جيمس دورسي - مركز بيغن السادات للدراسات-
يبرز قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بالانسحاب من اليمن اهتمامها بمكانتها الدولية، وسط انتقادات متزايدة للخسائر التي خلفتها الحرب من المدنيين، كما يسلط القرار الضوء على قناع أبوظبي بأن الدعم الراسخ من قبل إدارة "ترامب" قد لا يكون كافيا لحماية حلفائها من الأضرار الكبيرة التي قد تلحق بسمعتهم.
لكن الانسحاب لن يؤثر على عزم الإمارات على احتواء إيران والقضاء على الإسلام السياسي، ويمكن النظر إلى ذلك من خلال مشاركة الإمارات المستمرة في الحرب الأهلية الليبية، ودعمها لـ"خليفة حفتر"، وكذلك دعمها للجيش السوداني المستبد، والرؤساء الديكتاتوريين مثل الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي".
وفي حين سحبت الإمارات الجزء الأكبر من قواتها من المناطق الرئيسية في اليمن، لكنها تترك وراءها القوات المحلية المدربة إماراتيا، التي من المفترض أن تواصل العمل هناك، علاوة على ذلك، لم يكن الانسحاب بنسبة 100%، حيث تحتفظ الإمارات بقاعدة "المكلا" لأجل عمليات مكافحة الإرهاب.
ويهدف التزام الإمارات بسياسات حازمة إلى ضمان استمرار ثقل تلك الدولة الصغيرة الذي يفوق وزنها، ويتضح ذلك أيضا في تواجدها التجاري والعسكري في سلسلة من الموانئ في اليمن، وكذلك في القرن الأفريقي، وكذلك خطها المتشدد نحو قطر وتنافسها المرير مع تركيا.
وكجزء من صورتها الإقليمية والدولية، تحرص الإمارات على الحفاظ على مكانتها كنموذج أمام الشباب العربي وأن تكون بلد الإقامة المفضل.
وتتناقض صورة الإمارات بشكل صارخ مع صورة المملكة العربية السعودية، التي تضم مكة والمدينة، أقدس مدينتين في الإسلام.
وقد أدت سياسات ولي العهد "محمد بن سلمان"، بما في ذلك الحملة على النقاد المحليين، والحرب في اليمن، إلى نداءات محرجة من قبل علماء إسلاميين بارزين لمقاطعة "الحج" إلى مكة، أحد أركان الإسلام الخمسة.
وعن قصد أو غير قصد، يترك هذا الانسحاب السعودية و"بن سلمان"، المحرض الرئيسي على الحرب المستمرة منذ أكثر من 4 أعوام والتي أشعلت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، في مأزق.
وعلى الرغم من اختلاف أهدافها في اليمن، عانت سمعة الإمارات أيضا من جراء قصف أهداف مدنية نفذتها إلى حد كبير القوات الجوية السعودية وليس القوات الجوية الإماراتية.
وقد ركزت السعودية، التي تعمل أساسا في الشمال، على مواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الذين يتمركزون على حدود المملكة، في حين دعمت الإمارات الانفصاليين اليمنيين الجنوبيين، واستهدفت الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين.
تزايد الخلافات
ومع الانسحاب، قد تصبح الخلافات بين الإمارات والسعودية أكثر وضوحا، لكنها لن تعرض التحالف بين البلدين للخطر، وكانت الاختلافات حاضرة دوما في الماضي، لكن السعودية والإمارات تمكنتا من إدارتها.
وكانت خلافاتهما واضحة في الأسابيع الأخيرة مع امتناع الإمارات، على عكس السعودية، عن إلقاء اللوم على إيران في الهجمات على ناقلات النفط في خليج عمان.
وأوضحت رسائل البريد الإلكتروني المسربة، التي تخص "يوسف العتيبة"، سفير الإمارات المؤثر في واشنطن، استراتيجية الإمارات المتمثلة في العمل من خلال السعودية لتحقيق أهدافها الإقليمية.
وبالمثل، فشلت الاختلافات حول مفهوم الإسلام بين البلدين في هز تحالفهما، على الرغم من الاستبعاد المهين للتيار المحافظ المدعوم من السعودية في مؤتمر تم عقده برعاية الإمارات في العاصمة الشيشانية غروزني.
ويعد التحالف عنصرا أساسيا للثورة المضادة التي يقودها البلدان، والتي تهدف إلى الحفاظ على الوضع الاستبدادي في المنطقة، في مواجهة ما يقرب من 10 أعوام من الثورات الشعبية والاحتجاجات العامة والحروب الأهلية.
وتأتي الثورة المضادة مدفوعة برغبة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" ونظيره الإماراتي ولي العهد "محمد بن زايد" في تشكيل منطقة الشرق الأوسط في قالب محدد.
وكانت الإمارات، وليست السعودية، هي التي دفعت باتجاه مقاطعة قطر، حيث كان الملك السعودي "سلمان" وابنه "محمد" يمدان أيديهما في البداية إلى جماعة "الإخوان المسلمين" المدعومة من قطر، حين وصلا إلى السلطة عام 2015.
وبعد مرور 4 أعوام، من غير المرجح أن تقوم المملكة بالتحول من جديد، لكنها قد تكون أقل حدة تجاه الجماعة من الإمارات.
وفي الوقت الذي قد يكون فيه الاستعداد لصراع محتمل مع إيران هو المحرك الرئيسي للانسحاب الإماراتي، فمن غير المرجح أن يحمي ذلك الإمارات من الضرر الذي قد يلحق بسمعتها نتيجة لتورطها في ليبيا والسودان، وكذلك حملة القمع الصارمة ضد المعارضة في الداخل.
ويعتقد أن القوات العسكرية التابعة لـ "حفتر"، المدعومة إماراتيا، هي المسؤولة عن القصف الأخير لمركز احتجاز للمهاجرين الأفارقة في العاصمة الليبية طرابلس، والذي أسفر عن مقتل 40 شخصا وجرح 80 آخرين.
وقد جاء التفجير في أعقاب اكتشاف صواريخ إماراتية الصنع في إحدى قواعد "حفتر" العسكرية، معبأة في حاويات للشحن قيل إنها تنتمي إلى "القوات المسلحة الإماراتية". وقد نفت الإمارات ذلك.
ومن المحتمل أن يساعد انسحاب الإمارات من اليمن في تجنب الدعوات إلى فرض حظر على بيع الأسلحة لأبوظبي.
ومع ذلك، فقد تثبت ليبيا أنها "كعب أخيل" الإمارات.
وقال "روبرت مينينديز"، كبير الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو": "أنت بالتأكيد تعي جيدا أنه إذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فربما يلزمك القانون بإنهاء جميع مبيعات الأسلحة إلى الإمارات".