الخليج أونلاين-
بعد مفاوضات في مدينة جدة السعودية، ثم الانتقال إلى الرياض لإنهاء الاتفاق، بدت الأزمة اليمنية بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، أمام مخرج جديد، لكنه بموجب تقاسم الجانبين السلطة، وينتهي بعودة الحكومة اليمنية لعدن.
وبينما يرى أنصار الطرفين أنه سينهي احتقاناً كبيراً تشهده جنوب البلاد، يرى الكثير من اليمنيين أن الأزمة لم تحل؛ بل تم ترحيلها إلى وقت غير معلوم، وسط مخاوف من أن تشهد البلاد حرباً مدمرة جديدة يكون أحد أطرافها التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات.
ويتهم اليمنيون السعودية الراعية للاتفاق بتحولها من داعم للشرعية اليمنية إلى "محتل جديد" لجنوب البلاد؛ من خلال تقاسم النفوذ بشكل رسمي مع الإمارات في تلك المناطق، مع إضفاء شرعية للمليشيا المسلحة المدعومة من أبوظبي التي سيكون لها دور في الحكومة، وسط تحجيم كبير لدور الشرعية.
اتفاق جدة.. ثم الرياض!
بدأت التحركات السعودية، منذ أواخر أغسطس الماضي، لعقد اتفاق بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، على خلفية قيام الأخير بتنفيذ انقلاب في عدن وسيطرته عليها وطرد الحكومة منها.
وانطلقت المفاوضات في جدة قبل أن تنتقل إلى الرياض، وتوصل الطرفان، أواخر أكتوبر الجاري، برعاية سعودية إلى اتفاق لتقاسم السلطة بينهما.
بموجب الاتفاق، سيتولى المجلس الانتقالي الجنوبي عدداً من الوزارات في الحكومة اليمنية، وستعود الحكومة إلى العاصمة المؤقتة عدن خلال سبعة أيام بعد التوقيع على الاتفاق.
وينص الاتفاق على تشكيل حكومة مؤلفة من 24 وزيراً، في "حكومة مناصفة ما بين المحافظات الجنوبية والشمالية في اليمن"، في حين سيشرف التحالف الذي تقوده السعودية على "لجنة مشتركة" لتنفيذ الاتفاق.
تحركات القوات السعودية وانسحاب الإماراتية
في الـ27 من أكتوبر الجاري، أعلن التحالف العربي الذي تقوده الرياض في اليمن "إعادة تموضع" قواته في عدن لتصبح تحت قيادة السعودية بدلاً من الإمارات.
وقال التحالف إن المجموعات المسلحة الموالية للإمارات، في مدينة عدن الجنوبية، موضحاً في بيان نشرته وكالة "الأنباء السعودية"، إنه "تمت إعادة تموضع قوات التحالف في عدن لتكون بقيادة المملكة وإعادة انتشارها وفق متطلبات العمليات الحالية".
وخلال الأسبوعين الأخيرين، سحبت الإمارات معظم قواتها من مدينة عدن، بالتزامن مع وصول عشرات الجنود السعوديين إلى المدينة، إضافة إلى انسحابها من قاعدة "العند" في لحج، وبعض المواقع من مديريات وادي وصحراء حضرموت.
لكن مصادر قالت لـ"الخليج أونلاين" إن القوات الإماراتية عادت للتمركز بقواتها في مناطق ساحل حضرموت (جنوب شرق)، ومدينة المخاء بتعز (غرب)، إضافة إلى وجودها في منشأة بلحاف النفطية في شبوة، والتي ترفض حتى اليوم الخروج منها.
وأكدت المصادر أن الإمارات لا تريد الانسحاب من هذه المواقع لأهميتها، خصوصاً أنها مواقع ذات أهمية، في حين تعتبر مدينة عدن تحت سيطرة المليشيات الموالية لها، ولا تخشى من تسليمها للقوات السعودية في ظل وجود تلك المليشيا.
ردود حكومية رافضة
وعلى النقيض من التصريحات الحكومية المرحبة بهذا الاتفاق برزت تصريحات لأكبر وزيرين في الحكومة اليمنية، والمعروفين بعدائهما للإمارات، ينتقدان ضمنياً هذا الاتفاق.
ودعا أحمد الميسري، نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية اليمني، الرئيس عبد ربه منصور هادي، إلى التمسك بالثوابت الوطنية وعدم مكافأة الانقلابيين والمتمردين، معتبراً أن مشروع الإمارات في اليمن سقط، وأنه لن يقبل أي اتفاق بِذُل، ولن يعود اليمنيون إلى عدن إلا بحدهم وحديدهم، حسب قوله.
وأكد الميسري -خلال لقاء مع شيوخ ووجهاء محافظة شبوة- في 26 أكتوبر الجاري، "ضرورة استقلال القرار اليمني"، وقال إنه لا يريد "حكومة شقها يتحكم فيه محمد آل جابر سفير السعودية في اليمن، والشق الآخر يتحكم فيه ضابط إماراتي"، متسائلاً عن موقع اليمن من هذه الحكومة.
وفي نفس اللقاء قال وزير النقل صالح الجبواني: "إن البلد يتعرض لمؤامرة تهدف إلى تقطيع أوصاله وتدميره وتدمير قدراته"، مضيفاً: "لن نقبل بأي مشاريع دخيلة بدعم من قوة عسكرية، وسنكون مع شبوة إلى آخر قطرة من دمائنا".
وتابع: "إن أي اتفاق يتضمن شراكة مع الانتقالي يعني فشل التحالف ومهمته في اليمن".
ترحيب إماراتي!
ويرى الكثير من اليمنيين أن الإمارات المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق، بعد اختفاء لغة التهديد الحكومي اليمني ضدها بسبب انقلاب عدن، في أغسطس الماضي، والذي تبعه قصف الجيش الحكومي الذي سقط على أثره أكثر من 300 بين قتيل وجريح.
ورحب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، بإعادة التموضع، ووصفه بأنّه "تطور إيجابي لصالح الاستقرار وتوحيد الأولويات وحشد الجهود".
وكتب على حسابه في موقع "تويتر": "فخورون بانتصارات قواتنا ضمن جهود التحالف، وتواصل الإمارات العمل مع المملكة لمستقبل أفضل لليمن وشعبه".
القيادة السعودية لقوات التحالف في عدن تطور إيجابي لصالح الاستقرار وتوحيد الأولويات وحشد الجهود، وكلنا ثقة بأن ما تحقق من إنجازات ومكتسبات بأيد أمينة، فخورون بانتصارات قواتنا ضمن جهود التحالف وتواصل الامارات العمل مع المملكة لمستقبل أفضل لليمن وشعبه الشقيق.
— د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) October 27, 2019
بدورها هاجمت صحف إماراتية الأطراف اليمنية والمسؤولين الرافضين للاتفاق، وكان موقع "24" الإماراتي أحد تلك المواقع التي شنت هجوماً كبيراً ضد مسؤولين بارزين.
وتعمد الموقع إسقاط صفة "وزير النقل" عن الجبواني، واكتفى بوضع صفة سياسي يمني، وقال: "وهاجم السياسي اليمني صالح الجبواني التحالف، وتوعد بإفشال التحالف العربي، معتبراً أن الاتفاق دفع بالانفصاليين إلى الحكومة بدلاً من الدفع بهم إلى المحاكم".
في حين اعتبر موقع "العرب" الإماراتي أن حديث الجبواني عن أن أي اتفاق مع الانتقالي يعني "فشل التحالف" بمنزلة "توعده بإفشال اتفاق الرياض".
السعودية وسياستها الجديدة
ويقول الباحث اليمني محمد الأديمي إن السعودية كرّست نفسها من خلال الاتفاق الذي ترعاه بين الحكومة والانتقالي الجنوبي كـ"المهيمن والمرجعية الأعلى للسلطة الشرعية".
وأوضح أن هذا الاتفاق سيكون "كارثياً، بحيث إن الرياض أعدته بما يحقق لها وللإمارات إخراج السياسيين الأقوياء من صفوف الشرعية، وتأتي بوزراء وقادة جدد محايدين في مواجهة سياسية لا تحتمل الحياد، خصوصاً إذا تعلق الأمر بثوابت الشعب اليمني؛ كالوحدة والنظام الجمهوري والنظام الديمقراطي"، في إشارة منه إلى الوزيرين الرافضين لهذا الاتفاق.
وأضاف الأكاديمي في تصريحه لـ"الخليج أونلاين": إن "هذا الاتفاق أعاد تكييف الطموح السياسي للمجلس الانتقالي ذي المرجعية الإماراتية مع الأولويات السعودية، كما يرمي إلى تحجيم الشرعية وإعادة حقنها بجماعات سياسية متوترة وراديكالية لجهة نظرتها لمستقبل الدولة اليمنية الموحدة، بما يحولها إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة ومتى ما أراد اللاعب الإقليمي غير النزيه (الإمارات)".
وأوضح أن النتيجة التي تم التوصل إليها عبر اتفاق الرياض "كان يمكن الوصول إليها باستخدام النفوذ الطاغي للتحالف في عدن والمحافظات الجنوبية، إذ لم يكن الأمر يحتاج لأكثر من سحب المدرعات التي وُضعتْ في أيدي الانقلابيين"، وفقاً لقوله.
من عهدة أبوظبي إلى الرياض
من جانبه يرى الناشط السياسي اليمني سليمان البجيري أن ما تمخض عنه الاتفاق هو "انتقال الجنوب اليمني من عهدة الإمارات إلى عهدة السعودية، في عملية استلام وتسليم بين دولتين تدخلتا في اليمن قبل أربع سنوات، ضمن خطة غير معلنة لتقاسم النفوذ الجيوسياسي للمناطق المحررة من مليشيا الحوثي".
وأضاف في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن الصمت السعودي إزاء الانقلاب الإماراتي في عدن كشف عن حقيقة سعودية بأن "وصايتها هي الحل من الاحتلال الإماراتي".
وأوضح أن السعودية لم تجد حلاً لتحريك قواتها العسكرية ونشرها في مناطق جنوب اليمن إلا من خلال "بناء اتفاق سياسي توقع عليه الأطراف المتمردة والمسلحة، وينال شرعية الحكومة المعترف بها دولياً".
ودلل البجيري على حديثه بما تعرضت له القوات السعودية في المهرة، وقال: "السعودية وعت درس المهرة جيداً، فقد انتشرت عسكرياً هناك تحت مبررات كثيرة لم تقنع سكان المهرة، الذين خرجوا ضد السعودية بصوت واضح وجريء، باعتبارها دولة محتلة، فوجدت أن الطريق إلى احتلال جنوب اليمن بهذا الاتفاق الجديد".