الخليج أونلاين-
بعد خمس سنوات من بدء الحرب في اليمن، عقب انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية، أخذت الانقسامات العميقة في المعسكر المعادي للحوثيين طابعاً دموياً في جنوب البلاد، بدأت بالسيطرة على العاصمة المؤقتة عدن من قبل قوات محلية انفصالية موالية للإمارات، في وقتٍ تمضي للسيطرة على باقي مناطق الجنوب.
ورغم أن الانفصاليين الجنوبيين وقوات الرئيس اليمني حليفان اسمياً في إطار التحالف الذي يقاتل الحوثيين منذ مارس 2015، فقد اتضح في العامين الأخيرين أن أهدافهما متعارضة، خصوصاً تلك القوات التي تقاتل تحت قيادة ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي مولته أبوظبي لتحقيق أهدافها وإخضاع الحكومة الشرعية في اليمن.
ومع تصاعد التطورات في الجنوب اليمني ظهرت جلياً الشخصية المهزوزة للرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته الشرعية، التي لم يعد يثق بها اليمنيون، ما قد يوضح حقيقة ما يجري من تحركات في أروقة التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات للإطاحة بهما.
هادي والحكومة!
يوم الاثنين (19 أغسطس 2019) نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر رسمية حكومية يمنية أن ثمة مقترحاً طُرح مؤخراً بهدف تشكيل حكومة جديدة تضم "المجلس الانتقالي الجنوبي"، مشيرة إلى أن التحالف يؤيد ذلك المقترح.
كما نقلت عن مسؤول قوله إن الرئيس اليمني بات "لا يتمتع بقاعدة سلطة شخصية، كما فقد الحظوة لدى الإمارات، عضو التحالف، منذ فترة طويلة بسبب الخلافات فيما بينهما، ما قد يدفع التحالف إلى تحييده إذا ما اختير نائب جديد له".
وأضاف المسؤول اليمني: "هادي عاجز عن إدارة اليمن بسبب سنه وحالته الصحية، وهو لا يثق بأحد، وهذا يجعل الأمور صعبة في وقت حرج".
وتابع: "أحد الخيارات التي يجري بحثها يتمثل في نقل صلاحيات رئاسية إلى نائب جديد للرئيس ليصبح هادي، البالغ من العمر 73 عاماً ويقيم في الرياض، شخصية رمزية فقط".
هل أصبح هادي مشكلة؟
كانت ولا تزال خلافات الرئيس اليمني مع دولة الإمارات على رأس الأسباب المانعة لعودة الشرعية فعلياً وعملها من داخل البلاد، وهو ما مكن القوات الموالية لأبوظبي من فرض سيطرتها على المحافظات الجنوبية.
ورغم أن شرعية هادي تحظى بدعم عسكري وسياسي ومالي من السعودية، فإن قدراتها العسكرية قليلة مقارنة بالقوات الأخرى التي تتلقى تسليحها الكبير بمختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة من الإمارات، الشريك الرئيسي في التحالف، وهو ما مكنها فعلياً من فرض سيطرتها على عدن.
ويرى مصدر مقرب من الحكومة، طلب عدم ذكر اسمه، أن الرئيس اليمني لن يتم الاستغناء عنه، لكن سيتم الإبقاء عليه حفاظاً على استمرار وجود التحالف.
وأضاف، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن التحالف يرى أهمية بقاء هادي في رئاسة اليمن، لكن ليس بصلاحياته الكاملة، "حتى لا يصبح وجود التحالف باليمن غير شرعي مع رحيل هادي".
وتعليقاً على ما نقلته وكالة "رويترز"، أشار المصدر إلى أن التحالف يرغب بوجود حكومة هزيلة ونائب يكون له القرار الأول، لكنه سيتبع توجيهات أبوظبي والرياض بشكل مباشر، على عكس هادي الذي كان يعارض أحياناً تلك التوجيهات، وكان نداً مباشراً للإمارات.
السعودية تخذل الشرعية
وسبق أن نقلت تقارير صحفية عن مصدر حكومي يمني قوله إن الرئيس اليمني كان بصدد اتخاذ إجراءات صارمة بعد اليوم الأول للاشتباكات في عدن جنوبي البلاد، في 10 أغسطس، إلا أن السعودية تدخلت وطلبت مهلة لإنهاء الأحداث.
وأورد المصدر الحكومي اليمني أن الإجراءات التي كان سيتخذها الرئيس هادي ضد الإمارات قاسية، ومنها طردها من التحالف بقيادة السعودية ومن اليمن مع كامل قواتها، وتقديم شكوى رسمية ضدها في مجلس الأمن لدعمها انقلاباً والعمل على فصل اليمن وتقسيم أراضيه.
وقال المصدر - وفقاً لتقارير صحفية- إن السعودية طلبت من الرئيس هادي، منذ أول يوم للأحداث، منحها خمسة أيام لإنهاء الانقلاب في عدن وإعادة الأمور إلى طبيعتها.
لكن تلك المهلة كان هدفها الرئيسي إعطاء الوقت الكافي للقوات الموالية للإمارات لإسقاط العاصمة المؤقتة عدن، والدخول في مفاوضات من مصدر قوة، وهو ما حدث فعلياً بعدما سقطت عدن خلال 4 أيام، بحسب سياسيين يمنيين.
الرياض تفشل أمام أبوظبي
ويؤكد الباحث في العلاقات الدولية عادل النسيري، أن ما أسماها بـ"الحلول الترقيعية والمعالجة السعودية لأحداث عدن، لم تكن مقنعة لأحد، بل على العكس زادت لدى البعض مستوى جديداً من الإحباط واليأس".
وأشار النسيري، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى تصريحات وزير الخارجية اليمني السابق عبد الملك المخلافي، الذي قال في تغريدة له على "تويتر"، إن التحالف الذي تقوده السعودية منذ مارس 2015 "يُفقد الثقة به".
ويضيف النسيري: "التسوية جنوب اليمن معقدة، ولا تملك السعودية خيارات كثيرة للمبادلة، ولذلك إما أن تمضي باتجاه الحفاظ على الانتقالي الجنوبي، الذي يعمل على فرض أمر واقع وتثبيت سلطاته واستكمال طرد أنصار هادي من بقية المحافظات الجنوبية بدعم من أبوظبي، كما يحدث اليوم في أبين، أو إجراء تسوية شكلية تسمح بوجود محدود لحكومة هادي في بعض الأبنية في عدن ودون قوات عسكرية، وهذا يعني البقاء في أزمة ستخلق أزمات أخرى وهكذا متتاليات ".
وعن دور أبوظبي قال الباحث: "ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد نجح مرة أخرى في إقناع الملك سلمان ونجله محمد بن سلمان، خلال الاجتماع الذي عقد في مكة (11 أغسطس) لبحث انقلاب عدن في وضع الأحداث الساخنة في الثلاجة، وعدم اتخاذ أي مواقف متشددة تجاه الانفصاليين، وهو ما يفسر استدعاء الرئيس اليمني، ومنعه من إبداء أي موقف حتى الآن، وإيقافه عن توجيه خطاب قيل إنه كان يجهزه".
إلى أين يمضي جنوب اليمن؟
ويرى الباحث اليمني ناصر محمد، أن الاشتباكات والحرب الداخلية في عدن والمناطق الجنوبية هي نتيجة "طبيعية" لتجاهل الحكومة الشرعية والتحالف الذي تقوده السعودية في إيجاد حلول دائمة وشاملة للاشتباكات التي اندلعت في يناير 2018.
وأوضح، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن ما حدث أيضاً "نتيجة متوقعة لحالة التذبذب لدى الحكومة وعدم فرض سياسة وأُطر محددة لوجود التحالف في اليمن، ومتابعته ووقف التجاوزات أولاً بأول".
وأشار إلى أن الخارطة السياسية والمفاعيل المحلية والدولية في عدن، أوضحت مدى التفكك في معسكر الحكومة الشرعية "التي بدت هشة وغير قادرة على الدفاع عن مراكز قوتها في ظِل دعم أكبر تقدمه أبوظبي لحلفائها".
وتوقع الباحث اليمني وجود توافق إماراتي سعودي جديد للعمل مع المجلس الانتقالي كشريك رئيسي في الجنوب، والتخلي عن شرعية الرئيس هادي هناك تمهيداً لتحقيق الانفصال.
وأكد أن ما يحدث حالياً يعد "بمنزلة إعلان تمزق وتفتت البلد، ونشوء كانتونات تحت تسميات متعددة؛ دويلات وسلطنات وإمارات متناحرة، مع استغلال إيراني كبير للنفاذ وملء الفراغ في الجنوب وفرض سيطرتها بشكل أقوى في الشمال، إلى جانب استغلال الحركات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، للواقع الجديد في إعلان إمارات لها واستقطاب مجندين جدد".
واختتم حديثه بالقول: "هادي أصبح من الماضي لدى التحالف، وعلى اليمنيين أن يتوقعوا الأسوأ خلال المرحلة القادمة".