وكالات-
اتضح أن مليارات الدولارات التي أنفقتها السعودية على العتاد العسكري الغربي، لاسيما المصمم لردع أي هجمات على ارتفاعات عالية لم تحقق لها الندية في مواجهة صواريخ كروز والطائرات المسيرة منخفضة التكلفة التي استخدمت في شن هجوم عرقل صناعة النفط السعودية العملاقة.
فقد كشف الهجوم الذي وقع، يوم السبت، على منشآت نفطية سعودية، وقلص إنتاج المملكة إلى النصف مدى ضعف استعدادات هذه الدولة الخليجية للدفاع عن نفسها، رغم تكرار الهجمات على أصول حيوية، خلال الحرب المستمرة منذ تدخلها في اليمن، قبل أربعة أعوام ونصف العام.
وقالت السعودية والولايات المتحدة إنهما تعتقدان أن إيران، ألد خصوم المملكة، تقف وراء الهجوم على الأرجح.
والثلاثاء، قال مسؤول أمريكي إن واشنطن تعتقد أن الهجوم انطلق، من جنوب غربي إيران.
وقال 3 مسؤولين أمريكيين إن صواريخ كروز وطائرات مسيرة استخدمت فيه.
وقد نفت طهران هذه الاتهامات، وقالت إن اليمنيين المعارضين لوجود قوات بقيادة سعودية في بلادهم هم الذين نفذوا الهجوم.
كما أعلنت حركة "الحوثي" اليمنية، المتحالفة مع إيران، مسؤوليتها عن الهجوم.
ويقول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن إيران تمتلك أكبر قدرات من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز في الشرق الأوسط ويمكنها التغلب فعليا على أي دفاعات صاروخية سعودية في ضوء قربها الجغرافي ووجود الفصائل التي تعمل لحسابها على المستوى الإقليمي.
غير أن هجمات على نطاقات أصغر كان لها وطأة كبيرة في السعودية ومنها هجمات في الآونة الأخيرة قال الحوثيون إنهم شنوها بنجاح على مطار مدني ومحطات لضخ النفط وحقل الشيبة.
وقال مصدر أمني سعودي: "نحن مكشوفون. فأي منشأة حقيقية ليس لها غطاء حقيقي".
وكان هجوم الرابع عشر من سبتمبر/أيلول على معملين يتبعان شركة "أرامكو" العملاقة للنفط الأسوأ من نوعه على منشآت نفطية في المنطقة، منذ أحرق "صدام حسين" آبار النفط الكويتية خلال أزمة الخليج 1990-1991.
وقالت الشركة، الثلاثاء، إن الإنتاج سيعود لطبيعته بأسرع مما كان متصورا في البداية، غير أنه لا جدال في أن الهجوم كان بمثابة صدمة لأسواق النفط.
وقالت الرياض إن النتائج الأولية تشير إلى أن الأسلحة المستخدمة إيرانية لكن موقع انطلاقها لم يتحدد بعد.
وفي البداية تحدثت السلطات عن استخدام طائرات مسيرة في الهجوم، لكن 3 مسؤولين أمريكيين قالوا إن استخدام صواريخ "كروز" وطائرات مسيرة يشير إلى درجة من التعقيد والتطور أكبر من التصورات الأولية.
وقال محلل أمني سعودي، طلب عدم نشر اسمه: "الهجوم مثل هجمات 11 سبتمبر/أيلول بالنسبة للسعودية وسيغير قواعد اللعبة".
وتساءل قائلا: "أين نظم الدفاع الجوي والسلاح الأمريكي الذي أنفقنا عليه مليارات الدولارات لحماية المملكة ومنشآتها النفطية؟ إذا كانوا قد فعلوا ذلك بهذه الدقة فبإمكانهم ضرب محطات تحلية المياه وأهداف أكثر".
وتتمثل منظومة الدفاع الجوي الرئيسية في السعودية في نظام باتريوت بعيد المدى الأمريكي الصنع وهو منصوب للدفاع عن المدن والمنشآت الكبرى.
وقد نجح في اعتراض صواريخ باليستية على ارتفاعات عالية أطلقها الحوثيون على مدن سعودية كانت الرياض من بينها، منذ تدخل تحالف بقيادة السعودية في اليمن لمحاربة الحركة في مارس/آذار 2015.
إلا أنه في ضوء طيران الطائرات المسيرة وصواريخ "كروز" بسرعات أبطأ على ارتفاعات أقل فمن الصعب على نظام "باتريوت" رصدها في وقت مناسب يسمح باعتراضها.
وقال مسؤول خليجي كبير: "الطائرات المسيرة تمثل تحديا ضخما للسعودية لأنها تطير في كثير من الأحيان دون مستوى الرادار ونظرا لطول الحدود مع اليمن والعراق فإن المملكة مكشوفة جدا".
حملت واشنطن والرياض إيران والفصائل التي تعمل لحسابها المسؤولية عن سلسلة من التفجيرات بناقلات في مياه الخليج من بينها سفينتان سعوديتان في شهر مايو/أيار وهجمات على منشآت نفطية سعودية.
وفي ذلك الشهر، أصيبت محطتان لضخ النفط.
وتعرضت محطة محولات قرب محطة تحلية في الجنوب لهجوم خلال يونيو/حزيران.
وتسببت تلك الهجمات في أضرار محدودة، على عكس هجمات يوم السبت، على أبقيق وخريص، والتي ألحقت أضرارا بأكبر منشأة في العالم للمعالجة النفطية، وعطلت إنتاج 5.7 مليون برميل يوميا.
وقال مصدر خليجي مطلع على عمليات "أرامكو" إن النظام الأمني في أبقيق غير مثالي في مواجهة الطائرات المسيرة.
وأضاف المصدر أن السلطات تتحقق مما إذا كانت أجهزة الرادار قد رصدت الطائرات التي نفذت ضربتها في الظلام قبل الفجر.
وقال مسؤول تنفيذي بشركة غربية للمعدات الدفاعية تتعامل مع السعودية إن صواريخ "باتريوت" كانت تحمي أبقيق حتى عام مضى.
وسئل المتحدث باسم التحالف العقيد "تركي المالكي" عن سبب عدم رصد الدفاعات السعودية لهجوم يوم السبت فقال للصحفيين إن قوات التحالف اعترضت أكثر من 230 صاروخا باليستيا، وأن المملكة لديها القدرة على التصدي لكل التهديدات وحماية الأمن الوطني السعودي.
ولم يرد رد فوري من مركز التواصل الحكومي على طلب للتعليق.
وليس من الواضح ما إذا كان نظاما "أفنجرز" قصير المدى و"آي هوك" متوسط المدى الأمريكيان، ونظام "أورليكونز" السويسري قصير المدى التي تملكها السعودية تعمل في الوقت الحالي.
وقال المصدر الأمني السعودي ومصدران بالصناعة إن الرياض مدركة لخطر الطائرات المسيرة منذ سنوات وإنها تجري مباحثات مع مستشارين وشركات للوصول إلى حلول ممكنة لكنها لم تنصب أي نظم جديدة بعد.
وقال المصدر الأمني إن السلطات نقلت بطارية صواريخ باتريوت إلى حقل الشيبة النفطي بعد إصابته الشهر الماضي. وتوجد صواريخ "باتريوت" عند مصفاة رأس تنورة التابعة لـ"أرامكو".
وقال "ديف ديروش" من جامعة الدفاع الوطني في واشنطن "أغلب أجهزة الرادار التقليدية للدفاع الجوي مصممة للتهديدات على ارتفاعات عالية مثل الصواريخ".
وأضاف: "أما صواريخ كروز والطائرات المسيرة فتعمل بالقرب من الأرض ولذا لا يتم رصدها بسبب كروية الأرض. والطائرات المسيرة صغيرة جدا وليس لها بصمة حرارية بالنسبة لأغلب أجهزة الرادار".
كما أن اعتراض الطائرات المسيرة التي قد تكون قيمتها عدة مئات من الدولارات فقط بنظام "باتريوت" مكلف للغاية أيضا، إذ يبلغ ثمن الصاروخ الواحد من صواريخ "باتريوت" نحو 3 ملايين دولار.
وقال "جورج لامبريكت"، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس بشركة "ديدرون" الأمريكية للأمن الجوي إن ثمة وسائل أكثر فاعلية في التصدي للطائرات المسيرة، لا سيما إذا كانت تطير في مجموعات.
وأضاف أنه يمكن رصدها بالجمع بين أجهزة الرصد اللاسلكي والرادار واستخدام كاميرات عالية الدقة في التحقق من حمولاتها وتكنولوجيات مثل التشويش في تعطيلها.
غير أن أحدث وسائل التكنولوجيا تجلب معها تحديات خاصة فالتشويش على الموجات اللاسلكية قد يعطل أنشطة صناعية ويكون له آثار سلبية على صحة البشر.
وتقول مجموعة "سوفان" الاستشارية الأمريكية إن الطائرات المسيرة المسلحة أصبحت متوفرة ولذا فإن التهديد الذي تتعرض له البنية التحتية الحيوية يتزايد بشكل غير متناسب.
وقال المصدر السعودي إن المسؤولين السعوديين يخشون منذ فترة طويلة وقوع هجوم على محطة تحلية في الجبيل تخدم وسط السعودية وشرقها، وإنه من الممكن أن يسفر هجوم ناجح عليها عن حرمان الملايين من المياه وربما يستغرق إصلاحها وقتا طويلا.
وقال مصدر بالصناعة على دراية بالوضع في السعودية: "هذه بيئة في غاية الثراء بالأهداف، وقد ضربوهم حيث يؤلم الضرب ويوجد الكثير (من الأهداف) حولهم".