القدس العربي-
الرياض استضافت مؤخرا بعثة من ممثلي القوات الكردية في اجتماع وصفه الأخيرون بـ«لقاء تعارف ودعم».
حتى لو احتل النظام باقي المناطق المعارضة لن يستطيع التفاوض مع كل الحلفاء والأعداء الذين استجلبهم ولن يخرج من المتاهة.
بيع النفط للنظام السوري رغم عقوبات اقتصادية أمريكية يفترض أن تمنع هذه التعاملات يبدو متاهة سياسية يمكن دخولها ويصعب مغادرتها.
ذكرت تقارير صحافية أن عشرات من الجنود السعوديين وصلوا إلى حقل العمر النفطي في ريف مدينة دير الزور والخاضع لسيطرة ما يسمى بـ«قوات سوريا الديمقراطية»، وهي تنظيم عسكريّ مرتبط بحزب العمال الكردستاني التركي.
فيما تأكد أن هؤلاء الجنود مستشارون أمنيّون أو قوات أمنية خاصة، وأشارت التقارير إلى أنهم مكلفون بحماية خبراء سعوديين ومصريين وصلوا إلى الحقل قبل أسبوع، وأن الأخيرين تابعون لشركة «أرامكو» السعودية للنفط، وتزامن هذا الحدث مع وصول عشرات الشاحنات إلى الحقل تحمل أدوات تنقيب وحفر، قادمة من شمال العراق، وأنهم تمركزوا في المدينة السكنية التي يقيم فيها جنود أمريكيون.
يحمل هذا الخبر العديد من المفارقات، كما تمكن قراءته بأكثر من مستوى، فوصول الجنود السعوديين، وكذلك الخبراء السعوديين والمصريين، ويتم دعمها بأدوات تنقيب وحفر قادمة من العراق للعمل في أكبر حقول النفط السورية، الذي تسيطر عليه قوات أمريكيّة لتؤمن لقوات كرديّة التحكم في موارده.
فتقوم الأخيرة ببيع النفط للنظام السوري، الواقع تحت عقوبات اقتصادية أمريكية يفترض أن تمنع هذه التعاملات، يبدو متاهة سياسية معقدة يمكن الدخول فيها ويصعب الخروج منها.
يسجل ضمن محاولة فهم المدخل السعودي للمتاهة أن الرياض استضافت مؤخرا بعثة من ممثلي القوات الكردية في اجتماع وصفه الأخيرون بـ«لقاء تعارف ودعم»، كما زارت مناطق سيطرة الأكراد، في السنوات الأخيرة، شخصيات سعودية رفيعة، ورغم أن الإشارات القادمة من الطرف السعودي تشير إلى أن ما يحصل «عمل استثماري»، أي أنه يقدّم «خبرات» سعودية ومصريّة لقاء مقابل ماديّ.
وهو تفسير مضحك حين نتذكر أن كشف السعودية في السنة الماضية عن تبرعها بـ100 مليون دولار لهذه القوات. أحد تفسيرات ما يحصل هو أن السعوديين مكلّفون بمساعدة الأكراد ليس بالدفع النقدي فحسب بل كذلك بالتواجد الفعليّ.
يجد هذا التواجد معناه بعد التصريحات الأخيرة التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي طالب بتخصيص موارد النفط السوري لتوطين اللاجئين السوريين العائدين والاستثمار في البنى التحتية لأماكن تواجدهم، وكذلك بالشد والجذب الحاصل على خلفيّة العقوبات الأمريكية التي أقرها الكونغرس على أنقرة.
والتلميح بنشر منظومة صواريخ أمريكية في قبرص اليونانية ردّا على شراء أنقرة لمنظومة صواريخ روسية، وكذلك رد الفعل التركيّ القويّ المهدد بإخراج الأمريكيين من قاعدتي أنجرليك وسينوب.
وجود السعوديين، بهذا المعنى، يخدم في أكثر من اتجاه، فبعد التمويل المباشر للقوات الكرديّة، يجيء وصول جنود وخبراء من السعودية ومصر، وهما دولتان تشتبكان سياسيا بقوة مع تركيا، لرفع مستوى التحدّي لأنقرة على أمل إفشال آمالها بحلّ مشكلة اللاجئين السوريين لديها، وزيادة الضغط السياسي عليها، وإحباط مساعيها في طرد حزب العمال من مناطق سيطرته، أو مدّ سيطرتها إلى حقول النفط.
من النافل القول إن كل هم النظام السوريّ، المنهمك مع حليفه الروسيّ في التدمير الوحشيّ لمحافظة إدلب، ينصب حالياً على إكمال سيطرته على المحافظة الأخيرة العاصية، إضافة إلى بعض المناطق في محافظتي حماة واللاذقية، فوظيفته الأساسية، بداية ونهاية، كانت إخضاع شعبه، ولو كانت كلفة ذلك تدمير البلاد بأكملها، واستدعاء الجيوش الغازية.
ومن غير المتوقع، حتى لو تمكن من احتلال باقي المناطق المعارضة، أن يكون في موضع يسمح له بالتفاوض مع غابة الحلفاء والأعداء الذين استجلبهم، وأنه لن يخرج من المتاهة التي أدخل سوريا فيها.