الخليج أونلاين-
لا تزال الإمارات تخوض صراعاً إقليمياً بدعم حلفائها في ليبيا، ضمن مؤامراتها لنشر حرب أهلية تهدد بتقويض البلاد عبر دعمها مليشيات مسلحة خارجة عن القانون على غرار ما تفعل في اليمن.
ولم يعد خافياً الدعم المهول الذي يقدّمه النظام الحاكم في الإمارات، ممثلاً بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، للواء الليبي المتمرد خليفة حفتر، الذي يخوض قتالاً للسيطرة على العاصمة طرابلس.
وتنوعت أشكال الدعم الإماراتي لمليشيات حفتر؛ ما بين الدعم الاستشاري والاستخباري، وتزويده بالأسلحة، وتدريب الضباط، والتعبئة الفكرية للمقاتلين، لكنها مؤخراً بدأت تستعين بمرتزقة من السودان ومن عدة دول؛ بعد أن فشل حفتر في تحقيق أهدافها في ليبيا بالسيطرة على العاصمة طرابلس.
مرتزقة من السودان إلى ليبيا
تؤكد تقارير للأمم المتحدة وصحف غربية أن الإمارات -وإلى جانبها مصر- تقدمان دعماً عسكرياً لقوات حفتر يُشكل خرقاً لحظر التسليح المفروض على ليبيا بموجب قرار للمنظمة العالمية.
في 25 ديسمبر الجاري، كشفت صحيفة بريطانية عن أدلة جديدة على تورط دولة الإمارات في تمويل نقل مرتزقة للقتال في ليبيا خدمة لمؤامراتها في نشر الفوضى والتخريب ونهب ثروات ومقدرات البلاد.
وأوردت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن أفواجاً من المرتزقة السودانيين وصلوا مؤخراً إلى ليبيا في موجةٍ جديدة للقتال إلى جانب قوات الشرق الليبي التي يقودها مجرم الحرب خليفة حفتر حليف أبوظبي.
وأوضحت الصحيفة أن موجة جديدة من المرتزقة السودانيين تُقاتل في ليبيا، مما يعمّق المخاوف بأن الصراع غاص في مستنقع حرب دولية مستعصية قد تزعزع استقرار معظم المنطقة.
وفي نوفمبر الماضي، قالت لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة إن تدخل مقاتلين من السودان في ليبيا شكَّل تهديداً مباشراً لأمن الدولة التي مزّقتها الحرب.
وذكرت لجنة من الخبراء تابعة للأمم المتحدة في تقرير مكون من 376 صفحة لمجلس الأمن أنّ الوجود السوداني أصبح ملحوظاً أكثر خلال عام 2019، وربما يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار.
وجاء في التقرير أن السودان والفريق محمد حمدان حميدتي لم يلتزما بالعقوبات الأممية التي تقضي بحظر تقديم دعم عسكري لأطراف الصراع في ليبيا، مشيراً إلى أن ألف جندي سوداني من قوات الدعم السريع أرسلوا إلى الشرق الليبي، في يوليو الماضي.
بن زايد "أمير الإرهاب"
بعد نشر الصحيفة البريطانية معلومات عن "مرتزقة السودان" خرجت صحيفة "يني شفق" التركية بهجوم حاد على ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ووصفته بـ"أمير الإرهاب".
ووضعت الصحيفة، في عددها الصادر بـ29 ديسمبر 2019، صورة بن زايد في الصفحة الأولى، وعنونته بـ"أمير الاٍرهاب"، وقالت إنه ينقل مقاتلين سودانيين عبر طيران الإمارات إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات الشرق بقيادة اللواء المتمرد خليفة حفتر.
صحيفة يني شفق #التركية لهذا اليوم في صفحتها الاولى تضع صورة #محمد_بن_زايد ولي عهد #أبوظبي وتُعنونُها ب"أمير الاٍرهاب" .. في إشارة الى نقل مقاتلين سودانين عبر طيران #الإمارات الى #ليبيا للقتال الى جانب #حفتر pic.twitter.com/tK2UyXOmYq
— هيثم أبو صالح (@Haitham_A_S) December 29, 2019
وكان رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، قال في 27 من الشهر ذاته: "إن قوى إقليمية تسعى لتأسيس أنظمة قمعية لا تخضع لمساءلة الشعب تنشط في ليبيا، وإن جهودها لتأسيس حكومات عميلة لن تنجح"، دون الكشف عنها.
وشدد على أن تركيا تدعم الحكومة الليبية الشرعية المعترف بها عالمياً، مؤكداً ضرورة إنهاء القوى الخارجية للدعم الذي توفره للمجموعات غير المشروعة ضد الحكومة الليبية.
وأردف: "لا نريد تحول ليبيا لمنطقة حرب، وهناك قوى إقليمية تسعى لتأسيس أنظمة قمعية لا تخضع لمساءلة الشعب تنشط في ليبيا، وجهود هذه القوى لتأسيس إدارة عميلة لن تنجح".
الدعم مستمر.. والمقابل إسقاط طرابلس
ويبدو أن الإمارات شعرت بالفشل مع اللواء المتمرد خليفة حفتر، فبدأت تسابق الزمن لتعويض عجز حليفها منذ أشهر؛ عن طريق كسر سيطرة حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دولياً على العاصمة طرابلس.
وضمن مساعٍ إماراتية للسيطرة على مفاصل الدولة الغنية بالنفط، طُرح اسم عارف النايض (57 عاماً)، وهو سفير ليبي سابق لدى أبوظبي، كبديل لحفتر (76 عاماً)، أو على أقل تقدير واجهة مدنية لحكم عسكري.
النايض يجمع صفات الرجل المطلوب دعمه بالنسبة إلى الإمارات؛ فهو مؤيد لـ"عسكرة" ليبيا، وعلى صلة بحليف أبوظبي القيادي المفصول من حركة "فتح" الفلسطينية، محمد دحلان، أحد المدرجين على القائمة الحمراء للإرهابيين المطلوبين لدى تركيا.
كما تمت تزكية النايض من عضو الكونغرس الأمريكي النائب الجمهوري المتطرف، ستيف كينغ، حيث غرد على "تويتر"، عقب اجتماع بينهما في 2017، معتبراً أن النايض هو "مستقبل ليبيا".
لكن أداء النايض للدور الذي يمكن أن يكون قد رُسم له، وفق مؤشرات، يصطدم بطموح حفتر، الذي يسعى هو الآخر إلى إقصاء الجميع بحثاً عن شرعية، بخلاف قوة وصلابة الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق.
أبوظبي.. منصة إعلامية وطيران مسير
ولم تتوقف الإمارات سابقاً عند تدخلاتها غير المباشرة، بل لجأت لموقف اعتبرته حكومة الوفاق الوطنية المعترف بها دولياً "موقفاً عدائياً" مباشراً؛ بسماحها بأن تكون عاصمتها "منصة إعلامية للمتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري".
في 8 سبتمبر 2019، استنكر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية بشدة ما وصفه بـ"الموقف العدائي الأخير من الإمارات، قائلاً: "إن المتحدث باسم القوات الغازية عقد مؤتمراً صحفيّاً أطلق خلاله جملة من الترهات وكمّاً من الافتراءات المصوغة بمفردات تنمّ عن الكراهية والتحريض على سفك دماء الليبيين".
وقال: إن "هذا التصرف المدان يُعتبر دعماً للمعتدي لقتل الليبيين، وإشارة للاستمرار في ارتكاب الانتهاكات وجرائم الحرب ودعم المنقلبين على الحكومة الشرعية، ويُعتبر خرقاً صارخاً لقرارات مجلس الأمن بالخصوص".
وتتحدث التقارير الدولية عن استخدام حفتر لطائرات مسيرة إماراتية ساهمت بشكل كبير في سقوط قتلى مدنيين، واستهداف مؤسسات حكومية ومدنية ومطارات ليبية، بما يعتبر أحد خروقات الإمارات في ليبيا.
مساندة تركيا لطرابلس
وفي المقابل لا تزال تركيا تؤكد توفير الأمن والاستقرار في ليبيا، ودخلت على خط الدعم العسكري بالسلاح لقوات حكومة الوفاق الليبية في مواجهة صد عدوان حفتر على العاصمة، وقدمت عشرات المركبات المدرعة من طراز "بي إم.سي كيربي" تركية الصنع، في مايو من العام الجاري، للحكومة المعترف بها دولياً.
لم يتوقف الأمر هنا؛ فقد وقعت حكومتا البلدين مذكرتي تفاهم: الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية حول السيادة على المناطق البحرية، وتهدف إلى حماية حقوق البلدين وفق القانون الدولي.
وفي 26 ديسمبر الجاري، طلبت حكومة الوفاق الليبية رسمياً من تركيا تقديم الدعم العسكري الجوي والبحري والبري لمواجهة هجوم للقوات الشرقية على العاصمة طرابلس.
وفتحت أنقرة الباب واسعاً أمام تدخُّل عسكري تركي محتمل في ليبيا؛ بإعلان تصويت برلماني قريب على إرسال جنود لدعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، والتي تقاوم "جنرالاً انقلابياً تدعمه دول عربية وأوروبية"، في إشارة إلى اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
وقال الجيش التركي إن قواته مستعدة للتوجه إلى ليبيا وأداء مهامها في حالة تلقّيها تعليمات بهذا.