متابعات-
بين شد وجذب يعيش مجلس النواب اليمني خلافات كبيرة تكاد تعصف بما تبقى للشرعية اليمنية من الكيان التشريعي الأول في البلاد، والذي مضى عليه دهر بذات أعضائه بدون تغيير.
وبينما يعيش أعضاء البرلمان في شتى بقاع اليمن وخارجه؛ بعد فشل مستمر لعقد جلساته بشكل مستمر، تبرز خلافات داخل المجلس بعد تصريحات أدلى بها نائب رئيس البرلمان عبد العزيز جباري، هاجم فيها صراحة السعودية والإمارات، واتهمهما بالعمل على إضعاف الشرعية وتفتيت البلاد.
ولم تمضِ تصريحات "جباري" دون ضجة بين اليمنيين، قابلها هجوم شرس خرجت به رئاسة المجلس، معتبرة أن ما أصدره لا يعبر عنها ولا عن الشرعية اليمنية، ما يطرح تساؤلات عما إن كانت السعودية والإمارات قد تتسببان في إحداث انقسام داخل البرلمان المنقسم أساساً بين الشرعية والحوثيين.
تصريحات جباري
بشكل مفاجئ خرج عبد العزيز جباري نائب رئيس مجلس النواب ومستشار الرئيس اليمني قائلاً إن الشرعية اليمنية أصبحت رهينة في يد السعودية والإمارات، قائلاً لهم: "سلموا لنا مؤسساتنا وغادروا بلادنا مع الشكر".
وأوضح "جباري" في تصريح لقناة الجزيرة، في 23 سبتمبر 2020، أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وحكومته، ومجلس النواب، وكثيراً من المسؤولين "لا يستطيعون العودة إلى اليمن لرفض السعودية ذلك".
وانتقد نائب رئيس مجلس النواب اليمني فرض وزراء ومسؤولين بتوجيه من أبوظبي والرياض من أجل تمرير مصالح هاتين الدولتين، مؤكداً أن السعودية ضغطت على الرئيس هادي لتعيين رئيس وزراء من طرفها.
وفجّر جباري مفاجأة بقوله إن السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر هو المتحكم الحقيقي في المشهد اليمني عبر إصداره القرارات و"الفرمانات"، كما أنه يتعامل مع اليمنيين كأتباع، وهذا يدمر الشرعية اليمنية، وهو أمر غير مقبول إطلاقاً".
وأوضح أن تصرفات التحالف (دعم الشرعية) مخالفة للأهداف التي جاء من أجلها والمتمثلة في إنهاء الانقلاب الحوثي وعودة الشرعية والوقوف في وجه المشروع الإيراني في اليمن، وهي أهداف لم يتحقق منها شيء.
وأكد أنه "لا رغبة هناك لتمكين الشرعية اليمنية التي ادعوا أنهم جاؤوا لدعمها، الأمر الذي يوحي بوجود مخطط لاستمرار الحرب الدائرة منذ نحو 6 سنوات".
رد سريع
لم تمضِ تصريحات جباري دون هجوم ضدها، لكن كان اللافت أنها جاءت من مجلس النواب اليمني، بعدما خرج تصريح ممن أطلق عليه "مصدر مسؤول" قائلاً: إن تلك التصريحات "لا تنسجم مع الموقف الرسمي للدولة ومجلس النواب أو هيئته الرئاسية".
وعبر عن أسفه بقوله: "إنها لا تعبر عن أي من مؤسسات الدولة اليمنية وعلاقاتها المتميزة مع دول التحالف"، مؤكداً أن الوقائع التي أوردها جباري "مجافية للواقع، وفيها الكثير من التجاوز لأسباب الكارثة التي يعيشها الشعب اليمني".
ولم يكتفِ بمهاجمة ما طرحه جباري، بل قال في بيانه: "إن الطموحات الشخصية وتحقيق مكاسب للأفراد على حساب القضايا الموضوعية أمرٌ ينطوي على نوازع انتهازية تستغل معاناة الناس لادعاء البطولة في الدفاع عن قضاياهم ومعاناتهم (..) وهو الأمر الذي ظهر في مقابلة عبد العزيز جباري مدعياً دفاعه عن السيادة والقرار الوطني وعن الظروف الصعبة التي تعيشها الجماهير اليمنية".
وسرعان ما خرج نواب في بيان مبدين استياءهم من بيان "المصدر المسؤول"، مشيرين إلى أن ما قاله جباري "لا يتحدث عن كائنات فضائية ولا عن خيالات، وإنما عن واقع صادم بات يعيشه اليمنيون في كل مكان".
ودعا البيان قيادة المجلس الى "التحلي بالمسؤولية في التعامل مع قضايا البلد المصيرية، فالبلد ينهار ويغرق بينما هناك من تستهويه ألعاب المراهقين ومعارك الصبية، ويسعى إلى تحويل المجلس إلى غرفة ملحقة بأطراف في التحالف على حساب الشعب اليمني ومصالحه العليا، في وقت يفترض فيه أن ما يجمع اليمن والتحالف تحديات مصيرية ومصالح مشتركة لا يمكن أن تتحقق بالانتقاص من اليمن وأرضه وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه".
في حين اتهم نائب في البرلمان اليمني السعودية والإمارات بالدفع بشخصيات داخل مجلس النواب لتنفيذ توجيهاتها والعمل على تعكير العمل داخل البرلمان.
وقال النائب الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ"الخليج أونلاين"، إن البيان الذي صدر لا يعبر عن مجلس النواب، بل عما تريده الرياض وأبوظبي عبر شخصيات في رئاسة المجلس وبعض الأعضاء، الذين قال إنهم "يرتهنون للعاصمتين اللتين تسببتا بالدمار لليمن".
طرح واقعي
ويبدو أن الرد الذي خرج عن رئاسة هيئة البرلمان اليمني قد أغضب كثيراً من النواب، حيث استغرب النائب شوقي القاضي من البيان قائلاً إن أعضاء المجلس لا يعرفون من هو "المصدر المسؤول" الذي خرج به.
وقال "القاضي" في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إن البيان لم يعلم عنه أعضاء المجلس ولم يطرح عليهم، مشيراً إلى أن ما طرحه جباري "يعبر عن وجهة نظره ويتفق معه كثير من اليمنيين، وأنه لا يصح مطلقاً أن يرد عليه المجلس".
وأكد أن ما طرحه نائب رئيس المجلس "نقاط وقضايا يجب الرد عليها بواقعية"، موضحاً بقوله: "ذكر أن البرلمان لم ينعقد وهذا واقع، والمفروض كان يجب أن يقولوا إننا سنعقد جلسة خلال الأيام المقبلة، والحكومة حين قالت إنها لم يسمح لها بالعودة أيضاً كان يجب أن يقال بأنها ستعود إلى عدن يوم كذا".
وأضاف: "لا أحد مطلقاً لا منصف ولا صاحب ضمير يستطيع أن يكذب ما قاله جباري، فما طرحه يقوله كل المسؤولين في الغرف المغلقة وفي العلن يكذبون".
ووجه نصيحة للتحالف الذي تقوده السعودية باليمن قائلاً: "الإخوة بالتحالف ستأكلون من الكذب مقالب كثيرة؛ لأن من يكذب عليك سيبيعك عند أقرب صفقة".
وأكد أن الواقع على الأرض يشير إلى أن الجيش اليمني لم يبنَ كما يقولون، والأسلحة التي يمتلكها شخصية، بينما الحوثي يهاجم مأرب، مشيراً إلى أن "الجيش لا يملك ما يدافع به عن نفسه، بعد أن كان على حدود صنعاء والحديدة".
وتابع: "التحالف بدلاً من أن يتجه غرباً اتجه شرقاً، وأوجد مشاكل كان في غنى عنها، واختلق مشاكل في سقطرى والمهرة، وشق نسيج اليمنيين ووحدتهم، وطرح وعوداً ولم يفِ بها، وكان في مقدمتها إنهاء الانقلاب".
وأبدى أسفه "لمشاهدة الحوثي يتجذر ويمضي بغرس أفكاره ومليشياته، كما لم يستعد التحالف الدولة ولم يسمح لقياداتها بالانعقاد والعودة للبلاد".
واتهم القاضي التحالف بالعمل على "تمزيق الشرعية وإيجاد قوى جديدة بديلة لها، ومنع الدولة من استرداد أنفاسها باستعادة الاقتصاد الوطني الذي ينهار، وإعادة العمل في المنشآت الاقتصادية؛ كميناء بلحاف النفطي والموانئ والمطارات والسواحل".
وأشار إلى أن التحالف "هو من يشتري المرتزقة، بينما نحن كأعضاء المجلس لا نستلم رواتبنا إلا كل 5 أشهر، بواقع راتب فقط".
برلمانين بين الشرعية والحوثي
يعتبر مجلس النواب الغرفة التشريعية الأولى للبرلمان اليمني، ويعمل جنباً إلى جنب مجلس الشورى الذي يعد الغرفة التشريعية الثانية، ويتكون من 301 عضو منتخب بالاقتراع السري المباشر.
ومضى على مجلس النواب الحالي أكثر من 17 سنة منذ انتخابه لأول مرة في 27 أبريل 2003، وكان مقرراً أن تنتهي فترته في 27 أبريل 2009 بعد 6 سنوات، إلا أنه جرى التمديد له لعامين إضافيين بالتوافق بين القوى السياسية الرئيسية، وحالت ثورة فبراير 2011، ثم التمديد وانقلاب الحوثيين، دون ذلك الأمر.
وعقب انقلاب الحوثيين لم ينعقد المجلس سوى مرة واحدة لست جلسات فقط عقدت في مدينة سيئون، في أبريل 2019، بكافة الأعضاء الذين يقبل بعقد جلساتهم، فيما يعقد الحوثيون جلساتهم بنواب غير مكتملي العدد، ويمارس عمله بشكل مستمر منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015.
وتكمن أهمية البرلمان بدوره في معادلة الصراع في اليمن نتيجة لوظائفه الدستورية في إقرار التشريعات والرقابة على الحكومة، والتصديق على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.