سياسة وأمن » حروب

بلاك شيلد.. وجه إماراتي لعمليات تجنيد المرتزقة

في 2020/01/31

متابعات-

لم يكن اتهام دولة الإمارات، بتجنيد مرتزقة للقتال في اليمن وليبيا؛ لتحقيق أهداف أبوظبي، جديدا من نوعه، حيث تتوالى التقارير الغربية منذ سنوات، كاشفة اللثام عن تورط الإمارة الخليجية في تمويل ما يعرف بـ"جيوش الظل".

لكن الجديد والمفاجئ، هذه المرة، هو اعترافات من قبل عشرات السودانيين، ممن جرى استقدامهم للعمل في الإمارات، بموجب عقود عمل رسمية، ثم الزج بهم إلى مناطق الصراع في المنطقة.

وربما تكون أزمة شركة "بلاك شيلد" الإماراتية مع الخرطوم، طرف خيط يكشف كواليس العالم السري لشركات الأمن الخاصة التي باتت ستارا لتجنيد مرتزقة للقيام بعمليات قذرة، وفق أجندة الدولة الممولة.

معسكر "الغياثي"

وتكشف أزمة مئات السودانيين الذين سافروا للعمل في الإمارات، خلال الشهور الماضية، جانبا من وسائل وحيل التجنيد التي تتبعها الشركة الإماراتية.

ووفق وثائق تم تداولها عبر مواقع التواصل، فإن الجهة التي تعمل لصالح "بلاك شيلد" الإماراتية في السودان هي مكتب "الأميرة للاستقدام الخارجي"، وتحمل وثائق السفر وتأشيرات الدخول، ختم سفارة السودان في أبوظبي، وأختام الجهات الرسمية في الإمارات.

عقب الوصول إلى الإمارات، للعمل بوظيفة "حارس أمن"، يجرى سحب جوازات السفر من الشباب السودانيين، وإدخالهم إلى معسكر "الغياثي" على الحدود السعودية الإماراتية؛ للتدريب على أسلحة ثقيلة؛ مثل "الدوشكا" (رشاش سوفييتي ثقيل مضاد للطائرات) وقذائف الـ"آر بي جي"، وهي تدريبات بعيدة تماما عن غايات الحراسة الأمنية.

ويقوم مسؤولون إماراتيون بتخيير المجموعات المدربة بين الذهاب إلى اليمن أو ليبيا، مقابل راتب سخي يبلغ ألف دولار شهريا، وقد يزيد على ذلك، بحسب رواية "عبدالله الطيب"، شقيق أحد الشباب الذين تعرضوا للخدعة الإماراتية.

ويروي "الطيب"، أن هناك مجموعة ومنها شقيقه ويبلغ قوامها حوالي 150 شخصا رفضوا العرض الذي قدم إليهم، وهنا تم وضعهم في معسكر منفصل، وإجبارهم على ارتداء زي "الدعم السريع (قوات نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي محمد حميدتي)"، وإبلاغهم أنهم سيتم ترحيلهم دون ذكر الوجهة التي سينتقلون إليها.

بلاك شيلد

وتعمل "بلاك شيلد"(مقرها تكساس) منذ أكثر من 20 عاما، وهي توفر مجموعة واسعة من الخدمات الأمنية، والحماية التنفيذية، وأمن الأحداث، التحري الخاص، التحكم الإلكتروني، مراقبة البريد السريع، واقيات الجسم الشخصية، حلول الأمن الرقمية، كما تقدم خدمات عدة في مجال التدريب العسكري.

وتفيد الروايات السودانية المتداولة، بأن "بلاك شيلد" الإماراتية قامت بتجنيد 3 آلاف شاب سوداني عبر بعض وكالات الاستخدام المحلية في البلاد.

ويقول الناشط "أمجد البصيري" عبر "فيسبوك"، إن "المعسكر الإماراتي حتى الآن استوعب 12 دفعة 9 منها تم ترحيلها مباشرة من السودان".

وفي محاولة لكسب تأييد هؤلاء الشباب للمهام التي سيقومون بها، يتم تقديم عروض مالية مغرية لهم تصل إلى ألف دولار شهريا بدلاً من 1800 درهم التي تم الاتفاق عليها قبل سفرهم أبو ظبي، وإغرائهم بامتيازات أخرى.

وإلى جانب "بلاك شيلد"، هناك شركات أخرى تتعاون معها الإمارات لتجنيد مرتزقة، منها شركة أمن خاصة أمريكية تسمى "سباير أوبريشن"، تعاقدت معها أبوظبي لتنفيذ عمليات اغتيال ومهام قذرة في اليمن، بحسب موقع "بازفيد" الأمريكي.

ووفقا لمجلة "إنتليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في متابعة أجهزة الاستخبارات في العالم، فقد أسندت دولة الإمارات، مهام عسكرية سرية لشركة الأمن الأمريكية "بلاك ووتر"، ضمن عملياتها على الأراضي الليبية.

رد الشركة

وأمام الجدل الصاخب الذي شهده الشارع السوداني، وتصاعد إلى الاحتجاج أمام سفارة أبوظبي بالخرطوم، اضطرت إدارة "بلاك شيلد" للرد، من خلال بيان، وصفت ما تتعرض له بـ"الادعاءات المتعلقة بالخداع أو التمويه أو التضليل أو الإجبار لأي من العاملين لديها بخصوص طبيعة العمل أو نظام العمل أو موقع العمل أو العاملين لديها".

ونفت الشركة، "استقطاب أو توظيف أو تحديد موقع تقديم الخدمات إلا بالاتفاق التعاقدي المبرم مع جميع منتسبيها، وذلك بمعرفتهم الكاملة وموافقتهم التامة مع احتفاظ منتسبي الشركة بحقهم القانوني بالرفض أو القبول تبعاً لذلك".

وأكدت أن "كافة خدماتها المقدمة هي ذات طبيعة خدمية من ضمن نشاطاتها التجارية وفق الأطر القانونية المتعارف عليها ووفق أفضل الممارسات العالمية، وليست لديها أي خدمات أو ممارسات أو ارتباطات أو أعمال ذات طبيعة عسكرية أياً كان نوعها".

كذلك نفى المدير المالي والإداري لوكالة "أماندا" للسفر والسياحة، التورط في ذلك، قائلا إن "الوكالة اقتصر عملها فقط على قطع تذاكر السفر بينما كان مكتب الأميرة للاستخدام الذي يشغل هو نفسه إدارته مسؤولا عن الإجراءات التي تمت تحت إشراف وزارة العمل بعد استيفاء كل الطرق المتبعة بعد تفويض شركة بلاك شيلد لمكتب الأميرة".

وأضاف "حذيفة إبراهيم"، في تصريح لـ"القدس العربي": "حسب العقد المبرم بينهم وبين الشركة، فإن المقدمين لوظيفة حراس أمن عملهم داخل إمارة أبوظبي وليس أي إمارة أخرى، وذلك مدون في العقد المبرم بين المكتب والشركة"، نافيا أن يكون المبتعثون قد تلقوا تدريبا على أسلحة ثقيلة، وإنما كان فقط على البنادق التي تتسق مع طبيعة العمل في الحراسات الأمنية.

تواطؤ رسمي

الخطير في الواقعة السودانية، أن من جرى تسفيرهم للإمارات، لم يخضعوا لإجراء أي كشف طبي أو استخراج شهادة الخدمة الوطنية أو حتى إجراء "الفيش والتشبيه"، ما يرجح تورط طرف رسمي سوداني في عملية التجنيد.

كذلك فإن عودة 50 سودانيا الأسبوع الجاري، وسط توقعات بوصول آخرين خلال الأيام المقبلة، بعد ضغوط شعبية، يؤكد أن الأمر أحرج قيادات المجلس السيادي الانتقالي، التي تحاول لملمة الفضيحة.

المفكر السوداني "تاج السر عثمان"، عبر عن ذلك، قائلا: "عادت الدفعة الأولى من ضحايا الخداع الإماراتي، ولولا التحرك الشعبي والإعلامي لكانوا قتلة أو مقتولين، وكذلك الحال سيكون لو تم التحرك الشعبي لاستعادة الجنود السودانيين من حرب اليمن فهم ضحايا خداع برعاية السمسار حميدتي".

والخدعة الإماراتية ليست الأولى من نوعها، ففي 2017، كشفت عائلات القبائل العربية التشادية والنيجرية، عن تعرض أبنائها للخداع من خلال إقناعهم بأنهم ذاهبون إلى الإمارات للعمل في الشركات الأمنية الموجودة هناك بمبالغ وامتيازات خرافية، وحين وصلوا هناك جرى إلباسهم الزي العسكري الإماراتي، وتوزيعهم على عدد من المواقع في اليمن، بحسب صحيفة "التايمز" البريطانية.

الأمر ذاته، أكدته صحيفة "الجارديان" البريطانية، مشيرة إلى تورط أبوظبي، في تمويل ونقل مرتزقة للقتال في ليبيا إلى جانب ميليشيات حليفها "خليفة حفتر".

وفي أغسطس/آب الماضي، كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن نحو ألف من أفراد "قوات الدعم السريع" السودانية حطُّوا رحالهم في الشهر ذاته شرقي ليبيا، للقتال إلى جانب "حفتر"، كما أن "حميدتي" جند عبر وحدة خاصة من "قوات الدعم السريع"، نحو 450 شخصاً لحساب الجيش الإماراتي من القبائل العربية بدارفور.

إذن، فإن "بلاك شيلد" مجرد واجهة فقط، لخطط إماراتية للتمدد عسكريا في ليبيا واليمن ومناطق أخرى، عبر سلاح المرتزقة، مقابل أموال ضخمة، وربما يجري مستقبلا الكشف عن شركات أخرى وسماسرة من مسؤولي المنطقة لتنفيذ أجندة أبوظبي الرامية إلى إجهاض ثورات الربيع العربي.