الخليج أونلاين-
منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نهاية شهر يناير الماضي، تفاصيل خطته السياسية التي تعرف باسم "صفقة القرن"، بدأت الأسئلة الشائكة والمتشعبة تُطرح من كل جانب حول هذه الصفقة المثيرة للجدل وأهدافها الخفية.
وكان هناك سؤال واحد ينتظر الجميع إجابته وهو: "كيف ستُطبق الصفقة؟" في ظل الرفض الفلسطيني القاطع لها، وهم الطرف الرئيسي الثاني فيها بعد "إسرائيل".
السفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي، ديفيد فريدمان، حاول أن يضع إجابة لهذا التساؤل، حين كشف خلال لقاء تلفزيوني، الجمعة (28 فبراير)، عن "وجود قنوات اتصال خلفية مع قيادات في السلطة الفلسطينية والحكومة في رام الله بشأن الصفقة الأمريكية، وهناك اعتراف بأن بعض جوانب الصفقة جيدة".
وقال فريدمان لقناة "الجزيرة"، عن قنوات الاتصال الخلفية: "لا أريد أن أعترض طريق ذلك، لكن أعتقد أن هناك اعترافاً بأن بعض جوانب هذه الخطة جيدة للفلسطينيين- لنكن واضحين- مثل حل الدولتين، وهناك عاصمة في القدس الشرقية، قد لا تكون في عمق القدس بالدرجة التي يفضلها الفلسطينيون لكن هناك عاصمة في القدس الشرقية".
تصريحات السفير الأمريكي، رغم أنها لاقت نفياً قاطعاً من قبل حركة "فتح" التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أثارت في الوقت ذاته الشكوك حول حقيقة باب القنوات الخلفي الذي لا يزال مفتوحاً مع واشنطن، في ظل تردد مواقف عباس بإغلاقه نهائياً منذ إعلان ترامب، في ديسمبر 2017، القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وسِجل بعض قيادات السلطة المليء باللقاءات والاتصالات السرية مع الإدارة الأمريكية، وعلى رأسهم مدير جهاز المخابرات ماجد فرج.
الصفقة لن تُطبق
القيادي البارز في حركة "فتح" بقطاع غزة، إبراهيم أبو النجا، نفى بشكل قاطع وجود أي اتصالات سرية أو علنية مع الإدارة الأمريكية الحالية، وذلك منذ إعلان عباس قطعها نهاية العام 2017، بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل".
أبو النجا أكد، في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن الإدارة الأمريكية فشلت في تمرير الصفقة على الفلسطينيين، ولم تجد أي طريقة لتنفيذها على الأرض، ولذلك لجأت إلى حيلة التشكيك بمواقفهم من خلال تصريحات فريدمان في محاولة لإضعافهم وتشتيت حالة الثبات وتمسكهم بقرارهم.
ولفت إلى أن أي فلسطيني مهما كان منصبه في السلطة أو الحكومة يتعامل بصورة سرية ومن خلال القنوات الخلفية مع الإدارة الأمريكية سيكون "ملعوناً" ويلفظه الجميع، مؤكداً أن هذا القرار "راسخ ولم تتراجع القيادة عنه في ظل الهجمة الأمريكية على شعبنا وحقوقه".
"إدارة ترامب لم تُبقِ شيئاً للفلسطينيين، فعاصمتهم القدس منحتها لدولة الاحتلال، واللاجئون أصبحوا في ضياع ويواجهون الخطر الأكبر، والحدود والأراضي سرقت، والفلسطينيون طردوا، والحقوق تضيع من خلال الصفقة، فهي لم تبقِ أي حافز لأي لقاءات أو اتصالات من خلف الستار"، يضيف القيادي في حركة "فتح".
وذكر أبو النجا، خلال حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن السفير الأمريكي يحاول الآن "الاصطياد بالمياه العكرة، ويحاول من خلال تصريحاته الخبيثة التي جاءت في أوقات حساسة للغاية أن يشتت الموقف الدولي والعربي الرافض للصفقة الأمريكية، وخلق مناخ جديد قابل للموافقة على خطة ترامب".
وحذر القيادي الفتحاوي من مشاركة أي فلسطيني في أي لقاءات سرية أو علنية مع إدارة ترامب، معتبراً أن الأخيرة "تعيش حالة تخبط بعد أن قال لها الفلسطينيون لا؛ وصفقتكم لم ولن تمر".
بدورها نفت الحكومة في رام الله، في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، مشاركة أي من مسؤوليها أو وزرائها في لقاءات سرية مع إدارة ترامب، وأكد الناطق باسمها، إبراهيم ملحم، أن ما تحدث به السفير الأمريكي "عارٍ من الصحة، والحكومة ملتزمة بالقرار الفلسطيني".
يشار إلى أن السلطة الفلسطينية حاولت تحشيد الرأي العام الفلسطيني ضد صفقة ترامب خلال الأسابيع الماضية، وأعلنت مراراً قطع كل اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية.
كما سبق أن عقد كل من المجلس المركزي والمجلس الوطني الفلسطيني ثلاثة اجتماعات منذ أن أعلن ترامب اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال وقراره نقل السفارة إلى المدينة المحتلة، حيث صدرت عن قيادة السلطة قرارات تناولت إعادة النظر في مجمل العلاقة مع "إسرائيل"، وضمن ذلك وقف التعاون الأمني مع جيش الاحتلال، لكن قيادة السلطة لم تطبق أياً من هذه القرارات.
قناة برعاية الإمارات والسعودية
القيادي في حركة "حماس"، فتحي القرعاوي، أكد أن السلطة الفلسطينية لم تلتزم بالقرارات التي اتخذتها سابقاً بشأن قطع كل أشكال العلاقات مع الإدارة الأمريكية، وأن هناك قنوات اتصال ولقاءات قائمة الآن بصورة سرية وأخرى علنية دون أي اعتبار للمواقف الفلسطينية.
في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين" أضاف: "لا يمكن للسلطة أن تبقى صامدة دون إجراء اتصالات مع واشنطن أو تل أبيب، للتنسيق وضمان العمل ودفع الرواتب لموظفيها ومؤسساتها، وما صرح به السفير الأمريكي جزء من حقيقة السلطة الذي تحاول أن تخفيه رغم إعلان صفقة ترامب".
القرعاوي اتهم دولاً عربية، وعلى رأسها الإمارات، بالقيام بأدوار جديدة ومشبوهة لتمرير وتنفيذ صفقة القرن الأمريكية، رغم الموقف الفلسطيني الرافض لها، مؤكداً أن مواقف أبوظبي من الصفقة والتطبيع مع الاحتلال "باتت علنية وتشجع كل ما يضر القضية الفلسطينية".
القيادي في "حماس" لم يستبعد أن تكون الإمارات هي من "تلعب دوراً في قناة الاتصال الخلفية التي تحدث عنها فريدمان، مؤكداً أن إيجاد طرق ملتوية، والضغط على الفلسطينيين لدعم خطة ترامب التي تقرب العرب من دولة الاحتلال بات مصلحة إماراتية بحته تسعى للحصول عليها مهما كانت النتائج الكارثية".
وذكر القرعاوي، في ختام تصريحاته لـ"الخليج أونلاين"، أن موقف سلطة عباس ضعيف للغاية بشأن مقاطعة واشنطن كرد على الخطوات الأمريكية التصعيديه ضد القضية الفلسطينية، وهذا الأمر الذي جعل الباب موارباً لدخول الوساطات والتحركات العربية من أجل إيجاد طرق وحلول تدفع نحو التطبيع واعتبار "صفقة القرن" فرصة جيدة للسلام.
عرّابو الصفقة العرب
"السلطة الفلسطينية علنياً ترفض الصفقة الأمريكية، ولكنها ضمنياً تتماشى مع مواقف الإمارات والسعودية ودول عربية أخرى تقبل الصفقة، وهذا ما شهدناه خلال مواقف الرئيس عباس والتحركات التي تجريها سلطته على أرض الواقع"، يقول الكاتب والمحلل السياسي ثابت العمور.
ويضيف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "هناك قناة اتصال سرية ومتطورة بين رجال السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية، ومن مصلحة الطرفين عدم الإعلان عنها حالياً، وهذا الوضع مشابه تماماً لنفس القنوات السرية التي كانت تسير قبل توقيع اتفاق أوسلو".
ويوضح المحلل السياسي أن السفير الأمريكي بعد تصريحاته يمهد فعلياً للكشف عن فحوى تلك اللقاءات والتي ستكون ترجمة فعلية لصفقة ترامب، لافتاً إلى أن تلك القنوات "تحتاج لعرابين، ومن سيقوم بهذا الدور هما السعودية ومصر، وكذلك الإمارات، من أجل مرحلة التنفيذ".
ويشير العمور إلى أن عباس لا يمانع المفاوضات مع واشنطن و"إسرائيل"، لذلك هذه القنوات هي مسألة "حياة" بالنسبة له ولسلطته، وهناك قنوات اتصال على مدار الساعة بين رام الله وواشنطن، وهذا يعد طعنة في ظهر الموقف الفلسطيني المتماسك في مواجهة الصفقة الأمريكية.
وفي 28 يناير المنصرم طرح ترامب صفقته السياسية، وشارك في مراسم إعلانها من البيت الأبيض دول خليجية (الإمارات والبحرين وعُمان)، كما رأت السعودية من خلال وزارة خارجيتها جوانب إيجابية بالخطة الأمريكية، ودعت إلى مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أمريكية.
وتتضمن الخطة إقامة دولة فلسطينية في صورة "أرخبيل" تربطه جسور وأنفاق، وعاصمتها "في أجزاء من القدس الشرقية"، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة لـ"إسرائيل".
كما تنص على دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وإجبار الفلسطينيين على الاعتراف بـ"يهودية إسرائيل"؛ ما يعني ضمنياً رفض حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم وديارهم التي هجروا منها عام 1948، مقابل منح الفلسطينيين عاصمة في أجزاء من "القدس الشرقية"، على غرار بلدة أبو ديس ومخيم شعفاط.