كارين يونج | المونيتور - ترجمة الخليج الجديد-
كشفت الهجمات التي تعرضت لها منشآت النفط السعودية في "خريص" و"بقيق"، الشهر الماضي، عن نقاط ضعف مدمرة في القدرات الدفاعية والقيادة الداخلية على الجانب السعودي، كما كشفت التصدعات الكامنة داخل العلاقات السعودية الأمريكية، ومدى الهشاشة التي أصبحت عليها المظلة الأمنية الأمريكية.
وقوبل الهجوم على البنية التحتية للطاقة العالمية برد فعل محدود من أسواق النفط العالمية، لكن لا ينبغي لنا أن نقيس مدى حدة الهجمات بالتغير في أسعار النفط حيث يعد هذا المقياس خاطئا، وتعكس أسعار النفط وجهة نظر قصيرة الأجل تعتمد على العرض والطلب، بينما لا يتم أخذ المخاطر الجيوسياسية في الاعتبار.
وقد وجد المحللون في "ستاندرد تشارترد" أن سبتمبر/أيلول هو الشهر الثالث على التوالي من انخفاض الطلب على النفط على أساس سنوي، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الانخفاض منذ عام 2009، وعلى مدى الأعوام الـ10 الماضية، ارتفع الطلب على النفط في 113 شهرا، وهبط في 7 أشهر فقط، لكن 5 من هذه الانخفاضات الـ7 كانت وقعت خلال الأشهر الـ8 الماضية.
وتوجد دلائل على وجود تهديد متزايد للنمو العالمي الشامل بفعل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وسبب التقويض المنهجي لمصداقية مظلة الدفاع الأمريكية في منطقة الخليج العربي والشكوك حول قدرة الولايات المتحدة في الإشراف على اقتصادٍ عالميٍ مفتوح.
ويمثل رد الفعل الصامت على الهجمات سابقة من نوعها، الأمر الذي يزيد من بيئة المخاطر في الخليج العربي، وكما قال الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو"، "أمين ناصر"، فإن الرد الباهت يزيد احتمالية وقوع هجوم آخر بسبب عدم وجود رد فعل رادع.
التأثير على الاقتصاد السعودي
وفي حين خدشت الهجمات بالكاد استقرار الاقتصاد العالمي، لكنها كشفت عن ضعفٍ شديد في الاقتصاد السعودي، والآن، ربما أكثر من أي وقت مضى، يعتمد الاقتصاد السعودي على عائدات النفط لتمويل الإنفاق العام، وتبقى النفقات العامة هي شريان الحياة للاقتصاد السعودي.
وأعطى ارتفاع أسعار النفط في عام 2018 بعض الأمل في توفير المزيد من الأموال للحكومة للإنفاق، وتبلغ قيمة المشروعات المخططة والمشروعات الجارية في المملكة نحو تريليون دولار، وفي ظل غياب الاستثمار الأجنبي المباشر، تعتمد الخطط إلى حد كبير على الإنفاق الحكومي لإنجازها.
وتتمحور معظم مشاريع التطوير الجارية في السعودية حول قطاع البناء، بدلا من الاستثمارات الكبرى في قطاع النفط والغاز أو البنية التحتية للطاقة والمياه أو القطاعات الصناعية، وكانت الاستثمارات في قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات بطيئة نسبيا، على الرغم من مركزيتها للبقاء الاقتصادي للمملكة.
ولم تتمكن قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في المملكة من تسريع منح عقود الاستثمار أو العقود للمشاريع الجديدة بشكل يماثل ما فعلته خلال فترات النمو السابقة، حيث انخفضت عقود الاستثمار بنسبة 50% عن الذروة التي بلغتها في الفترة بين عامي 2009 و2012.
وحيثما توجد مشاريع جديدة في مجال النفط والبتروكيماويات، نرى أيضا شراكات سياسية جديدة، كما هو الحال في التوسع في الاستثمارات الصينية في "ينبع"، وتوجد روابط سعودية جديدة أوثق مع روسيا، بما في ذلك إعلان صندوق الاستثمار المباشر الروسي فتح مكتب للصندوق في الرياض، إلى جانب "النظر" في مشروع مشترك مع "أرامكو" في مشاريع خدمات النفط المحلية، وتعد الشراكات الجديدة رد فعل طبيعي على إدراك السعودية لضعفها والتوسع المنطقي للمصالح الاقتصادية المشتركة، لكنها لا تزال غير كافية للدفاع عن الاستقرار الإقليمي.
لكن المشاريع في مجالات أحدث وأكثر تجريبية مثل السياحة والترفيه تتمتع بالأولوية، في حين يحتل التصنيع والنمو في قطاع البتروكيماويات المتنوع المرتبة الثانية، وتعتمد المشروعات الكبرى، ومعظمها لا يزال على الورق، على وجود مناخٍ استثماري وسياسي مناسب.
وتحتاج البلاد إلى زائرين دوليين جدد كسائحين، وهؤلاء سوف يفكرون مرتين قبل زيارة منتجع يقع في مجال الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية، علاوة على ذلك، فإن منتجع "أمالا" المطل على البحر الأحمر، ومدينة "نيوم"، يظلان عرضة لتغير المناخ على المدى المتوسط والطويل.
ماكينة تمويل التنويع
علاوة على ذلك، فإننا نشهد على ما يبدو تحولا في "أرامكو" وتقليلا لدورها، حيث لم تعد الشركة المطور المفضل في المملكة، على سبيل المثال، حصل صندوق الاستثمار العام، صندوق الثروة السيادية في المملكة، على حصة 40% في شركة "جسارة"، وهي مشروع مشترك مع شركة الاستشارات الدولية للمشروعات وشركة "أرامكو" لتطوير مشاريع ضخمة جديدة، وأصبح الصندوق مستفيدا من العقود النظامية والإنفاق الحكومي، وأصبح دور "أرامكو" الآن فقط كمصدر للاستثمارات والإيرادات لتمويل هذه المشاريع المحلية.
ومن المرجح أن تجمع خطة إدراج 1% من أسهم "أرامكو" في سوق "تداول" المحلي نحو 15 مليار دولار للحكومة، أو 20 مليار دولار مع التقييم الأكثر تفاؤلا للشركة بقيمة 2 تريليون دولار، وهو مبلغ زهيد مقارنة بمبلغ تريليون دولار المطلوب لتنفيذ خطة التنويع الطموحة. ويؤدي الإنفاق الحكومي المرتفع إلى حدوث بعض النمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، بزيادة تقترب من 3% على أساس سنوي، لكن هذا النمو مدفوع من قبل الدولة، ولا يعكس نموا مباشرا للاستثمار الأجنبي المباشر أو زيادة في نشاط القطاع الخاص.
ويسير الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة في منحنى هبوطي، من أعلى مستوى له في عام 2008 عند ما يقرب من 40 مليار دولار، إلى أدنى مستوى في عام 2017 بما يزيد قليلا على مليار دولار، قبل أن ينتعش قليلا في عام 2018 وصولا إلى 3 مليارات دولار من التدفقات.
إشارات إيجابية
ورغم ذلك كله، تظهر بعض الحركة الإيجابية في القطاع المالي السعودي، وتعد البنوك من أكبر الشركات ف بورصة "تداول"، لكنها تجد أيضا صعوبة في النمو والربحية، في ظل انخفاض أسعار الفائدة التي تمد البنوك بمعظم إيراداتها، ولكن هناك مجال للنمو في تقديم المنتجات المالية.
وهناك بعض التوقعات بالنمو في سوق الدين المحلية الآخذ في التوسع بسبب القروض العقارية، ومن المنتظر أن تتحول سوق الدين المحلية إلى مصدر لتمويل الحكومة، حيث تواصل الرياض استخدام تمويل الديون لتكاليفها المالية، وربما تعتمد على إصدار الصكوك المحلية أكثر من نظيرتها الدولية.
وتوجد زيادة ملحوظة في تدفقات المحافظ المالية، وذلك بفضل التصنيف الجديد للمملكة في مؤشر الأسواق الناشئة، ولدى المملكة العربية السعودية الآن 31 شركة مدرجة في "تداول"، لكن حركة الخصخصة في البورصة السعودية لا تزال بطيئة مع التركيز على إدراج أسهم "أرامكو" العام المقبل. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة أن الشركات الأجنبية لديها حق الإدراج في "تداول".
مخاطر مرتبطة بالسياسة
لكن نجاح مثل هذه المبادرات يعتمد على حجم المخاطر السياسية في البلاد، والتحدي طويل الأجل المتمثل في التركيبة السكانية، والعدالة بين الأجيال، وتعد الأخيرة مفتاحا النمو المستدام، وهناك فجوة بين الأجيال في المملكة، يكاد يكون من المستحيل إغلاقها دون حدوث تحول كبير في السياسة المالية.
وفيما يتعلق بإيرادات النفط، سوف يكون الهبوط الحاد حتميا، إما بسبب انخفاض الطلب على النفط، أو نضوب الاحتياطيات في نهاية المطاف. ويشير الميل الحالي للمملكة للاعتماد على الديون لتمويل نفقاتها ودفع فواتير التنمية المحلية، وندرة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تشير إلى أن هناك أياما صعبة تنتظر المملكة.
وتحتاج المملكة إلى خفض الإنفاق العام للحفاظ على تلك الثروة واستثمارها لتوفيرها للأجيال القادمة، وهذه هي الفجوة التي قد تظلم الأجيال القادمة، وبخلاف ما يحدث في النرويج أو الكويت، حيث ينص القانون على إبقاء جزء من عائدات النفط أو استثماره، يتم تبديد الثروة الوطنية في المملكة بسرعة، وهي تخضع لتصرفات وأهواء القيادة.
ومن المثير للاهتمام، أنه تم كبح الإنفاق بين عامي 2014 و2017 بشكل حاد، بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي في تلك الفترة، ولكنه زاد منذ ذلك الحين بسبب غياب الاستثمارات الأجنبية الرئيسية، وقد يستمر إنتاج النفط السعودي لمدة 60 عاما، لكن الاعتماد عليه يتطلب استقرار الأسعار عند أكثر من 70 دولارا، هذا إذا تجاهلنا الزيادة السكانية التي سبتلع سريعا هذه الإيرادات.
يبقى الاستنتاج الرئيسي إذن هو أن نقطة الضعف الرئيسية للمملكة تكمن في بقاء قطاع النفط كشريان للحياة في المملكة العربية السعودية، مع تمتعه بحماية أقل من قبل الولايات المتحدة، واستخدامه بشكل متكرر كقاعدة لتمويل احتياجات الإنفاق المحلية الحالية، بدلا من استغلاله كمورد للتنمية المستقبلية والأجيال المقبلة.
وحتى إذا كان بالإمكان الاستفادة من العائدات في استثمارات حكومية طويلة الأجل، فليس من الواضح أن الإنفاق في مشاريع البناء المحلية و"المشروعات الضخمة" هو الخيار الصحيح لحل الفجوة الاقتصادية بين الأجيال.