الخليج أونلاين-
على مدار سنوات طويلة بقيت محافظة حضرموت، جنوب شرقي اليمن، بعيدة عن الصراع الدائر منذ نحو 5 سنوات، باستثناء سيطرة مؤقتة لتنظيم القاعدة على مدينة المكلا، انتهت بانسحاب مفاجئ عقب دخول القوات الإماراتية عام 2016.
ورغم أن المحافظة الغنية بالنفط بقيت بعيدة عن الصراعات الدائرة بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي، لكن ملامح جديدة للصراع تلوح في الأفق مجدداً، بعد نحو شهرٍ فقط من سيطرة قوات الانتقالي على جزيرة سقطرى.
وتتميز حضرموت بامتلاكها ثقلاً سياسياً كبيراً يمكّنها من الإسهام بفاعلية في رسم مستقبل الدولة اليمنية الفيدرالية التي يحلم بها اليمنيون، كما أنها تشكل حجر عثرة في طريق المشاريع التي ترغب بانفصال جنوب البلاد عن شماله.
أهداف قادمة للإمارات
بعد نجاح الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات في فرض سيطرته على العاصمة المؤقتة لليمن عدن؛ من خلال إعلان "الإدارة الذاتية"، أواخر أبريل الماضي، وتكراره الأمر في أرخبيل سقطرى بعد أسابيع، يمضي الانتقالي في التوسع "لتكريس الواقع السياسي" مستغلاً مشاورات الرياض كغطاء للمناورة واللعب على الوقت.
وسارع الانتقالي إلى إعلان مسيرة في المكلا دعماً "للإدارة الذاتية"، وحشد لها على مدى أسبوع الآلاف، يوم 18 يوليو، وتفرّغ بعدها قادة الانتقالي للتصريحات لتأكيد إيصال الرسالة: "نحن هناك في حضرموت أيضاً".
وبالتوازي صعدت مكونات حضرمية اعتراضاً على تهميش حضرموت مما يجري في الرياض من مشاورات بين الحكومة والانتقالي، وبعد أيام استقبلت الرياض وفداً حضرمياً يمثل أبرز مكوناتها لإشراكهم في التشاور.
بالتوازي مع تظاهرات المكلا صعد الانتقالي في لحج؛ بعد محاصرته مقر محافظ المحافظة، وسط توترات شهدتها المحافظة التي لا يزال محافظها الموالي للشرعية اليمنية يديرها.
ومنتصف يوليو الجاري، عقب ساعات من وصوله قادماً من الإمارات بعد زيارة لنحو شهر، عقد محافظ حضرموت، قائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء الركن فرج سالمين البحسني، اجتماعاً باللجنة الأمنية، موجهاً برفع مستوى اليقظة للأجهزة العسكرية والأمنية والاستخبارية، وتنسيق العمل بشكل أفضل بين هذه الأجهزة.
ساحل حضرموت بأيدٍ إماراتية
وتنقسم حضرموت إلى جزئين (الساحل والوادي)، حيث يرى المحلل السياسي اليمني مأرب الورد، أن حضرموت الساحل -بحكم بحكم القيادات الإدارية مثل المحافظ البحسني ومن يحيطون به- "يراعون حساباتهم الشخصية، ما يجعل من الساحل نفوذاً إماراتياً".
ويؤكد استمرار وجود القوات الإماراتية في تلك المناطق، مشيراً إلى أنهم "لا يزالون يتواجدون في مطار الريان وميناء الضبة النفطي، ولديهم قوات خاصة بهم أسسوها تسمى النخبة الحضرمية، وهي غير الموجودة التي تشكلت من الرئاسة، وقوامها 5 آلاف مقاتل".
وأوضح في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن ما يريده الانتقالي في ساحل حضرموت "هو السيطرة فقط على الموارد المالية؛ لأنه يتحكم بمرافق السلطة المحلية بالساحل، ثم السيطرة على مناطق الوادي والصحراء".
لكنه يرى أن ذلك يتوقف على السعودية؛ "هل ستتخلى عن نفوذها التقليدي والقديم في حضرموت لصالح حليفتها؟"، مجيباً بقوله: "أعتقد أنه من الصعب القبول بذلك، خصوصاً أن لديهم تفاهمات على تقاسم النفوذ، وواضح أن ما حدث في سقطرى بمنزلة هدية من السعودية للإمارات".
ويشير إلى أن التصعيد الأخير في الساحل "هدفه الضغط على الشرعية لتنفيذ اتفاق الرياض وفقاً لما تريده الإمارات والانتقالي، ثم بمدى صلابة الشرعية من الاتفاق تحديداً، والذي يبدو أن الرئيس رافض لتنفيذ الجانب السياسي قبل الجانب الأمني والعسكري".
وحول ما إن كانت القوى السياسية بالمحافظة ستقف وراء أي محاولات لسيطرة الانتقالي يقول الورد: "لا أعتقد أن المكونات السياسية في حضرموت ستكون لها خطوة ضد الانتقالي والإمارات، خصوصاً أن السعودية قد استثمرت هذه المكونات في إدخالهم ضمن مفاوضات الرياض، ولن ترفع صوتها لاحقاً".
حضرموت وموقعها الاستراتيجي
وتعد حضرموت أكبر محافظات اليمن؛ إذ تمثل أكثر من ثلث مساحة البلاد (36%)، وتمتلك شريطاً ساحلياً طوله 450 كم، فضلاً عن ثروة نفطية ومعدنية وسمكية.
ويتكون ساحل وهضبة حضرموت من 12 مديرية، تعتبر مسرحاً للنفوذ الإماراتي منذ أبريل 2016، عقب انسحاب مسلحي تنظيم القاعدة من مدينة المكلا مركز المحافظة والمديريات المجاورة لها، بعد أن ظل مسيطراً عليها لمدة عام واحد.
وتحتل هذه المنطقة من حضرموت أهمية كبيرة؛ حيث توجد فيها أغلب الشركات النفطية العاملة في المحافظة، ومطار الريان الدولي، وشريط ساحلي يضم ميناءي المكلا والشحر، فضلاً عن ميناء الضبة النفطي.
كما تملك حضرموت أهمية لدى السعودية في أنها تغطي نصف مساحة الشريط الحدودي بينها وبين اليمن، مع وجود ميناء الوديعة البري، الشريان الوحيد بين اليمن والمملكة منذ أكثر من 5 أعوام، وهي المناطق التي تتبع "الوادي والصحراء".
حضرموت (الجائزة الكبرى)
"إن كانت عدن وسقطرى وباب المندب أهدافاً للإمارات فإقليم حضرموت بشكل عام هو الجائزة الكبرى"، هكذا يصف الإعلامي الحضرمي اليمني صلاح بابقي ما تهدف إليه الإمارات من حضرموت.
ويقول في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إن الموارد التي توفرها حضرموت "ستشكل المخزون المالي الذي تستفيد منه الإمارات لتمويل مرتزقتها في المحافظات الجنوبية".
ويرى أن تأخر تعثر نقل مشروع الفوضى منذ وقت طويل إلى حضرموت يرجع إلى "عدم قناعة الناس به، بل وطالما نحن نتكلم عن إقليم حضرموت فشبوة كانت المقدمة في قتال مليشيا الإمارات، والاتجاه بعيداً نحو تكريس الدولة في المحافظة".
وحول مظاهرات الانتقالي بالمكلا يقول بابقي: "المظاهرة محاولة أخيرة لتسويق الفوضى تحت ستار الزخم الشعبي، لكن الصور الحقيقية لذلك الحشد الذي دفعت فيه الأموال، بل والاقتتال عليه، يؤكد أن الحضارمة يرفضون هذا العبث، وهم ثابتون حول المبادئ التي أعلنتها كياناتهم المجتمعية؛ كمؤتمر حضرموت الجامع، الذي أكد ضرورة عزل حضرموت عن المشاريع الأجنبية عنها وعدم تكرار التجارب الخاطئة في التعامل مع حضرموت".
وأضاف: "بالأساس هذه المظاهرات كانت محاولة لقطع الطريق على وفد حضرموت الذي سافر للرياض للمشاركة في المباحثات السياسية والعمل على ضمان حق حضرموت في أي تسوية قادمة، لكنها لم تنجح".
أطماع الخارج
من جانبه يقول عبدالله سالم العوبثاني، رئيس حضرموت للتحرر والتطوير، "إن إستغلال أطماع قيادات بعض المكونات السياسية المحلية من قبل قوى أقليمية لتحقيق مصالح وأطماع في اليمن أصبح واضحاً وجلياً لدى الجميع".
ويشير إلى أن دستور الجمهورية اليمنية "يكفل حق حرية التعبير عن الرأي واحترام الرأي الآخر لأي مكون سياسي من أي محافظة من محافظات اليمن"، موضحاً بقوله: "ماقام به أنصار المجلس الإنتقالي في المكلا من ممارسات كفلها لهم الدستور كان من ضمن حقهم في التعبير عن الرأي وإصال صوتهم".
لكنه أكد في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن تأجيج الشارع في مثل هذه الأحداث أو غيرها، واستغلال الظروف المعيشية والاقتصادية للمواطن بسبب ضعف أداء مؤسسات الدولة وتردي الإقتصاد المحلي خلال فترة الحرب "لن تغير من قرار اتخذته القيادات والمكونات الحضرمية لتحقيق استقلالية القرار الحضرمي وتحقيق الاستقرار السياسي في حضرموت".
وأضاف: "كما أن مثل هذه الاحتجاجات لن تسمح بجعل حضرموت وثرواتها ومقدراتها وموائها وكل ارثها التاريخي رهناً لأطماعهم".