سياسة وأمن » حروب

أمريكا لن تذهب إلى الحرب لإصلاح أخطاء السعودية

في 2019/09/25

دانييل ديبتريس - ناشيونال إنترست-

أدت هجمات الشهر الحالي على حقل "خريص" النفطي ومنشأة "بقيق"، أكبر مصنع لمعالجة النفط في المملكة العربية السعودية، إلى هز أسواق النفط الخام على المدى القصير، وأضافت طبقة أخرى من القلق لمنطقة الشرق الأوسط التي تعج بالفعل بالمشاكل.

وبحسب ما ورد، زود المسؤولون الأمريكيون الرياض بمعلومات استخباراتية حول الهجوم، الذي وقع جزئيا بواسطة صواريخ كروز ربما تم إطلاقها من إيران.

في الوقت نفسه، قدر المسؤولون في المملكة أن الهجوم تم بواسطة أسلحة إيرانية الصنع، لكن الحديث عمن قام بالهجمات ليس سوى جزء من التحليل.

ومن الضروري أن نتذكر أن السعودية، وليس الولايات المتحدة، هي التي تعرضت للهجوم، لكن يبدو أن واشنطن لا تهتم بهذا التمييز، حيث تربط بين المصالح الأمنية القومية الأمريكية والمصالح السعودية.

وقد وردت أنباء أن البنتاغون يستعد لعمل عسكري محتمل ضد طهران كرد انتقامي، ويعرض على الرئيس عددا من الخيارات، بما في ذلك استهداف أكبر مصفاة نفط في طهران بضربة عسكرية، ويبدو أن الاندفاع والتسرع في العمل العسكري أمرا شائعا في واشنطن، حيث أخبر السيناتور "كريس كونز" قناة "فوكس نيوز" أن القيام بضربة عسكرية قد يكون مناسبا.

لكن السيناتور مخطئ، وكذلك بقية الطبقة السياسية في واشنطن المستعدة لمثل تلك المواجهة. وبدلا من الخضوع لمشاعر اللحظة، ينبغي على الرئيس "ترامب" أن يتأنى قبل اتخاذ قرار يكلف الولايات المتحدة والأمريكيين غاليا.

ويجب وضع النقاط التالية في الاعتبار:

السعودية هي من تعرضت للهجوم وليست واشنطن

تعد "بقيق" عبارة عن منشأة مملوكة للسعودية، وتعمل على الأراضي السعودية، وتنتج النفط السعودي، وتعود أرباحها للخزانة السعودية، وقد يكون الهجوم بالطائرات بدون طيار أو الصواريخ على المرفق المهم انتهاكا مباشرا لسيادة المملكة العربية السعودية وسلامتها الإقليمية، لكنه ليس هجوما على الولايات المتحدة أو شعبها.

وإذا كان هناك رد، فيجب أن تقوم الرياض بالتخطيط له وتنفيذه، ربما بالاشتراك مع شركائها ذوي التفكير المماثل في الخليج العربي، وكلهم مهتمون بضمان قدرتهم على الاستمرار في تصدير نفطهم بشكل مستقر دون تهديدات لا يمكن التنبؤ بها.

وفي حين يرغب ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بالتأكيد في أن تقوم واشنطن بتنظيف الفوضى التي يسببها، فإن القوات المسلحة الأمريكية ليست قوة مرتزقة تعمل لدى السعودية ليتم نشرها وفق دعوة من العائلة المالكة.

فالجيش الأمريكي موجود للدفاع عن الولايات المتحدة والشعب الأمريكي، ويتم استخدامه كملاذ أخير عندما تتعرض المصالح الأساسية الأمريكية للخطر، ويجب ألا تحدد أي دولة أجنبية، حليفة أو شريكة، متى تستخدم الولايات المتحدة القوة أو لا تستخدمها، وينبغي على واشنطن ألا تسمح لدولة أجنبية بسحب الولايات المتحدة إلى مشاحنات لا علاقة لها بها.

الحرب مع إيران ستكون مكلفة

ولا يعد الصراع مع إيران وصفة لمزيد من انعدام الأمن فقط، ولكنه أيضا يعد انتهاكا لاستراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني الخاصة بإدارة "ترامب"، وقد أظهرت الإدارة في استراتيجياتها الحاجة إلى التعامل مع عالم تسود فيه المنافسة بين القوى العظمى بشكل متزايد على المشهد الأمني ​​العالمي.

ويتسبب الغوص مباشرة في الشرق الأوسط، وتخصيص المزيد من الموارد الأمريكية في منطقة تصبح أقل أهمية من الناحية الجيوسياسية مع الوقت، في تقويض الجهود الرامية إلى التركيز على صراع القوى العظمى.

الحرب تتسبب في زيادة الهجمات

وبالطبع فإن الزيادات قصيرة الأجل في أسعار النفط الخام أمر مؤسف، لكن لم يحدث اضطراب كبير وطويل الأجل في إمدادات النفط العالمية، لكن ما قد يتسبب في اضطراب طويل الأجل هو تصعيد عسكري قد يتطور بسرعة إلى حرب أخرى لا نهاية لها.

ويعالج السعوديون بالفعل زيادات الأسعار بسرعة عن طريق الإفراج عن بعض الطاقة الفائضة، ولن يؤدي شن هجوم انتقامي على الأهداف الإيرانية، خاصة منشآت معالجة النفط كما ينادي بعض أعضاء مجلس الشيوخ، إلا إلى مزيد من النقص في إمدادات النفط في السوق، ما يؤدي إلى تفاقم الاضطرابات، وربما يؤدي إلى ركود آخر.

إيران جاهزة للرد

هناك ثقة غير مبررة في واشنطن حول قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على احتمالات التصعيد، ويفترض هؤلاء الذين يمارسون ضغوطا من أجل الرد العسكري أن الأثر النفسية للعملية العسكرية سيكون مدمرا للغاية لطهران، بحيث يختار القادة الإيرانيون عدم الرد خوفا مما قد يحدث بعد ذلك، لكن هذا الافتراض وهمي، خاصةً مع معرفة تاريخ إيران كبلد ذي تاريخ حافل بالرهانات المغامرة.

ويبقى الأمر الجدير بالانتباه هو أن الذين يتوقون إلى التصعيد هم نفس الأشخاص الذين توقعوا بثقة أن حملة "أقصى ضغط" سوف تجبر الإيرانيين على الاستسلام، والحقيقة بالطبع هي أن طهران هي الطرف الأكثر عدوانية وإقبالا على مخاطر الحرب في الخليج العربي.

وتمتلك إيران العديد من الأصول في المنطقة التي قد تستخدمها للانتقام والتسبب في صداع للمنطقة، بما في ذلك المزيد من المضايقات للناقلات المدنية في الخليج. ومن المرجح أن تتصاعد أي ضربة عسكرية أمريكية بسرعة إلى حرب تقليدية لا يريدها أحد، وتبقى أفضل طريقة لتجنب الحرب هي عدم بدء الحرب.

التنافس السني الشيعي

كما ينصح الكثير من الخبراء، يجب على واشنطن ألا تختار جانبا في المعارك السنية الشيعية في المنطقة، ولا يجب أن تخاطر بحياة الجنود الأمريكيين أو الأموال الأمريكية بغرض تنظيف فوضى المملكة العربية السعودية ويعد التنافس بين الرياض وطهران تنافسا على النفوذ بين بلدين يملكان عقودا من التاريخ السيئ بينهما، وقد ساهمت الصورة النمطية للمملكة كحليف للولايات المتحدة وإيران كعدو لها بشكل كبير في زيادة الاضطراب المنطقة. ولا يوجد طرف جيد وطرف شرير في هذه المعركة المستمرة.

وفي حين يعزى جزء من نجاح "دونالد ترامب" في الوصول لمقعد الرئاسة إلى التزامه بمنع واشنطن من الدخول في حروب جديدة وإنهاء "الحروب التي لا نهاية لها"، فإن عليه اليوم أن يحافظ أحد وعوده الانتخابية الأكثر أهمية بدلا من الاستماع إلى مؤسسات واشنطن الراكدة والمفلسة.