الخليج أونلاين-
تثير مساعي الإمارات للسيطرة على عدد من أكبر وأهم الموانئ في اليمن والوطن العربي ومن ثم إدارتها، تساؤلات حول مدى مصداقية إعلانها الانسحاب من اليمن.
ويراقب اليمنيون أطماع الإمارات المتزايدة في بلادهم منذ ما يقارب 5 سنوات حين إطلاق عملية "عاصفة الحزم"، ويرصدون استغلال أبوظبي الأوضاع الحالية لتحقيق مزيد من التوسع ميدانياً على عكس ما تعلنه.
جزيرة "ميون" وميناء "المخا" وقرية "ذو باب" نماذج للتوسع الإماراتي في غياب تام للسعودية، أو في ظل غضّها الطرف عن تصرفات أبوظبي ضد اليمن واليمنيين الذين هجّرت منهم من تشاء واتخذت من بيوتهم مقار لها، ومن بلداتهم ومناطقهم الاستراتيجية قواعد عسكرية وموانئ ومطارات.
المخا..ضحية جديدة!
وتبذل الإمارات جهوداً حثيثة لتغيير الرقعة الجغرافية والإدارية والخريطة الاقتصادية لمناطق مهمة واستراتيجية تتبع إدارياً محافظة تعز جنوب غرب اليمن ومحافظة عدن جنوباً.
ونقلت صحيفة "العربي الجديد"، عن مصادر يمنية، أن الإمارات لديها مساعٍ لفصل مدينة وميناء المخا ومناطق ذوباب الحيوية وموزع وباب المندب التابعة لـ"تعز"، وتشكيلها في إقليم خاص تحت اسم "إقليم المخا"، وضم مناطق أخرى إليها مثل جزيرة ميون الاستراتيجية ورأس عمران القريبة من تعز وتتبع إدارياً مدينة عدن جنوباً.
وذكرت أن هدف الإمارات من فصل هذه المناطق وتغيير جغرافيتها "تشكيل إقليم جنوبي يسهّل لها مواصلة احتلال هذه المناطق والمنافذ البحرية الاستراتيجية والتحكم بإدارتها وثرواتها ومواردها".
ويأتي ذلك التطور رغم إعلان الإمارات سحب قواتها في اليمن، لكن اليمنيين يقولون إن أبوظبي لم تنسحب، بل نقلت قواتها إلى المخا وحضرموت.
لا غرابة في المخطط
ويقول الكاتب والباحث السياسي اليمني عادل دشيلة: إنه "ليس غريباً أن تفكر الإمارات في هذا المخطط لتقسيم المخا وما جاورها"، مشيراً إلى أن الإمارات "لديها توجه، منذ اليوم الأول لمشاركتها في الحرب، بفصل المناطق الجنوبية، وأن تسلم المناطق الغربية، وخصوصاً الساحل الغربي، لبقايا النظام السابق".
وأضاف في تصريحه لـ"الخليج أونلاين"، أن الإمارات لديها أهداف "جيواستراتيجية، تتمثل في السيطرة على الموانئ والجزر وأيضاً المناطق الجنوبية بشكل عام"، مؤكداً أن اتفاق الرياض الذي وُقع مؤخراً بين المجلس الانتقالي والحكومة الإماراتية "يأتي كمقدمة لتفكيك البلد".
وتوقع فشل اتفاق الرياض، بما يمهد "لتجريد الحكومة اليمنية من كل مكامن القوة، وأن تتحول إلى طرف سياسي مثل أي طرف آخر، وتجري حينها مصالحة جديدة بين الفصائل اليمنية، وسيتم إدخال بقايا نظام صالح في إطار الحوار الجديد، والانتقالي الجنوبي والحركة الحوثية، والحكومة اليمنية كطرف سياسي".
وأكد "دشيلة" أن التخطيط لتفكيك اليمن على أسس مناطقية وجهوية "يجري خطوة بعد خطوة، والوقائع على الأرض تؤكد ذلك، والبلد الآن مقسم على 4 أجزاء، شمالاً بيد الحوثيين، وغرباً بيد طارق صالح (ابن شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح)، والنظام السابق الذين لا يعترفون بالحكومة، والمناطق الجنوبية يسيطر عليها الجنوبي الانتقالي الذي يدين بالولاء للإمارات، والمناطق الشرقية وبعض المناطق الوسطى تسيطر عليها الحكومة الشرعية".
وأكد أن الإمارات لن تخرج بسهولة من اليمن "بعد أن قدمت الأموال الكبيرة لتدريب هذه المليشيات، وهي الآن تحاول أن تنفذ المخطط ولو كان على جماجم ودماء الأبرياء".
مخطط استعماري قديم
ويؤكد الباحث المتخصص في أمن البحر الأحمر، ناصر الصبيحي، أن المخا ذات أهمية استراتيجية، وكانت قديماً محل طمع لدى القوى الاستعمارية، وهو ما يجعل الإمارات تتمسك بها.
كما أكد أن فصل المخا عن تعز كان مخططاً سابقاً لدى الاستعمار البريطاني في اليمن، الذي سعى خلال القرن الماضي إلى فصل المدينة وضمها إلى عدن لتكون تحت سيطرته، لما لها من أهمية في وصل اليمن بالجانب الأفريقي وقربها من الممر الدولي (باب المندب).
وأشار في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أن مساعي فصل المخا عن تعز "يعد تهديداً كبيراً لليمن، وسيسهل للإمارات مواصلة احتلال المناطق والمنافذ البحرية الاستراتيجية والتحكم بإدارتها وثرواتها ومواردها".
ويشارك الصبيحي ما طرحه الباحث دشيلة؛ من أن اتفاق الرياض "يؤسس بالأساس لتقوية المليشيات واعتبارها نداً مقابل الحكومة"، موضحاً أن طارق صالح الذي يسيطر على المخا، وهو أحد قادة هذه المليشيا التي لا تعترف بالحكومة الشرعية، "يعد خطراً كبيراً، ومنفذاً لهذا المخطط الإماراتي".
أهمية ميناء المخا
وتأتي أهمية ميناء المخا من قربه من الممر الدولي في البحر الأحمر بمسافة ستة كيلومترات، وموقعه الاستراتيجي، في حين يكتسب مضيق باب المندب أهمية كبيرة للتجارة الدولية، إذ يعتبر بمنزلة طريق استراتيجي لتجارة النفط بين المنطقة العربية والدول الأوروبية، ويسمح بالاتصال المباشر بين الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس.
وتقع مدينة المخا غربي تعز على بعد نحو 94 كيلومتراً على ساحل البحر الأحمر، وبلغت أوجها الاقتصادي كمركز تجاري لليمن نهاية القرن السابع عشر الميلادي، وكان يعتبر من أشهر الموانئ في العالم، وأبرز المراكز التجارية الواقعة على البحر الأحمر، ويعود الفضل له في التعريف بمنتجات اليمن، ومنها البن.
ومع تراجع الدور الاقتصادي والتجاري لميناء المخا في السنوات الماضية، بسبب الإهمال والتهميش الحكومي السابق، تحوّل إلى ميناء رئيسي للتهريب بكل أنواعه من اليمن وإليه، ابتداء من تهريب البشر من دول القرن الأفريقي إلى اليمن ومن ثم إلى دول الجوار الغني، مروراً بتهريب الحشيش والمخدرات والخمور وغيرها، وانتهاء بتهريب الأسلحة.
كذلك لم يعد ميناء المخا يذكر في العمليات التجارية إلا في استيراد المواشي من الماعز والأبقار من دول القرن الأفريقي، وخاصة أيام الأعياد والمواسم الدينية التي يكثر خلالها استهلاك اللحوم الحيوانية.
كيف تحولت المخا إلى ثكنة عسكرية؟
في 27 يناير 2017 أعلنت القوات الحكومية سيطرتها على ميناء المخا الذي كان يسيطر عليه الحوثيون، وشاركت بارجات بحرية وطيران حربي للتحالف بقيادة السعودية في هذه العملية.
وفي أكتوبر 2017، نشرت قناة "الجزيرة" صوراً تؤكد قيام الإمارات بتحويل ميناء المخا ومحيطه إلى ثكنة عسكرية يُمنع اقتراب الأهالي منها، حيث حولت ميناء المخا ومحيطه لمنطقة عسكرية مغلقة، حيث بنت فيه قرابة 66 وحدة سكنية لإيواء ما لا يقل عن خمسمئة جندي جلهم إماراتيون، كما أحاطت الميناء بسور ضخم.
ويبدو أن الإمارات ترسم عبر العميد طارق صالح، مساراً جديداً فوق خريطة اليمن؛ بعدما سلمته المخا في أبريل 2018، ودعمته لوجستياً، وزودته بعشرات الدبابات والمدرعات ومنصات الصواريخ والعربات العسكرية، للواء قوامه أكثر من ثلاثة آلاف عسكري بين ضابط ومجند، معظمهم ينتسبون لقوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس الراحل صالح.
وفي يوليو الماضي، وصلت 3 سفن إماراتية إلى ميناء المخا قادمةً من إريتريا، وعلى متنها أكثر من ألف مقاتل، بعد تلقيهم التدريبات في القاعدة العسكرية الإماراتية في عصب.
وعقب الاتفاق الذي رعته السعودية في اليمن بعد انقلاب قوات المجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات على الحكومة المعترف بها دولياً، في أغسطس الماضي، سحبت أبوظبي قواتها من عدن ونقلتها إلى المخا، أحد أهم مقارها باليمن.
الإمارات وموانئ اليمن
وخلال ما يقارب 5 سنوات من الحرب، سفكت الإمارات الدماء، ونشرت الفوضى والقتل في المدن الجنوبية اليمنية، وأحيت الفتنة بين أهلها لإشغالهم بأنفسهم، وقدمت نفسها على أنها المنقذ والداعم للشرعية، كمدخل للسيطرة على اقتصاد وموانئ اليمن الاستراتيجية، والاستيلاء على خيراتها وثرواتها.
وتعلم الإمارات جيداً الأهمية الاقتصادية لموانئ اليمن، لذا وضعت يدها منذ الأيام الأولى للحرب التي بدأتها مع السعودية أواخر مارس 2015، على غالبية الموانئ اليمنية، خاصةً ميناء عدن المطلّ على باب المندب على ساحل البحر الأحمر والقريب من قناة السويس.
ويعتبر ميناء عدن من أكبر الموانئ الطبيعية بالعالم، وفي خمسينيات القرن الماضي صُنِّف باعتباره ثاني ميناء بالعالم بعد نيويورك من حيث تزويد السفن بالوقود.
وطوال سنوات، كانت موانئ اليمن تردف خزائن الدولة بإيرادات تقدَّر بالمليارات، إضافة إلى حقول النفط والغاز بالمدن الجنوبية، كشبوة، وعدن، والمخا، والتي تسعى الإمارات إلى إحكام السيطرة عليها من خلال مليشياتها الانفصالية.