عبدالحافظ الصاوي- البيت الخليجي-
عدة عوامل دفعت السعودية والإمارات لتبني دور مختلف فيما يتعلق بالوضع الإقليمي الراهن، على رأس هذه العوامل تلك الفوائض المالية المتراكمة خلال الفترة 2003 – 2014م بسبب الطفرة النفطية، كذلك نجاح ثورات الربيع العربي التي يبدو أنها لم ترق – سياسيًا – لبعض قادة الخليج.
ويرى البعض أن التراكم المالي، وكذلك امتلاك دول الخليج لترسنة وازنة من الأسلحة، اشعرها بما يمكننا تسميته بـ “فائض القوة”، خاصة أن الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي كانت في حالة من عدم الاستقرار، أشعرت دول التحالف الخليجي بالقدرة على إعادة رسم خارطة القوى الإقليمية، وتموضعها فيها.
وأتى ضمن برنامج تحالف الخليج لإعادة رسم خريطة المنطقة دخوله في حرب اليمن مارس 2015. ولكن حرب التحالف الخليجي بقيادة السعودية تقترب من عامها الخامس دون حسم عسكري، في ظل غياب أي أفق لحل سياسي. المُلاحظ هو أن الحوثيين استطاعوا أن يجرو السعودية والإمارات لحرب استنزاف طويلة الأجل.
وإن كانت الإمارات قد أعلنت نهاية يونيو 2019 عن تقليص وجودها في اليمن، تزامن ذلك مع رسائل شبه ايجابية تجاه إيران، ولا يخرج الأمر بشأن الانسحاب الإماراتي من مخاوف ضرب عمقها الاستراتيجي بواسطة صواريح الحوثيين وطائراتهم المسيرة، بعد أن نالت صواريخ الحوثيين من ناقلات نفطية في موانئ إماراتية.
مؤخرًا، نقل الحوثيون الحرب إلى داخل العمق السعودي بضرب منشآت شركة أرامكو السعودية، التي تعتبر العمق الاستراتيجي للأمن القومي السعودي، فهي عصب إنتاج النفط وتصديره، بل كانت السعودية تستعد لطرح حصة تقدر بنحو 5% منها وفق رؤيتها الاقتصادية لعام 2030م.
وتذهب بعض النقديرات إلى أن ضرب الحوثيين لمنشآت أرامكو سوف يعمل على خفض صادرات النفط السعودية بنحو 50%، وأن عودة السعودية لأدائها الطبيعي من الإنتاج والتصدير للنفط سوف يستغرق أشهر، هذا بفرض أن ما حدث خلال مطلع سبتمبر 2019 سيكون الهجوم الأخير من قبل الحوثيين على المنشآت النفطية السعودية.
التطور الأخير بضرب منشآت النفط يجعل فاتورة الخسائر السعودية مفتوحة، لتضم الخسائر المباشرة وغير المباشرة، وينذر باتساع فجوة الأزمة التمويلية في المملكة، وان مؤشر الدين العام سوف يقفز بمعدلات عالية خلال الفترة القادمة، وهو ما تؤكد عليه بيانات وزارة المالية السعودية حيث بلغ الدين العام السعودي 560 مليار ريال سعودي (149.3 مليار دولار) بنهاية 2018، وارتفع في النصف الأول من عام 2019 إلى 628.7 مليار ريال (167.6 مليار دولار)، أي أن الدين العام زاد خلال 6 أشهر فقط بنحو 18 مليار دولار تقريبًا.
تكاليف باهظة
مما يرفع كلفة الحرب الاقتصادية على الإمارات والسعودية، تعدد بنود الإنفاق، من استجلاب جنود من دول أخرى مثل السودان وباكستان، والسعي للحصول على دعم وتأييد القبائل والقوى السياسية على الأراضي اليمنية، وهي تكاليف لا يمكن التعرف عليها على وجه الدقة، لأنها لا تدرج في حساب الدول، فضلًا عن ضبابية الوضع المالي لدولتي الإمارات والسعودية.
وهناك عامل آخر، مهم، وهو الإنفاق على أسر الشهداء من الجانبين السعودي والإماراتي، وكذلك مصاريف العلاج على المصابين، وهي أمور لا تعلن عنها دول التحالف الخليجي، كما أن المجتمع المدني بدول التحالف لا يجرؤ على المطالبة بالإعلان عن مخصصات هذه البنود وغيرها من باقي بنود فاتورة هذه الحرب.
ولكن ثمة تقديرات تذهب إلى أن حرب اليمن تكلف التحالف الخليجي مليارات الدولارات، ولكن تظل هذه التقديرات وقفًا على حسابات أصحابها، وفي محاولة للوصول على رقم أقرب إلى الدقة تم الرجوع إلى أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، حيث تبين أن إنفاق كل من الإمارات والسعودية على الدفاع كنسبة من الناتج المحلي بلغ نسبة 5.6% و8.8% على التوالي لكلا الدولتين.
وبحاسب هذه النسب نجد أنها تصل وفق أرقام الناتج المحلي البلدين في عام 2018 قد بلغت 414 مليار دولار للإمارات، و782 مليار للسعودية، وبالتالي فقيمة الإنفاق على الدفاع للإمارات بحدود 23 مليار دولار، بواقع نحو 2 مليار دولار شهريًا، وبواقع 64 مليون دولار يوميًا. أما حالة السعودية فتصل قيمة الإنفاق على الدفاع نحو 68.8 مليار دولار في العام، ونحو 5.7 مليار شهريًا، وحوالي 191 مليون دولار يوميًا.
وبلا شك أن هذه الأرقام متواضعة، في ضوء المعلن من قبل دولتي الإمارات والسعودية، ولكن هذا ما يتعلق بالتكاليف المادية المباشرة، مع التأكيد على ما ذكرناه من رعاية الجنود الذين تم استجلابهم من دول أخرى، وكذلك القبائل والقوى السياسية اليمنية. ولكن هناك تكاليف وخسائر غير مباشرة تتحملها الإمارات والسعودية، يمكن رصد بعضها فيما يلي:
تورط تحالف السعودية والإمارات في جرائم حرب في اليمن، وقد يتحول هذا الأمر إلى ورقة ضغط عليهما في وقت ما لبتزازهما ماليًا وسياسيًا، أو تقديمهما للمحاكمات الدولية، والزامهما بدفع تعويضات باهظة جراء هذه الجرائم الإنسانية في اليمن، والتي صنفت من قبل أكثر من جهة بأنها جرائم حرب.
التهديد الذي حققته الصواريخ والطائرات المسيرة للحوثيين، جعل أمن السعودية والإمارات القومي مخترقاً بشكل كبير، وهو ما يتسبب في هدر مليارات الدولارات التي تدفعها الدولتان سنويًا على شراء الأسلحة، لفشلهما في حماية أراضيهما من ضرابات الحوثيين، وهي ضربات نوعية، تستهدف منشآت استراتيجية، كموانئ الإمارات ومنشات النفط السعودية.
تسعى الدولتان لاستقطاب قوى إقليمية ودولية لمساندة موقفهما في الحرب، باعتبار أن الحرب الحقيقية لهما مع إيران الداعم الرئيس للحوثيين في اليمن، فيتم تقديم صفقات تجارية واستثمارية ضخمة سنويًا بمليارات الدولارات مع كل من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا والمانيا والصين.
بعد التطورات النوعية لضربات الحوثيين في عام 2019، يتضرر اقتصاد الإمارات والسعودية بشكل كبير، هذه الضربات تجعل من الإقدام على الاستثمار في اقتصاد دول التحالف الخليجي ضعيفاً للغاية، سواء من المستثمرين المحليين أو الأجانب، وبخاصة استثمارات القطاع الخاص.
يكرس الوضع الحالي لاستمرار الحرب المفتوحة في اليمن، وتوريط التحالف الخليجي، إلى استمرار اعتماد دولتي الإمارات والسعودية على الإيرادات النفطية، بحيث يكون الحديث عن استراتيجيات التنوع الاقتصادي، أو توطين الوظائف ضربًا من الخيال.
يضاف لذلك أن الإيرادات النفطية للإمارات والسعودية ستكون محل استهداف من قبل الحوثيين في حالة استمرار الحرب خلال الفترة الماضية، بسبب تهديد الحوثيين للإمارات مؤخرًا بأن لديهم أهداف كثيرة في الإمارات يمكن الوصول إليها، وبالتالي كما تأثرت السعودية بشكل كبير من ضرب منشآت أرامكو، من السهل أن تصل ضربات الحوثيين إلى منشآت النفط الإماراتية، وبالتالي فالموارد الأهم لدولتي الإمارات والسعودية، أصبح معرضًا للخطر بنسبة عالية.
ختامًا، نجد أنه من الواجب التذكير بأن هذه لحرب الخاطئة تستهدف استنزاف موارد المنطقة.