الخليج أونلاين-
لم تشهد ليبيا استقراراً منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، عام 2011، ولم تحقق الثورة أهدافها بعد؛ إذ سرعان ما تعمّقت الأزمة نتيجة الانقسام السياسي والأمني الذي تغذيه أطراف إقليمية ودولية بناء على مصالحها وأطماعها.
وتؤدي الإمارات ومصر دوراً مشبوهاً في ليبيا؛ بدعم رجل الحرب الأول المشير خليفة حفتر، الذي تلقى دعماً مباشراً هذا العام لمهاجمة العاصمة طرابلس، ضمن مخطط لدعم الثورات المضادة لإعادة منظومة الحكم القديمة وتنصيب "قذافي جديد" في ليبيا، والسيطرة على النفط في البلاد.
وتعبث التدخلات الخارجية بسيادة ليبيا وتقوّض أمنها، في وقت يزداد فيه الصمت الدولي منذ زحف قوات حفتر إلى العاصمة طرابلس، في الـ4 من أبريل 2019.
ولعل الحرب الدائرة في محيط طرابلس انعكست على الكلمات التي ألقيت في الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي وجهت بعضها اتهاماً مباشراً وغير مباشر للقاهرة وأبوظبي بالتدخل في ليبيا ودعم الطرف المتمرد.
ليبيا تعترض أمام العالم
أبرز الاعتراضات جاء على لسان رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، حيث ندد في خطابه أمام الجمعية العامة، الأربعاء، بـ "تدخل" دول أجنبية في ليبيا، مسمياً كلاً من الإمارات وفرنسا ومصر.
وقال: "من المؤسف أن دولاً أخرى تواصل التدخل" في شؤون ليبيا، متهماً خصمه خليفة حفتر بأنه "مجرم متعطش للدماء".
وانتقد أدوار كل من الإمارات التي "سمحت لنفسها بأن تكون منصة إعلامية للمليشيات"، وباريس بسبب العثور على صواريخ فرنسية في منطقة انتزعتها قواته من قوات حفتر، ومصر "التي تريد إعطاء دروس لليبيا".
واعتبر أن "ما شجع مجرم الحرب هذا هو حصوله على دعم دول أجنبية"، وأضاف: "سنهزمه بغض النظر عمن يدعمه"،
استياء قطري
في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 24 سبتمبر 2019، وجه أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، انتقادات لاذعة لما أسماها بـ"الدول التي تساند أمراء الحرب والمليشيات" الليبية التي تقاتل الحكومة المعترف بها دولياً.
وقال أمير قطر: "في ليبيا تنذر التطورات الأخيرة بمخاطر على وحدتها الوطنية واستقرارها، ولقد أدت العمليات العسكرية ضد العاصمة طرابلس إلى عدم انعقاد المؤتمر الوطني الليبي الجامع، الأمر الذي يكشف عن إخفاق جديد لنظام الأمن الجماعي في منطقة الشرق الأوسط، والازدواجية والانتقائية في تطبيق الشرعية الدولية نتيجة دعم بعض الدول للمليشيات العسكرية ضد الحكومة الشرعية"
ما جاء في كلمة امير #قطر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص #ليبيا pic.twitter.com/ppMYENuOyi
— Almanara Libya (@AlmanaraMedia) September 24, 2019
وأضاف: "هذه المليشيات التي لم تتردد في ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين، نحن ندعو إلى مساءلة مرتكبي هذه الجرائم، ودعم حكومة الوفاق الوطني الشرعية والمعترف بها دولياً لكي تقوم بكامل مهامها في وضع حد لمعاناة الشعب الليبي، وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع ليبيا".
وتحدث الشيخ تميم بن حمد عن وجود دولٍ تشارك شكلياً في الجهد الدولي بيد، وتعمل على تقويضه باليد الأخرى؛ بدعم من أسماهم "أمراء الحرب"، مؤكداً دعمه لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
تركيا تساند ليبيا
وفي المقابل لا يزال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يؤكد أن توفير الأمن والاستقرار في ليبيا من خلال إنشاء إدارة ديمقراطية تستند لإرادة الشعب الليبي سيجلب الراحة لشمال أفريقيا وأوروبا.
وأشار في كلمته بالأمم المتحدة إلى أن بلاده تسعى إلى توفير الأمن والاستقرار في ليبيا لتعزيزها سياسياً واقتصادياً، لافتاً إلى أن تحقيق ذلك يتم عبر احترام إرادة الشعب الليبي.
وسبق أن أعلنت تركيا دعمها للحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، ودعم المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، التي يحاول خليفة حفتر السيطرة عليها.
ودخلت تركيا على خط الدعم العسكري بالسلاح لقوات حكومة الوفاق الليبية في مواجهة صد عدوان حفتر على العاصمة، وقدمت عشرات المركبات المدرعة من طراز "بي إم.سي كيربي" تركية الصنع، في مايو من العام الجاري، للحكومة المعترف بها دولياً.
مصر تدافع عن حفتر
وبينما يعترف العالم بحكومة الوفاق، تقف مصر إلى جانب الإمارات برفض اعترافها بالحكومة، ودعمها لحفتر، حيث أبلغ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أعضاء الوفود المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، أن ثمة حاجة لتضافر الجهود لمنع الفصائل المسلحة من السيطرة على ليبيا، ولمنع الأطراف الخارجية من التدخل في الصراع الدائر هناك.
متجاهلاً الاتهامات الموجهة لبلاده بدعم الانقلابيين، قال السيسي في كلمته: "لا بد من توحيد المؤسسات الوطنية كافة، والنأي بهذا الجار الشقيق عن فوضى المليشيات والاستقواء بأطراف خارجية دخيلة".
وأضاف السيسي في محاولة للتغطية على دعمه لسيطرة حفتر على كامل ليبيا: "آن الأوان لوقفة حاسمة تعالج جذور المشكلة الليبية بشكل كامل من خلال الالتزام بالتطبيق الكامل لجميع عناصر خطة الأمم المتحدة".
وتقول وكالة "رويترز" إن مصر والإمارات داعمتان لخليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا الذي يحاول انتزاع السيطرة على طرابلس من قوات متحالفة مع الحكومة المعترف بها دولياً.
اتهام رسمي ليبي
وتحاول أبوظبي التهرب من مسؤوليتها بالدعم المباشر في ليبيا، وسبق أن نفى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، طلب بلاده من حفتر غزو طرابلس، لكنه وصف ما يحدث في العاصمة الليبية بأنه "سيطرة مليشيا"، رغم اعتراف دولي بالحكومة هناك.
وفي المقابل اتهمت الحكومة المعترف بها دولياً في ليبيا، أكثر من مرة، الإمارات ومصر بتقديمهما الدعم العسكري لقوات حفتر.
وكان أبرز تلك التصريحات، ما قاله رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، الذي قال في أبريل 2019، عقب هجوم حفتر على طرابلس: إن بلاده "تعلم جيداً أن دولة الإمارات العربية، وتحديداً أبوظبي، حتى لا نظلم كل الإمارات، تسعى فساداً -للأسف الشديد- لكل الدول العربية لمنع قيام الديمقراطية. هذه الدولة تقدم دعماً مباشراً (لقوات حفتر)".
وشدد رئيس مجلس الدولة الليبي، تعليقاً على أسباب توجيه مثل هذه الاتهامات إلى كل من الإمارات ومصر، على أن هذا الأمر تؤكده تقارير الأمم المتحدة، وأيضاً "ما تم غنمه من هذه القوات من عربات مصفحة وغير ذلك، وهي إماراتية، وجاءت بتواريخ حديثة بعد الحظر، وهي أسلحة قتالية".
وتابع: "كذلك توجد ذخائر عند هذه القوات وهي صناعة مصرية حديثة".
الصمت الدولي
في يوليو 2019، حذرت السلطات الليبية من "استمرار الصمت الدولي على جرائم اللواء المتقاعد"، قائلة إن ذلك الصمت "يشجع حفتر والداعمين له على الاستمرار في جرائمهم".
موقف الدول مزدوجة التعامل مع ملف ليبيا طرح تساؤلاً عن أهدافها وسبب تواصل الصمت الدولي في أعقاب التدخلات الواضحة ضمن مساراتٍ خارج المساعي الأممية.
يقول الخبير الحقوقي الليبي مهدي كشبور، إن فرنسا ترى في حفتر أداة لمشاريعها الخاصة، وذلك بالتنسيق مع ما وصفه بمثلث الشر العربي (الإمارات والسعودية ومصر)، على اعتبار أن تلك الدول أجمعت على إفشال أي حلم بإقامة دولة ديمقراطية تحكمها سلطة مدنية.
ويعتقد كشبور، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن موقف المجتمع الدولي أصبح متذبذباً تجاه الحرب على العاصمة، وأن ردود الفعل لم تتعدَّ المواقف الدبلوماسية، عازياً ذلك إلى تخوُّف المجتمع الدولي من عدم قدرة حكومة الوفاق على الوقوف بقوة لمجابهة حفتر".
فرنسا إلى جانب مصر والإمارات
الباحث الليبي المختص بالشؤون السياسية والاستراتيجية، محمود إسماعيل الرملي، يرى من جانبه أن الواقع على الأرض "هو أن الإمارات ومصر السيسي، بدعم فرنسي في مجلس الأمن، لا تريد الاستقرار أو بناء دولة ديمقراطية في ليبيا، وإنما يسعون لصناعة بيادق تنفذ أجندتها، وأن الليبيين قادرون على إحباط تلك المخططات".
وحول أسباب الصمت الدولي إزاء التدخل المصري والإماراتي في ليبيا قال المحلل السياسي في حديث لـ"الخليج أونلاين": إن "أبوظبي والقاهرة وبعض العواصم الأخرى ظلت داعمة لحفتر بشكل كبير"، معتبراً أنهما "السبب الرئيس في استمرارية تمرده؛ من خلال دعمه بالأموال والسلاح والجنود".
وأشار إلى أن الطيران الإماراتي المسير الذي وصل إلى أكثر من 600 غارة جوية بعد الرابع من أبريل الماضي، وهو تاريخ بدء عدوان حفتر على العاصمة طرابلس، جعل أبوظبي أكثر الدول خرقاً لقرارات مجلس الأمن التي تلزم الدول بضرورة التعامل مع حكومة الوفاق التي أنتجها الاتفاق السياسي من ناحية، وتمنع أيضاً تصدير السلاح، علاوة على أن الأعراف والقوانين الدولية تمنع التعامل مع المتمردين.
وكشف أن سبب الصمت الدولي يرجع إلى ضعف أداء الخارجية الليبية من ناحية، والنفوذ الذي تحاول تكريسه الإمارات؛ من نشر فزعات الإرهاب في إطار محاولات إنهاء ربيع الثورات العربية بخلق حركات تمرد مضادة، مؤكداً أن الإرادة الدولية كانت ضعيفة جداً في الملف الليبي وفي إدانة تدخل الإمارات أيضاً، فضلاً عما وصفه بـ"التحيز الكبير" لرئيس بعثة الأمم المتحدة، غسان سلامة، لجبهة حفتر.
وأفرد المحلل السياسي مساحة للحديث حول موقف فرنسا الداعم للإمارات، وكذلك السعودية، معتبراً أن تلك الدول "تشترك في مطامع في ليبيا ترى وجوب تنفيذها من خلال جنرال متقاعد أثبتت الأيام أنه لم يحسن تقدير الأمور".
وكشف أن الدول الكبرى تبحث عن مصالحها؛ ولعل أهمها استقرار أسواق النفط بعد أزمة الخليج، وتوقف نصف صادرات السعودية، وإشكاليات إيران، إضافة إلى ملف الهجرة المعقد، ومكافحة الإرهاب، لافتاً إلى أن بعض تلك الدول ترى أنه بالإمكان تحقيق بعض مصالحها من خلال حفتر، والذي وصفه بأنه "بيدق ينفّذ ما يُطلب منه".
وأوضح أنه تم الاستيلاء في مدينة غريان الليبية على صواريخ فرنسية، واعترفت باريس بذلك، كاشفاً أن فرنسا تتعامل بوجهين في الملف الليبي؛ الأول رسمي يدعم لفظياً حكومة الوفاق، والآخر حقيقي داعم لحفتر والإمارات ومصر في مواقفها سياسياً وعسكرياً، إلى جانب روسيا الساعية لكي يكون لها موطئ قدم من أجل مبيعات السلاح لليبيا.
وشدد على أن الفشل يلاحق حفتر في ماضيه وحاضره ومستقبله، معتقداً أن رهان الدول الكبرى كان على ما أسماه "الحصان الخاسر".
وحول عدم وجود مبادرة أممية فاعلة لحل الأزمة رغم الاننقادات الدولية لحفتر، قال الرملي لـ"الخليج أونلاين": إن "المجتمع الدولي لم تتفق دوله على رؤية موحدة من جانب، علاوة على أن مصالح هذه الدول متضاربة ومتناقضة غالباً فى ليبيا.
وأشار إلى أن الأسرة الدولية لم تشعر بحجم الإشكال الكبير الذي تسببه الأزمة الليبية من احتمالية انتشار الإرهاب، وموجات الهجرة غير الشرعية، علاوة على أزمة فى النفط قد تنشأ في حال استمرارية الصراع، وتؤدي إلى ارتفاع في الأسواق العالمية التي تمر حالياً بأزمة.
وأبدى قناعته بأن المجتمع الدولي -بمبادرة ألمانية- قد يتجه إلى حل للصراع في ليبيا، لكنه شدد على ضرورة أن يحل هذا الحل بناء على "احترام سيادة الدولة الليبية، وإبعاد الإمارات وفرنسا ومصر من أداء أي دور، والمساعدة في تقديم حفتر للعدالة، والإسراع بالعملية السياسية في ليبيا، وإنهاء المرحلة الانتقالية، وتغيير رئيس بعثة الأمم المتحدة؛ لعدم نجاحه وانحيازه الواضح".
وحول الدور القطري المساند لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، وصف المحلل السياسي الدوحة بأنها كانت "خير عون للحكومة الليبية رغم ظروف حصارها"، مستعرضاً جهود قطر في كافة المحافل الدولية بنقل حقيقة الموقف في ليبيا، وتورط بعض الدول كمصر والإمارات، مطالباً بضرورة استمرارية الدعم بما يساعد على إنجاح عودة العملية السياسية وإنهاء التمرد.
أما على صعيد تركيا، فقال الرملي إن الرئيس أردوغان يدرك الخطر الذي تُمثله بعض الدول كالإمارات بفعل أطماعها ومؤامراتها وحربها التي تشنها على ليبيا من خلال حفتر، مطالباً المسؤولين الليبيين بضرورة فضح تلك الدول وتسميتها علناً، كما أن على المجتمع الدولي أن يكون أكتر وضوحاً في دعم الليبيين.
صراع مصالح
ويرى الباحث والمحلل السياسي الليبي، فتحي الفاضلي، أن ما يحدث في ليبيا "ليس تورطاً، ولكنه صراع داخل ما يسمى بالمجتمع الدولي، أو بالأحرى صراع مصالح هذه الدول في ليبيا".
وأشار في حديثه مع "الخليج أونلاين" إلى أن الامارات تخشى من استقرار ليبيا؛ لأنه سيؤثر على اقتصادها، خصوصاً الموانئ التي تستخدم في التصدير، بسبب أن ليبيا هي "الأقرب والأفضل والأرخص، إضافة إلى أن هناك مليارات هائلة، ما بين 50 ملياراً إلى 90 مليار دولار، من أرصدة وأموال ليبيا موجودة في الإمارات، وإذا ما سحبت فسيؤثر ذلك في اقتصادها".
وفيما يتعلق بمصر أكد أنها لا تختلف عن الإمارات، وتطالب بالنفط الليبي، خاصة في المنطقة الشرقية، مشيراً إلى أنها تقف وراء تدهور الأوضاع في ليبيا، وأنها "لا تقل عداوة للوطنيين ولثورات الربيع العربي والإسلاميين"، واصفاً تدخلها في بلاده بـ"الاحتلال".
وأوضح أن الإمارات ومصر وفرنسا تدخلوا في ليبيا تحت مسمى محاربة "الإرهاب والإرهابيين"، لكنه يقول إن تلك الدول هي من ساهمت ودعمت "الإرهابيين"، من أجل الاستحواذ على ثروات البلاد.
أما المحلل السياسي الليبي إسماعيل المحيشي فقال لـ"الخليج أونلاين"، إن الدعم الفرنسي الإماراتي السعودي المصري لحفتر "أصبح معلناً دون وجود أي رادع دولي، وهذا التقصير يتحمله الليبيون، خاصةً أن الرئيس الفرنسي أعلن منذ أكثر من عامين مقتل جنود فرنسيين خلال مشاركتهم في القتال إلى جانب قوات حفتر في بنغازي.
وأوضح أن التدخل الأجنبي المباشر في ليبيا "لم يبدأ خلال الحرب على طرابلس، بل إنه وجد منذ 3 أو 4 سنوات، وثمة دول أجنبية وعربية تزود مليشيات حفتر بالمعدات والأسلحة وحتى بالدعم السياسي، وأنه حتى هذه اللحظة ورغم الانتهاكات والعدوان الغاشم على طرابلس فإن الصمت الدولي ما زال حاضراً، وسياسة الإفلات من العقاب ما زالت قائمة".