الخليج أونلاين-
بينما كانت الحكومة اليمنية تأمل أن يساهم تحالف دعم الشرعية، في إنهاء سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، ركزت الإمارات جهودها للسيطرة على مدن الموانئ الجنوبية في اليمن ودعم المقاتلين الانفصاليين، والمليشيات الموالية لها.
وعلى الرغم من أن الإمارات أعلنت تقليل وجودها العسكري في اليمن، فإنها لجأت إلى استخدام مليشياتها لتنفيذ مخططاتها، ونجحت خلال عامي 2019 و2020، في السيطرة على العاصمة المؤقتة عدن، وجزيرة سقطرى الاستراتيجية ومدن أخرى.
وفيما ما زالت أنظار اليمنيين متجهة نحو "اتفاق الرياض" بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات الذي يسيطر على عدن، بدأت الإمارات تحركاتها عبر مليشيات لها في تعز، وهو ما يترك تساؤلات عن هدف أبوظبي من تلك التحركات.
التربة.. أهميتها الاستراتيجية
منذ مطلع العام الماضي (2019)، وعقب سيطرة "الانتقالي" في أغسطس من العام ذاته على عدن، بدأت أبوظبي بالتركيز على مدينة "التربة" في تعز، وشهدت توترات عسكرية وأمنية بين قوات الجيش اليمني وفصائل مسلحة مدعومة إماراتياً.
تقع التربة على بُعد نحو 65 كم جنوب غربي مدينة تعز مركز المحافظة وعاصمتها الإدارية، وتعد جزءاً رئيساً من المنفذ الحيوي الوحيد للمحافظة، والذي يربطها بمحافظة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد عبر محافظة لحج الجنوبية.
أواخر أبريل 2019، لجأت إليها كتائب "أبو العباس" المدعومة إماراتياً، إثر تلقيها هزيمة عسكرية ساحقة في مواجهات مع الحملة الأمنية بمدينة تعز، انتهت إلى صفقة، عبر وسطاء محليين، أمَّنت خروجها من المدينة بعتادها العسكري كاملاً. ومنذ ذلك الحين، وهي تحاول فرض سيطرتها الكاملة على مدينة التربة.
كما تقع التربة بالقرب من مدينة وميناء المخا، حيث مقر قيادة القوات الإماراتية بالساحل الغربي، وقوات طارق عفاش نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والتي شكلتها أبوظبي خارج إطار الحكومة اليمنية الشرعية التي لم يعترف بها طارق حتى الآن.
تركيا في تعز!
وبعد أن فشلت محاولات مستمرة منذ أكثر من عام ونصف، للسيطرة على المدينة من قِبل تلك المليشيا، لجأت وسائل إعلام يمنية تمولها أبوظبي، وأخرى إماراتية وشخصيات، الترويج لوجود معسكرات تمولها تركيا.
واعتادت أبوظبي إطلاق عبارات "الإخوان، القاعدة"، وأخيراً "معسكرات تركية"، على القوات الحكومية أو المقاومة الشعبية الموالية للشرعية، كما حدث عقب قصفها قوات الجيش في أغسطس 2019 على تخوم عدن، ووصفت تلك القوات بـ"عناصر القاعدة".
ونشر مدير مكتب قناة "العربية" باليمن الموجود حالياً في أبوظبي، حمود منصر، تغريدة قال فيها: "الحشد الإصلاحي تحت غطاء الشرعية في التربة لتفجير الوضع بمنطقة الحجرية بمحافظة تعز، مخطط تركي بتمويل قطري يستهدف باب المندب، وعدن"، متسائلاً: "هل يدرك التحالف مخطط أردوغان في مثلث تعز-عدن-باب المندب؟".
وفي المقابل كتب عبد الخالق عبد الله، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي، على حسابه الشخصي بـ"تويتر"، قائلاً: "تركيا تقوم بتسليح وتدريب مليشيات يمنية مسلحة تابعة لها ومكونة من 5000 يمني في جنوبي مدينة تعز تحت إشراف الإخواني صالح الجبواني وزير النقل السابق في الحكومة اليمنية".
مشاريع إماراتية
يقول الدكتور عادل المسني، الباحث في العلاقات الدولية، إن أهداف الإمارات باليمن واضحة، تتمثل في "إقلاق الشرعية وإنفاذ مشاريع ذات طابع مناطقي وجهوي وانفصالي في كل مراكز النفوذ التابعة للشرعية".
وأكد "المنسي" في سياق حديثه، ما فعلته الإمارات خلال فترة الحرب "في بناء مليشيات قوية بالجنوب والساحل الغربي لهذا الغرض"، مشيراً إلى أن تعز تمثل "أهمية استراتيجية؛ لمكانتها ودورها في قيادة الثورة وموقعها الجغرافي وثقلها السكاني".
وأضاف: "طارق عفاش رجل الإمارات في تعز، ومنذ أن وطئ الساحل الغربي يعمل على اجتياح تعز وتشكيل حزام أمني فيها أسوة بالجنوب، لهذه الأسباب وضع التحالف تعز تحت الحصار، وهندس لعزلها عن جغرافيا الشرعية واعتبرها قطاعاً منفصلاً، واليوم يدفع بطارق عفاش الذي أصبح تحت إمرته عشرات الآلاف من المليشيات، لافتعال الأزمات".
وفيما يتعلق باستدعاء التهديد التركي، يقول المسني لـ"الخليج أونلاين": "هذا يمثل تحوُّلاً في الخطاب الإماراتي ومطابخها في تحليل التطورات الأخيرة، وقد شاهدنا هذا قبل اجتياح سقطرى البعيدة عن الصراع وكان مبرر الاجتياح التهديد التركي، وليس غريباً أن نراه اليوم في مدينة التربة".
واستدرك: "لكن يبدو أن القلق من الدور التركي ليس له مبرر، سوى أن تداعيات الهزيمة المُذلة لمعسكر الثورة المضادة في ليبيا أثرت على معنويات التحالف وأصابته بالحوَل وفقدان البوصلة، فبدل أن يواجه إيران ذهب إلى تركيا!"ء.
توترات مستمرة
ومنذ الربع الأخير من 2019، شهدت المدينة توترات، وصلت إلى اندلاع اشتباكات بين القوات الحكومية، والمسلحين المدعومين من أبوظبي.
وكان آخر المواجهات التي شهدتها المدينة، مطلع شهر يوليو الجاري، بين قوات الشرطة العسكرية ومسلحين موالين للإمارات يرافقهم ضباط ينتمون إلى قوات اللواء 35 مدرع التابع للجيش.
وعقب تلك الاشتباكات، شكلت السلطات المحلية بالمحافظة لجنة حكومية لوقف المواجهات وإنهاء أسباب التوتر، لكن ما لبثت أن عادت مجدداً بعد هجوم شنه المسلحون على مقر للشرطة العسكرية في 11 يوليو الجاري.
وفي 10 يوليو، أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قراراً جمهورياً بتعيين العميد الشمساني قائداً للواء 35 مدرع (مقره التربة)، بعد أكثر من نصف عام على حادثة اغتيال قائده السابق العميد عدنان الحمادي، لكنه تعرض لمحاولات اغتيال بعد يوم فقط من تعيينه.
السيطرة على غربي تعز
"ما يحدث في مدينة التربة هدفه إكمال مشروع الإمارات في السيطرة على غربي تعز"، هكذا يفسر الناشط السياسي اليمني أحمد هزاع، مشيراً إلى أن ذلك يأتي "بعد أن استطاعت أبوظبي تطويق المحافظة من مدينة المخا وصولاً إلى الوازعية جنوباً".
وأضاف هزاع في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن أبوظبي "بدأت بتلغيم التربة بزرع موالين لها وبقايا ما تسمى كتائب أبو العباس التي تم تطهير وسط مدينة تعز من قواتها".
ويقول: إن مدينة التربة "تعد أحد حصون المحافظة، حيث لم يستطع الحوثيين اقتحامها منذ 2015، ومعظم أبنائها مع المقاومة الشعبية والجيش الوطني، لذلك تحاول الإمارات عبر أذرعها السيطرة عليها، لتعيد حصار المحافظة بعد أن تم تحريرها في 2016".
وفيما أطلق عليها اسم "أسطوانة تركيا وقطر"، يقول هزاع: "هذه الأسطوانة التي تتعامل بها الإمارات هدفها السيطرة على ما تريد، فمن شماعة الإخوان وصولاً إلى شماعة معسكرات تتبع تركيا وقطر، كلها تسمياتٌ المراد منها خلق أكذوبة جديدة عن تحالفات جديدة بعيداً عن إطار الشرعية".