير الأوضاع، ومحاولة السيطرة على مراكز الغاز والنفط".
خوف السعودية
وتعقيباً على الطرح المتعلق بإعلان الإمارات تقليص وجودها في اليمن لمخاوف إقليمية؛ أشار المسني إلى أن الإمارات لا تريد الدخول في مواجهة مع إيران، بل تتطلع إلى أداء دور إقليمي، وهي ترى أن المملكة بحجمها وإمكاناتها تقف عقبة أمام هذا الطموح، ولذا –يقول المسني- نجد أن الإمارات عملت على إغلاق الجنوب أمام السعودية والشرعية وتضييق خياراتهما.
ويرى في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن عملية الربط بين الفشل في تطبيع العلاقات مع الشرعية المترافق مع تزايد الاستياء الشعبي، وارتفاع وتيرة التحديات التي تواجه المملكة في الشمال؛ ولّد نقطة خلاف مع السعودية التي بدأت تشعر بخطورة التحولات وأثرها المباشر في أمنها القومي.
ويتابع المسني حديثه قائلاً: "مع ارتفاع وتيرة التوتر مع إيران، وازدياد الاهتمام بتشكيل تحالفات، تعلن الإمارات الانسحاب، في خطوة واضحة للابتزاز من ناحية، وتنصل من استحقاقات التصعيد والمواجهة مع إيران، بحيث تبدو السعودية معزولة وحيدة كالأيتام على مأدبة اللئام".
ولم يرُق الإعلان الإماراتي عن تقليص الوجود العسكري في اليمن لكثير من اليمنيين الذين يتطلعون إلى معالجة المشاكل التي خلقتها أبوظبي من جذورها، بما يسمح للحكومة والرئيس بالعودة إلى البلاد، واستئناف نشاط كافة المؤسسات على كل الأرض اليمنية بقرار يمني خالص.