سياسة وأمن » حروب

ستراتفور: هذه خيارات السعودية إزاء إيران بعد هجمات أرامكو

في 2019/10/06

ستراتفور-

في 14 سبتمبر/أيلول، تعرضت السعودية للهجوم الأكثر أهمية منذ أن استولى مسلحون على المسجد الحرام في مكة قبل نحو 40 عاما. وكانت عملية الاستيلاء على المسجد الحرام، عام 1979، شكلت الفهم الاستراتيجي للمملكة تجاه العالم وتجاه منافستها مع إيران. وسيفعل الهجوم الأخير على منشآت النفط في "بقيق" و"خريص" في المملكة الشيء نفسه. لكن يبقى السؤال هو كيف سيحدث ذلك؟

حسنا، لحماية قطاعها الحيوي من النفط، تدرس السعودية بلا شك العديد من الخيارات المختلفة للتصعيد أو التهدئة مع إيران. وبناءً على تصرفات ولي العهد "محمد بن سلمان" القوية، ونقده الصريح لطهران، قد يكون التصعيد هو الخيار المرجح في النهاية، رغم وجود مؤشرات حول تهدئة قصيرة الأجل.

الوضع الإقليمي للمملكة

تعتمد الاستراتيجية الإقليمية الحالية للمملكة على تأمين أراضيها وسكانها من تهديدات الجماعات المتشددة والتحركات المناهضة للحكومة، مع الدفاع عن دور الرياض الريادي في العالمين العربي والإسلامي. وفي عهد الملك "سلمان" وابنه ولي العهد، استتبع هذا بذل جهود أكثر وضوحا لمواجهة النفوذ الإيراني، بما في ذلك مشاركة أكبر في قتال المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن. وفي محاولة لاحتواء النفوذ الإيراني، تفضل المملكة أيضا العمل تحت المظلة الأمنية الأمريكية، والعمل مع حلفاء لهم نفس التفكير، مع الحرص على عدم إثارة صراع مباشر مع طهران.

ومع ذلك، لا يخلو نهج الوضع الراهن هذا من العيوب. فقد ظلت الولايات المتحدة متشددة في حملة العقوبات الحالية ضد إيران، لكن واشنطن سعت أيضا إلى تجنب شن ضربة عسكرية ردا على التحركات الاستفزازية التي تقوم بها طهران، بما في ذلك الضربة الأخيرة ضد قطاع النفط السعودي، فضلا عن إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار في يونيو/حزيران. ومنذ هجوم 14 سبتمبر/أيلول، أدرجت الولايات المتحدة البنك المركزي الإيراني على القائمة السوداء، لدعمه "الحرس الثوري الإيراني" و"حزب الله"، وهما منظمتان صنفتهما واشنطن ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. ويخضع البنك المركزي الإيراني بالفعل لعقوبات شديدة، لكن العقوبات الإضافية المتعلقة بالإرهاب ستحد من قدرة طهران على استخدام البنك في التجارة العادية.

وفي ظل هذه الرؤية الأمريكية للصراع، يبدو أن إيران قدرت أن بإمكانها الاستمرار في استراتيجيتها الإقليمية العدوانية دون إثارة رد عسكري أمريكي. ولا تهدف خطوات إيران في النهاية لإثارة صراع عسكري، وبدلا من ذلك، تعمل طهران على فرض تغيير في الاستراتيجية الأمريكية والسعودية لإضعاف الضغط عليها. وحتى يحدث ذلك، قد تواجه السعودية المزيد من الهجمات التي ترعاها إيران على قطاعي النفط والغاز.

وقد حاولت الرياض التقليل من تأثير الهجوم على قطاعها النفطي، مدعيةً أن طاقتها الإنتاجية وصلت بالفعل إلى 11.3 مليون برميل يوميا. وكما جاء في أحدث بيان صادر عن الوحدة التجارية لشركة النفط العربية السعودية "أرامكو"، عاد إنتاج الشركة المملوكة للدولة إلى مستويات ما قبل الهجوم، التي كانت تبلغ 9.9 مليار برميل في يوميا. ومع ذلك، تشير الصور الأولية لمحطتي المعالجة التالفتين بسبب هجوم 14 سبتمبر/أيلول إلى أن الإنتاج الفعلي لشركة أرامكو السعودية لا يزال عند مستويات 8 ملايين برميل في اليوم على الأكثر. وفي الواقع، قد يستغرق التعافي الكامل لقدرة المملكة على المعالجة والإنتاج شهورا. ويعني هذا أن أي هجوم آخر على منشأة استراتيجية ينطوي على مخاطر أكبر بكثير على إنتاج النفط في المملكة، وربما يستمر هذه المرة لفترة أطول.

خيارات التصعيد

في مواجهة ذلك، تمتلك الرياض عدة خيارات للتصعيد مع إيران على رأسها الرد المباشر. فمع وجود قطاع النفط الحيوي على المحك، من شبه المؤكد أن السعودية تدرس استراتيجية إقليمية أكثر عدوانية. وفي أقصى خياراتها، قد تضغط الرياض بقوة أكبر من أجل رد عسكري أمريكي على إيران، وربما تفكر حتى في القيام بضربتها الخاضة بدعم من الولايات المتحدة في مجالات الاستخبارات والاستهداف والمراقبة.

وفي الوقت الحالي، قال المسؤولون السعوديون إنهم ينتظرون انتهاء التحقيق في الهجمات، رغم أنهم أشاروا إلى أن جميع الخيارات، بما في ذلك الخيار العسكري، لا تزال قائمة. وقد يتصاعد مثل هذا الخيار المتطرف بسرعة إلى صراع إقليمي من شأنه أن يعرض المزيد من البنية التحتية السعودية للنفط والغاز لخطر الهجمات من طهران، فضلا عن أهداف استراتيجية أخرى خارج القطاع النفطي.

يمكن للمملكة أيضا أن تختار الانتقام من إيران بشكل غير مباشر عبر الانضمام لجهد أمريكي لاستهداف الوجود الإيراني والميليشيات المتحالفة معها في سوريا والعراق ولبنان. وقبل ترقيته وليا للعهد عام 2017، استبعد "بن سلمان" التقارب مع طهران، ملمحا إلى أن الرياض قد تحاول دعم المزيد من الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة في إيران في أماكن مثل "الأهواز" أو كردستان الإيرانية. لكن السعودية، تاريخيا، كانت لها صلات محدودة بهذه الجماعات، وقد يؤدي هذا النهج إلى جعل الرياض تبدو داعمة للجماعات الإرهابية.

وتملك السعودية، بالطبع، موقفا إقليميا قويا ضد إيران. لكن ما يحدث اليوم يذكر السعودية بشدة بحادث الهجوم على المسجد الحرام عام 1979 والثورة الإسلامية في إيران في نفس العام. وقد تشعر المملكة مرة أخرى بقلق عميق إزاء المتطرفين أصحاب الدوافع الدينية، الذين يطالبون بإسقاط الدولة السعودية تأثرا بدعوات إيران لتصدير مُثُلها الثورية إلى جميع أنحاء المنطقة. وسيطر هذا القلق على رؤية الرياض للاستراتيجية الإقليمية لإيران في معظم الثمانينيات؛ مما حفز دعم المملكة لـ "صدام حسين" خلال الحرب العراقية الإيرانية.

خيارات وقف التصعيد

في المقابل، يمكن للمملكة أن تختار أيضا وقف تصعيد التوترات مع إيران. وقد يكون أحد الخيارات الممكنة الأقل تطرفا هو التصرف بشكل أكثر واقعية في المسارح المختلفة التي تحارب فيها الرياض النفوذ الإيراني، دون أن تتواصل بشكل مباشر مع إيران. وسيتطلب هذا النوع من الدبلوماسية غير المباشرة قيام المملكة بتعديل بعض سياساتها في اليمن عبر تقليص عملياتها العسكرية في البلاد، والتفاوض مباشرة مع المتمردين الحوثيين للتخفيف من المخاطر الأمنية التي يشكلونها على المملكة.

وفي الواقع، قد تكون هذه الاستراتيجية قيد التنفيذ بالفعل؛ حيث أعلنت المملكة وقفا جزئيا لإطلاق النار في اليمن يوم 27 سبتمبر/أيلول. لكن من غير المرجح أن تؤدي هذه الخطوة إلى تخفيف حدة الصراع العام، كما يتضح من الرفض الفوري للحوثيين للهدنة وما تلاه من الهجوم على القوات الموالية للسعودية في شمال اليمن. لكن غصن الزيتون الذي تمسك به الرياض، وإن كان صغيرا، يُظهر تغييرا في حساباتها الإقليمية، وربما إدراكا أن على المملكة تحديث تكتيكاتها لتحقيق أهدافها السياسية في البلد الذي مزقته الحرب.

ومن شأن اتباع استراتيجية إقليمية أكثر براجماتية أن تتماشى مع اتجاهات بعض دول الخليج العربي الأخرى، مثل الكويت وعُمان. كما سيتعين على المملكة محاولة استيعاب وكلاء إيرانيين آخرين في أماكن لا تزال لديها فيها مصالح سياسية واقتصادية، مثل لبنان والعراق. لكن العيب الرئيسي للانسحاب المعتدل هو أن إيران قد تستغل الفرصة لزيادة دعمها لوكلائها في المنطقة مثل "حزب الله"، وحلفائها مثل الحوثيين، لمواجهة الجهود السعودية.

وهناك خيار آخر أكثر تطرفا وصعوية بالنسبة للقيادة السعودية الحالية يتمثل في التحدث مباشرة مع إيران. ولقد اختارت الرياض مثل هذا النهج من قبل كوسيلة لتخفيف المخاطر؛ حيث سبق أن وقع البلدان اتفاق تعاون شاملا في عام 1998، خلال فترة من العلاقات السلمية نسبيا بين الخصمين. وفي ذلك الوقت، ساعد الملك الراحل "عبدالله بن عبدالعزيز"، الذي كان ولي العهد آنذاك، في تسهيل هذا الانفتاح.

لكن لى عكس الملك "عبدالله"، لا يبدو "بن سلمان" حريصا للغاية على اتباع نهج معتدل تجاه الخصم الرئيسي لبلاده في الجوار، ليس الآن على الأقل. ورغم التصريحات الأخيرة التي تلمح بشكل غامض إلى أنه يفضل حل نزاع المملكة مع إيران بشكل سلمي، فستتعارض مثل هذه المفاوضات المباشرة مع الاستراتيجية المتشددة التي يدعمها "بن سلمان" منذ أعوام. كما أنها لن تتماشى مع استراتيجية بناء التحالفات الحالية مع الجهات الفاعلة الإقليمية التي تشارك المملكة مخاوفها بشأن إيران. وفي أواخر التسعينيات، لم توافق الإمارات على الجهود السعودية الرامية إلى تحسين العلاقات مع إيران. وقد تفعل ذلك مرة أخرى؛ ما قد يؤدي إلى حدوث خلاف بين أقوى دولتين في الخليج.

ومن المحتمل أن تعارض الولايات المتحدة أيضا التهدئة الحادة من السعودية تجاه إيران. وفي الواقع، قد يكون دق إسفين بين واشنطن والرياض هو أحد الأهداف الخفية للهجمات الأخيرة. وتبقى حقيقة الأمر هي أنه طالما استمرت الولايات المتحدة في حملتها للضغط ضد إيران، فستحتاج طهران إلى أهداف قريبة للهجوم الانتقامي. وليس هناك طريقة أفضل لجذب انتباه واشنطن من ضربة مباشرة باتجاه أحد أقرب حلفائها الإقليميين، وأحد أكبر منتجي النفط في العالم. وبالتالي، حتى لو تبنت السعودية مثل هذه الاستراتيجية من جانب واحد، فإن أي شيء أقل من عكس استراتيجية المملكة الحالية المناهضة لإيران بشكل حد من المرجح أن يُبقي الرياض، وصناعتها النفطية، في مرمى النيران الإيرانية.