الخليج أونلاين-
لم يعد الصراع اليمني بمنأى عن تطورات حصار قطر، في وقتٍ لا تزال الدوحة تعترف بشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، المقيم منذ نحو 5 سنوات في العاصمة السعودية الرياض.
حيث تعجّ وسائل إعلام دول الحصار باتهامات باطلة لدولة قطر بممارسة دور داعم لانقلاب الحوثيين، مقرونة بادعاءات غير منطقية تتعلق بدعم قطري للإرهاب في اليمن أيضاً، وهو ذات المنطق الذي خرج به مؤخراً وزير في الحكومة اليمنية.
وخسر اليمن من القطيعة مع قطر عقب الحصار الذي فرض على الدوحة في يونيو 2017 علاقة مع دولة أبدت استعداداً متواصلاً لتقديم الدعم السياسي والمالي في الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد، وميزانية بملايين الدولارات كانت تؤمنها الدوحة كمرتبات للدبلوماسيين وموازنة تشغيلية للسفارات اليمنية في الخارج.
اتهام يمني
يبدو أن الفيلم الوثائقي "موت على الحدود"، الذي أنتجته قناة "الجزيرة" التي تبث من الدوحة، وعرض في 22 مارس الماضي، وتتبع خفايا وكواليس التجنيد العشوائي، وتفاصيل المعارك على الحد الجنوبي للسعودية، قد أوجع الأطراف المتورطة في التجنيد، ليدفعوا بوزير الإعلام اليمني لمهاجمة قطر واتهامها بدعم الحوثيين.
واتهم وزير الإعلام، معمر الإرياني، قطر بـ"التماهي" مع المشروع الإيراني وأداته الحوثية في اليمن"، مشيراً إلى أن الدوحة وإعلامها "باتا يقدمان الدعم والغطاء للحوثيين".
الموقف الذي جاء عبر وزير الإعلام في الحكومة اليمنية دعا أيضاً قطر وقناتها "الجزيرة" إلى "النأي بنفسها عن مستنقع الدم اليمني الذي يوغل فيه ملالي إيران".
وأفاد بأن "قطر وغيرها تخطئ إذا اعتقدوا أنهم في منأى عن تصدير الثورة الخمينية والمشروع الإيراني التوسعي".
والموقف نفسه كانت قد أعربت عنه القوات الحوثية، في وقت سابق، إذ طالبت قطر بالنأي بنفسها عن الوضع في اليمن، وعدم استغلال الوضع في البلاد لتصفية حساباتها مع السعودية والإمارات، وهو ما عكس تخبطاً وإلقاءً غير مدروس للتهم على الدوحة من أطراف الحرب.
ومن اللافت أن ربط التهم على قطر بإيران، أسطوانة رددتها دولة تقيم علاقات واسعة مع طهران، وأخرى تسعى إلى الحوار والتفاهم معها، وهنا يدور الحديث حول كل من الإمارات والسعودية.
الرد القطري
وفي المقابل، رفضت قطر الاتهامات بدعم الحوثيين باليمن سياسياً وإعلامياً، مؤكدة أنها "لا تكن للشعب اليمني الشقيق إلا كل خير".
وشددت، في بيان صادر عن وزارة الخارجية، على أنها "لن تألو جهداً في دعم أية مساع إقليمية أو دولية لرفع هذه الغمة عن اليمن"، مجددة تأكيدها أن "هذه الاتهامات باطلة".
وأضافت: "القاصي والداني يعرفون من هم أطراف الصراع في اليمن، وهي الأطراف المستمرة في إذكاء المأساة الإنسانية للشعب اليمني الشقيق".
وأردفت: "كان أحرى بالسيد الإرياني أن يوجه طاقاته الإعلامية لدعوة القوى الإقليمية الداخلة في هذه الحرب لإعلاء مصلحة الشعب اليمني وإيقاف هذا الصراع الذي بات عبثياً، من خلال الانخراط بجدية في مسار سياسي ضمن أطر الشرعية الدولية والقرارات ذات الصلة".
اتهام مستهجن
ولعل اتهامات الوزير اليمن قد لاقت سخرية بين اليمنيين، حيث أبدى المحلل السياسي اليمني أحمد الشرجبي استغرابه من تكرار الاتهامات الموجهة لقطر في تدخلها باليمن والذي وصفه بـ"الاتهام الغبي"، مطالباً حكومة بلاده بالنظر إلى من أوصل الوضع إلى ما هو عليه الآن.
وقال الشرجبي لـ"الخليج أونلاين"، إن الدور القطري حتى وإن وجد، بحسب الاتهامات الموجهة من وزير الإعلام اليمني، "فإنها لن ترى بالعين المجردة، أمام الجرائم والانتهاكات التي تمارسها الإمارات بدعمها لانقلاب في عدن، والسعودية التي تتماهى مع ذلك الانقلاب".
وأضاف: "لو راجعنا تقارير فريق الخبراء الأممين في اليمن لما وجدنا أي إشارة فيها إلى دور سلبي لدولة قطر في اليمن، على عكس الإمارات التي حملت معظم التقارير اتهامات لها بدعم انقلاب، وإنشاء السجون السرية، ونهب الثروات، وتدمير كل ما هو جميل في البلاد، بل وصولاً إلى دعم الحوثيين بالطائرات المسيرة".
وتابع: "السلطة الشرعية في اليمن، التي تتلقى توجيهاتها من الرياض، أمام مرحلة جديدة من التعاطي السعودي الإماراتي مع اليمن، تجلت ملامحه الكارثية في تصميم اتفاق الرياض بينها وبين الانتقالي المدعوم من الإمارات مقابل هرولة سعودية نحو التفاهم والتحاور مع الحوثيين".
وأشار إلى أن ما تقوم به السعودية حالياً من التفاهم مع الحوثيين مقابل اتهام قطر بدعمها للمليشيا؛ "يشبه اتهام قطر بالأمس بدعمها والتواصل مع إيران، مقابل قيام الإمارات بالهرولة نحو طهران وتوقيع اتفاقيات معها، وسط تجاهل وتبلد من السعودية".
إرضاء دول الخليج
يقول الناشط السياسي اليمني عبد الله السامعي، إن تصريحات وزير الإعلام هدفها "إرضاء الدول الخليجية التي لديها خلاف مع قطر، وليست في الحقيقة عن الأزمة اليمنية".
ويضيف: "إذا كان يريد الحديث حقاً عمن يسعى لإفشال الشرعية فكان سيتحدث على الأقل عن اتفاق الرياض الأخير، وإلى أين وصل تنفيذه، وكيف أن الدول الراعية للاتفاق لم تضغط لتنفيذه ولم تعاقب الطرف المعرقل، بل قامت بتثبيت نفوذها على الأرض مع استمرار تجاهل الشرعية".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يرى السامعي أن اتهام قطر بممارسة أعمال تخدم الانقلاب وتناهض الشرعية "أمر مثير للضحك والشفقة في نفس الوقت؛ لأنها تكشف مدى بحث مسؤولين في الحكومة الشرعية عن إرضاء السعودية أو الإمارات".
وتابع: "للأسف الوزير والحكومة لا ينظرون إلى ما تقوم به السعودية والإمارات بمحاولة فرض سيطرتهما على الأرض بعيداً عن الشرعية، التي لا يزال مسؤولوها محتجزين في فنادق الرياض، ولا يجرؤون على العودة إلى اليمن بسبب المليشيات التي أنشأتها دول في التحالف العربي".
مساهمات قطر خلال الحرب
مع إعلان السعودية والإمارات إلى جانب البحرين وقطر والكويت في بيان خماسي، في مارس 2015، الاستجابة لطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالتدخل في اليمن ضد المليشيات الحوثية لإعادة الشرعية، كان للدوحة دور مهم على ثلاثة مستويات، سياسي وعسكري واقتصادي.
أعلنت قطر مشاركتها منذ اللحظة الأولى في جهود استعادة الشرعية باليمن، والمشاركة إلى جانب دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية في عملية "عاصفة الحزم"، وبذلت جهوداً دبلوماسية وسياسية في ذلك السياق.
وساهمت قطر بفعالية في الحوار الذي رعته الأمم المتحدة بين اليمنيين، وأثمرت جهودها إعادة الوفد الحكومي اليمني إلى مشاورات الكويت بين الجانب الحكومي ووفد الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، بعد أن كان الوفد الحكومي قد انسحب من المفاوضات.
وعلى المستوى العسكري، أرسلت دولة قطر عشر طائرات مقاتلة شاركت في الموجة الأولى من الضربات الجوية في عملية "عاصفة الحزم".
كما انضمت قوات قطرية معززة بعتاد ثقيل ومتوسط وصواريخ دفاعية ومنظومة اتصالات متطورة للقتال باليمن ضد الحوثيين، وتدخلت قوة قطرية ثانية التحقت بالقوات السعودية المنتشرة لحماية الشريط الحدودي الجنوبي من محاولات التسلل التي تقوم بها مليشيا الحوثي، وقتل عدد من الجنود القطريين خلال الحرب.
وإلى جانب المستويين العسكري والسياسي، ساهمت قطر بسخاء في جهود الإغاثة والإعمار باليمن منذ بداية الأزمة هناك، فقد بدأت المساعدات القطرية تصل إلى عدن عن طريق البحر على دفعات متتالية منذ الشهور الأولى من العام 2015 عبر مطار جيبوتي.
واستضافت العاصمة القطرية الدوحة مؤتمر الأزمة الإنسانية في اليمن، مطلع 2016، بجمع 223 مليون دولار لدعم الجهود الإنسانية هناك، تعهّدت مؤسسة قطر الخيرية بدفع 100 مليون منها، وإرسال عشرات المساعدات بطائرات وشاحنات، وافتتاح سبعة مستشفيات في تعز بدعم من الهلال الأحمر القطري.
ومع بدء الأزمة الخليجية وحصار قطر (يونيو 2017)، سحبت الدوحة قواتها من على الشريط الحدودي، وتوقفت فعلياً أية مساهمة لها في العمليات باليمن.